تحتفل مصر اليوم بالذكرى الثامنة لافتتاح مشروع ازدواج قناة السويس، المعروف داخل الأوساط الإعلامية المصرية بمشروع “قناة السويس الجديدة”، وهو المشروع الذي تضمن حفر فرع مواز بطول 35 كيلومترًا على طول المجرى الملاحي (يخرج من القناة الرئيسية عند الكيلومتر 60 ويصب فيها مجددًا في الكيلومتر رقم 95 ).
ومع الذكرى السنوية لحفر القناة الجديدة التي افتتحت في 6 أغسطس/آب 2015 تحتفي وسائل الإعلام المصرية والأحزاب السياسية وبعض مؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى السلطات الرسمية التي تصفه بـ”الإنجاز” و”هدية مصر للعالم”، معتبرين أنه أحد أهم المشروعات اللوجستية في القرن الحادي والعشرين.
في هذا السياق، تطل العديد من التساؤلات برأسها – وهي التي تثار كل عام منذ نشأة التفريعة الجديدة – باحثة عن إجابة دقيقة، متعلقة بمدى تحقيق هذا الإنجاز كما يصفه الإعلام المصري للأهداف التي دُشن لأجلها؟ وهل العوائد المحققة سدتت بالفعل تكاليفه التي تجاوزت 8 مليارات دولار؟ وهل استحق بالفعل هذا المشروع لقب “الإنجاز” أم أن الأمر كان مجرد دعاية لترسيخ أركان نظام ما بعد الثالث من يوليو/تموز 2013؟
طبيعة المشروع
يتلخص المشروع في تدشين فرع مواز لقناة السويس التقليدية بطول 35 كيلومترًا مع تدشين بعض المشروعات اللوجستية على جانبي التفريعة الجديدة وتحويلها إلى منطقة استثمارية تدر على مصر العملات الأجنبية المطلوبة.
قبل 2014 كانت القدرة الاستيعابية للقناة تعادل نحو 50 سفينة يوميًا وفق الأرقام الرسمية الصادرة حينها، فيما يستهدف المشروع الجديد زيادة هذا الرقم ليصل إلى 97 سفينة في اليوم الواحد بحلول عام 2023 بحسب ما أعلنته هيئة قناة السويس ضمن أهداف المشروع.
لم تكن مصر مهيأة في ذلك الوقت لتحمل كلفة هذا المشروع الضخم، في ظل الأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها الدولة، والاحتياجات الأكثر إلحاحًا المفترض تلبيتها من طعام وشراب قبل التفكير في مثل تلك المشروعات العملاقة التي كان يستهدف بها النظام الجديد تقديم أوراق اعتماده للشعب المصري بشكل سريع بصرف النظر عن الاعتبارات الأخرى.
ومن هنا راهن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على دعم المصريين له في هذا المشروع، مستغلًا حالة الزخم الشعبي والسياسي بعد يوليو/تموز 2013، وبالفعل جمع من الشعب 64 مليار جنيه، في صورة شهادات بنكية، بفائدة قدرها 12%، لتبلغ كلفة إنشاء التفريعة الجديدة ما يقارب 8 مليارات دولار.
ما الأهداف المنشودة؟
الهدف المعلن على لسان الرئيس المصري وقتها والمسؤولين ورموز الإعلام الداعم للنظام الحاكم أن القناة الجديدة هي هدية مصر للعالم وأنها الإنجاز الذي يختصر المسافات ويسرع من وتيرة حركة التجارة الدولية التي كانت تعاني في ذلك الوقت من تباطؤ وركود.
– في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 قال رئيس هيئة قناة السويس، آنذاك، الفريق مهاب مميش، إن مشروع التفريعة الجديدة سيدر دخلًا على مصر يصل إلى 100 مليار دولار سنويًا، مضيفًا في مؤتمر صحفي له أنه لا بد من توافر بنية تحتية سليمة وقوانين استثمار مرنة لإعداد هذا المشروع، مضيفًا “وضعنا تصورًا وتم تسليمه لدار الهندسة عن الأنشطة التي يمكن تنفيذها”.
– وفي 13 يونيو/حزيران 2015 أعاد مميش تأكيد ما قاله قبل أكثر من 7 أشهر بشأن العائد المتوقع تحقيقه من المشروع الجديد، منوهًا أن الدول كافة مدعوة للاستثمار في محور قناة السويس الجديدة، حيث إن الدولة المصرية لا تفرق بين دولة وأخرى.
