ترجمة وتحرير: نون بوست
كان الاجتماع الذي جمع بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في دمشق في 16 تموز/ يوليو أوّل اجتماع يلتقي فيه قادة من الدولتين في سوريا منذ بداية الانتفاضة ضد الأسد في سنة 2011.
قد يظن البعض أن هذا الاجتماع جزء من التحوّل الإقليمي الأوسع للدول العربية لتطبيع العلاقات مع دمشق بعد أكثر من عقد من العزلة، إلا أن هذه الزيارة تمثل في الواقع استمرارية أكثر من كونها تغييرًا. وعلى عكس معظم الدول العربية، التي قطعت العلاقات وصوتت لصالح تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في سنة 2011، احتفظ العراق بعلاقاته مع جارته الغربية. لقد كانت بغداد بعيدة عن الحياد ولعبت دورًا رئيسيًا في بقاء الأسد في السلطة.
رغم تركيز الاهتمام بشكل مفهوم على الدور الذي لعبته إيران وروسيا في تعزيز سلطة الأسد، إلا أنه لا ينبغي تجاهل الدور الذي لعبه العراق. تعد أهمية دور العراق في بقاء الأسد في السلطة مفاجئة بالنظر إلى العلاقات التاريخية السيئة بين الجارتين. فقد كان صدام حسين ووالد بشار الأسد، حافظ الأسد، الذي حكم سوريا من سنة 1970 حتى وفاته في سنة 2000، يكرهان بعضهما البعض.
كان الانقسام الأيديولوجي في حزب البعث خلال فترة الستينات يعني أن بغداد ودمشق تخضعان لحكم فصائل مختلفة معادية لبعضها في كثير من الأحيان، حتى باعتمادها الاسم نفسه. أدى العداء الشخصي بين حافظ وصدام إلى تفاقم الأمور ولجوئهما إلى حلفاء منافسين في الخارج: دعمت سوريا إيران في حربها التي استمرت ثماني سنوات ضد العراق، بينما دعمت بغداد الفصائل المناهضة لسوريا في الحرب الأهلية اللبنانية. وانهارت الأوضاع في سنة 1991 عندما انضم حافظ الأسد إلى التحالف الدولي لطرد صدام من الكويت.
مع أن بشار الأسد عمل على تهدئة العلاقات بعد وصوله إلى السلطة في سنة 2000، إلا أن هزيمة صدام حسين على يد الولايات المتحدة في سنة 2003 شهدت عودة العلاقات إلى التوتّر حيث شجّعت دمشق سرا المسلحين على التوجه إلى العراق لزعزعة استقرار الاحتلال الأمريكي والحكومة المنتخبة حديثًا في بغداد.
العلاقات الحيوية
مع ذلك، تحسّنت العلاقات السورية العراقية مع ازدهار التجارة بين البلدين، إذ أصبح العراق الشريك الأول لسوريا في التصدير تزامنا مع الانتفاضة. ومهّد صعود السياسيين الموالين لإيران في العراق إلى السلطة، مثل نوري المالكي، الطريق لتعزيز التعاون وكلاهما يشتركان في تحالفهما مع طهران حتى لو كان المالكي والأسد غير مقربين.
أثبتت هذه العلاقات أهميتها عندما اندلعت الحرب الأهلية السورية، حيث قدّم العراق الكثير من الدعم الحيوي للأسد. في المقام الأول، قدّم العراق الدعم الدبلوماسي للأسد، فعندما صوتت جامعة الدول العربية على تعليق عضوية سوريا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، امتنع العراق بشكل خاص عن التصويت. وإلى جانب الأصوات المعارضة في لبنان واليمن، سمح ذلك للأسد بالتظاهر بأنه ليس معزولًا تمامًا – وهو الأمر الذي ساعد في تعزيز بعض الدعم المحلي.
على غرار لبنان، اختار العراق عدم الانضمام إلى الحظر التجاري الذي فرضته جامعة الدول العربية على سوريا بعد ذلك. ونظرًا لأهمية التجارة العراقية للاقتصاد السوري، وفّر ذلك لدمشق رأس مال إضافي استخدمته في الحرب لبضعة أشهر أخرى قبل أن تصل خطوط القتال إلى الحدود العراقية وتتوقف التجارة إلى حد كبير. ولا تزال أهمية التجارة بارزة اليوم، فخلال زيارته إلى دمشق دعا السوداني إلى رفع جميع العقوبات عن سوريا مدركًا أن العراق سيكون المستفيد الأكبر.