– في 27 يوليو/تموز 2015 قدم رئيس قناة قناة السويس، خلال مداخلة تليفزيونية له مع الإعلامي المقرب من النظام، أحمد موسى، على قناة “صدى البلد” المملوكة للبرلماني محمد أبو العينين، خريطة تفصيلية للعوائد المتوقع تحقيقها من المشروع، لافتًا أن دخل القناة سيزيد خلال أول عامين ( 2015-2017) ليصل إلى 8 مليارات دولار، ثم يرتفع بحلول عام 2023 إلى 13.4 مليار دولار.
– بعيدًا عن العوائد التي لم تتحقق في أول عامين بحسب نبوءة مميش، اعترف الرئيس المصري في 25 يوليو/تموز 2017 خلال كلمته بمؤتمر الشباب فى نسخته الرابعة الذي عقد بمدينة الإسكندرية، أن “من ضمن أهداف مشروع قناة السويس الجديدة هو بناء ممانعة معنوية للشعب المصري بعد فترة صعبة استمرت 4 سنوات”.
بعد 8 سنوات.. ما الذي تحقق؟
– بحسب الأرقام الرسمية كان دخل القناة خلال عام 2009/2010 إبان عهد حسني مبارك 5.5 مليار دولار، ثم تراجعت إلى 5.2 مليار دولار خلال عام حكم الرئيس محمد مرسي، واستمر التراجع خلال العام الأول من تدشين التفريعة الجديدة ليصل إلى 5.1 مليار دولار عائد سنوي، ثم 5 مليارات دولار عام 2016.
– منذ عام 2018 بدأت العوائد في الارتفاع، فوصلت إلى 5.5 مليار دولار ثم 5.9 مليار دولار عام 2019 مرورًا بالطفرة الكبرى خلال عام 2021/2022 حين حققت عائدًا قدره 7.9 مليار دولار، وذلك قبل أن تصل إلى الرقم القياسي خلال العام المالي الحاليّ 2022/2023 حيث وصلت 9.4 مليار دولار.
– ووفق تصريحات رئيس هيئة القناة الحاليّ، أسامة ربيع، في 21 يونيو/حزيران الماضي فإن دخل القناة هذا العام هو الأعلى في تاريخها، حيث بلغ عدد السفن التي مرت بالقناة خلال العام المالي الماضي 25837 سفينة، وذلك بعدما كانت 17148 سفينة عام 2014، و17483 سفينة عام 2015 (بعد حفر القناة بخمسة أشهر ثم تراجعت إلى 16833 سفينة عام 2016، بحسب إحصائية لهيئة قناة السويس).
زيادة الإيرادات.. أكثر من تفسير
الزيادة الملحوظة في عوائد قناة السويس من 5.1 مليار دولار عام 2015 إلى 9.4 مليار دولار عام 2023 قوبلت بتفسيرات عدة، بعضها كان واقعيًا والآخر عزفت عليه الآلة الإعلامية في محاولة لربط تلك الزيادة بمشروع التفريعة الجديدة، ردًا على الهجوم والانتقادات التي تعرضت لها في السنوات الأولى من تدشينها بعدما تراجعت الإيرادات عما كانت عليه في السابق.
خبراء النقل البحري أرجعوا تلك الزيادة إلى عدة أسباب، أولها: زيادة رسوم العبور وارتفاع قيمة حقوق السحب الخاصة SDR مقابل الدولار الأمريكي التي تحدد يوميًا، كما ذهب الخبير في النقل البحري، المهندس أحمد مهران، في حديثه لمجلة “المجلة” المصرية.
ومن بين الأسباب كذلك زيادة عدد صفوف سفن الحاويات، بجانب زيادة الحوافز لبعض أنواع السفن، فضلًا عن زيادة الرسوم المفروضة على طوابق سفن الحاويات فوق السطح العلوي للسفن العابرة للقناة، التي ازدادت بنسب تتراوح بين 5 – 39% من الطابق الأول حتى الطابق الحادي عشر، و2% زيادة جديدة على كل طابق إضافي، هذا بخصوص السفن المتجهة جنوبًا، أما بخصوص السفن المتجهة شمالًا فزادت رسوم العبور بنسب تتراوح بين 9 – 57%.