كان الدعم العسكري شريان الحياة الثاني للأسد. وفي حين لم يرسل الجيش العراقي رسميًا مساعدة للأسد، فإن حكومة بغداد لم تبذل أي محاولة لمنع آلاف المقاتلين الشيعة العراقيين من التوجه غربًا للانضمام إلى الألوية التي تقودها إيران، وأبرزها لواء أبو الفضل العباس الذي تشكّل سنة 2012 من قبل الجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني ويضم عدة آلاف من المقاتلين العراقيين الذين يلعبون دورًا حيويًا في الدفاع عن نظام الأسد الرئيسي واستعادة مكانته.
ظهرت أهمية هؤلاء المقاتلين في سنة 2014 عندما اختار الكثيرون العودة إلى العراق لمحاربة تنظيم الدولة، مما أدى إلى استنزاف القوات الحكومية والمساهمة في قرار روسيا بالتدخل المباشر لمنع سقوط الأسد بعد سنة.
محاربة تنظيم الدولة
في وقت لاحق من الحرب، ساعدت الحكومة العراقية الأسد بشكل غير مباشر في قتاله المشترك ضد تنظيم الدولة. لقد كان التزام الأسد بالحرب على تنظيم الدولة دائمًا ثانويًا في قتاله ضد قوات الثوّار في غرب سوريا. ومع ذلك، ساعد الجيش العراقي ووحدات الحشد الشعبي المتحالفة معه، بدعم منفصل من الولايات المتحدة وإيران، وكذلك عمليات مماثلة من قبل قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا، على هزيمة التنظيم. وقد أعطى هذا الأسد فرصةً لاستعادة جزء كبير من وسط سوريا، مما سمح له بإعادة توجيه القوات لاستعادة غرب البلاد.
وفّر العراق لدمشق وحليفها المشترك إيران دعمًا استراتيجيًا لمساعدة الأسد. وإلى جانب توفير مقاتلين شيعة، سمح العراق لسليماني وقواته بحريّة التنقل عبر الحدود السورية العراقية برًا وجوًا، مما سمح له بالوصول إلى الأسلحة والإمدادات.
جاءت اللحظة الحاسمة عندما انسحبت الولايات المتحدة من العراق في كانون الأول/ ديسمبر 2011، مما منح العراق السيطرة الكاملة على مجاله الجوي مرة أخرى. بعد ذلك، سمح وزير النقل هادي العامري، الذي كان يترأس جماعة بدر – حليف سليماني المقرب – برحلات إيرانية منتظمة لعبور العراق متجهة إلى سوريا، وهو أمر كانت الولايات المتحدة قد حظرته سابقًا. وبينما أصرّ العراق على أن هذه الرحلات كانت إمدادات إنسانية، جادل المتمردون في سوريا وحلفاؤهم بأنها شملت أسلحة حيوية للأسد، بالإضافة إلى مقاتلي حزب الله من لبنان الذين انضموا إلى الصراع.
ليست ثورة دبلوماسية
في ذروة الحرب، وعلى الرغم من تعذّر الوصول إلى دمشق وبغداد عبر معظم الحدود السورية العراقية، كانت حكومة العراق تقدم دعمًا دبلوماسيًا واقتصاديًا وعسكريًا مهمًا لمساعدة الأسد على الصمود.
من المغري ربط كل هذا بتقارب بغداد مع إيران واعتبار العراق أكثر من مجرد وكيل لطهران، إلا أن هذا التبسيط مبالغ فيه. ومن الواضح أن العديد من القادة العراقيين، مثل المالكي أو العامري، كانوا متحالفين بشكل وثيق مع إيران وهذا جعلهم أكثر استعدادًا لمساعدة الأسد بناءً على طلب سليماني أو غيره. ولكن العديدين أيضًا لم يرغبوا في رؤية الأسد يسقط وشعروا بالخوف حقًا من العواقب المحلية والإقليمية التي قد تنجر عن هزيمة الديكتاتور السوري.
إن التحركات الهادئة التي ساعدت في تعزيز سلطة الأسد لم تؤجج معارضة محلية واسعة النطاق. وبناء على ذلك، لم يكن احتضان السوداني للأسد في دمشق هذا الشهر ثورة دبلوماسية، وإنما مجرد استمرار للسياسة العراقية الحذرة والهادئة والداعمة للزعيم السوري منذ بداية الحرب.
المصدر: ميدل إيست آي