ارتفاع أسعار البترول أيضًا كان سببًا رئيسيًا في زيادة عوائد قناة السويس المصرية كذلك بحسب خبير الاقتصاد والنقل البحري عاطف سليمان الذي يعمل مستشارًا لأحد الخطوط والتوكيلات الملاحية، الذي قال: “تخطي أسعار البترول حاجز الـ120 دولارًا، يصب في مصلحة قناة السويس، لأنه كلما ارتفع سعر برميل البترول تزيد تكاليف الإبحار، ما يجبر السفن على اختيار أقصر طريق في رحلتها، لذلك تتجه لعبور قناة السويس”.
في المقابل هناك من يرى أن التطورات السياسية والأمنية التي شهدها العالم خلال العامين الماضيين كانت السبب الرئيسي وراء تلك الطفرة في العوائد، وهو ما لم يتحقق قبل ذلك رغم وجود التفريعة الجديدة، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية كما ذهب أستاذ الاقتصاد والتمويل الدولي علاء السيد الذي يرى أن تلك الزيادة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالقناة الجديدة، وإنما تأتي “ضمن إيجابيات الحرب الروسية الأوكرانية اقتصاديًا على مصر بعد اضطرار أوروبا إلى التركيز على استيراد البترول والغاز من دول الخليج العربي بدلًا عن الغاز والبترول الروسي، وهو ما أدى إلى كثافة عبور ناقلات النفط عبر قناة السويس وارتفاع إيراداتها لهذا السبب”.
هل نجح المشروع في تحقيق أهدافه؟
في علم الاقتصاد يحدد مدى نجاح أي مشروع من عدمه في قدرة هذا المشروع على ترجمة الأهداف المنشودة منه التي وُضِعت ضمن دراسة الجدوى الموضوعة لتنفيذه، وفي حالة التفريعة الجديدة للمر المائي المصري العملاق فلم يتم الكشف عن دراسات جدوى مخصصة لهذا المشروع، ومن هنا كان معيار التقييم الأبرز هو تصريحات المسؤولين في البلد، وعلى رأسهم رئيس الدولة ورئيس هيئة قناة السويس.
بحسب تصريحات رئيس هيئة قناة السويس عند افتتاحها قبل 8 سنوات كانت الإيرادات المتوقع تحقيقها بعد الانتهاء من المشروع 100 مليار دولار، إلا أن ما تحقق وفق الإحصاءات الرسمية 9.4 مليار دولار، أي أقل من 10% من المستهدف، حتى لو تم الاستناد إلى تصريح مميش بشأن استهداف تحقيق 13.4 مليار دولار بحلول 2023 فإنه لم يتحقق كذلك.
كما كان من المتوقع أن تكون زيادة القدرة الاستيعابية للقناة 97 سفينة عام 2023 بدلًا من 49 سفينة عام 2014، لكن بعد مرور 8 سنوات بلغت قدرة القناة بعد ضم تفريعتها الجديدة نحو 68 سفينة عام 2022، وهو أقل من المستهدف بنسبة تقترب من 50%.
في ضوء الأرقام السابقة، فإن إنكار جدوى التفريعة الجديدة لقناة السويس بشكل كامل أمر غير موضوعي، لكن النتائج المحققة لا تتناسب مطلقًا وحجم الآمال والطموحات والتصريحات الصادرة عند تدشينها، هذا بخلاف ما تسببت فيه بشأن إثقال الدولة المصرية بديون إضافية زادت من أعباء ديونها التي تجاوزت 160 مليار دولار ديون خارجية، بزيادة نحو 5 أضعاف مقارنة بالفترة قبل 10 أعوام حيث بلغ في نهاية عام 2012 نحو 34.4 مليار دولار، فيما بلغ الدين المحلي حتى يونيو/ حزيران 2020 إلى 4.7 تريليون جنيه.
ومع الاحتفاء السنوي بهذا المشروع فإن لغة الأرقام ربما تكون الأقرب للموضوعية، تلك اللغة التي تشير إلى أن هذا المشروع وإن رفع الروح المعنوية للشعب في 2014-2015 لكنه كان سببًا رئيسيًا في انهيار تلك الروح بعد ذلك، حين ضُم إلى حزمة المشروعات التي وصفت بالعملاقة، التي كان من الممكن تأجيلها حتى تحسين الأوضاع الاقتصادية واتساقًا مع فقه الأولويات الغائب تمامًا عن السياسات الاقتصادية المصرية خلال السنوات الأخيرة وكان سببًا رئيسيًا في تفاقم الوضع وزيادة حالة الاحتقان والغضب الشعبي.