هل يهدد الذكاء الاصطناعي الصحافة أم أن التكنولوجيا ستأكل نفسها؟

ترجمة حفصة جودة

قبل أن نبدأ، أريد أن أخبركم أن هذا المقال كتبه بشريّ، لكنني لا أستطيع أن أؤكد ذلك بالنسبة لمقالات “News Corp”، فهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي لإنتاج نحو 3000 قصة إخبارية في أستراليا كل أسبوع، وهم ليسوا الوحيدين في ذلك، فالكثير من الشركات الإعلامية حول العالم بدأت في استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج المحتوى.

حتى الآن، آمل أن يكون معلومًا لدى الجميع أن النماذج اللغوية الكبيرة مثل “GPT-4” لا تنتج الحقائق، لكنها تتنبأ باللغة، يمكننا أن نتصور “ChatGPT” كجهاز شرح آلي، غالبًا ما يُخطئ لكنه واثق دائمًا.

ورغم التأكيد على الإشراف البشري، فيجب أن نشعر بالقلق عند تقديم المواد التي أُنتجت بتلك الطريقة كصحافة، وبغض النظر عن قضايا انعدام الدقة والمعلومات الخاطئة، فإن قراءتها تكون مروعة حقًا.

لم تكن مزارع المحتوى بالشيء الجديد، فوسائل الإعلام تنشر الهراء منذ فترة طويلة وقبل وصول الذكاء الاصطناعي، ما تغير هو السرعة والحجم وانتشار هذا الهراء.

تنتشر شركة “News Corp” بشكل واسع في أستراليا، لذا فإن استخدامها الذكاء الاصطناعي أمر يستدعي الانتباه، حتى الآن يبدو أن إنتاج تلك المواد مقصور على إنتاج معلومات عن الخدمات المحلية بشكل جماعي، مثل مواد عن كيفية الحصول على أرخص بنزين أو تحديثات حركة المرور، لكن لا ينبغي علينا الوثوق في ذلك لأنه إشارة إلى أين تتجه الأمور.

في شهر يناير/كانون الثاني، ضُبط موقع “CNET” وهو ينشر مواد مُنتجة عن طريق الذكاء الاصطناعي ومليئة بالأخطاء، منذ ذلك الحين، استعد الكثير من القرّاء لهجمة المواد المُنتجة عن طريق الذكاء الاصطناعي.

ماذا سيحدث عندما يهيمن محتوى الذكاء الاصطناعي على الإنترنت، فتصبح النماذج الجديدة مدربة على مخرجات الذكاء الاصطناعي وليس مواد من صنع البشر؟

في الوقت نفسه، اتحد موظفو “CNET” وكتاب هوليوود وأضربوا احتجاجًا على كتابات الذكاء الاصطناعي (وأشياء أخرى) وطالبوا بحماية أفضل ومساءلة فيما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي، فهل حان الوقت لكي ينضم بقية الصحفيين لدعوات تنظيم الذكاء الاصطناعي؟

يعد استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي جزءًا من تحول أوسع لمؤسسات الإعلام السائدة تجاه العمل كمنصات رقمية متعطشة للبيانات ذات خوارزميات فعالة تتوق لجذب الانتباه، لكن معارضة شركات الإعلام للإصلاحات الحاسمة لقانون الخصوصية الذي سيساعد في الحد من هذا السلوك وحمايتنا عبر الإنترنت، يجعل هذه الإستراتيجية واضحة تمامًا.

دفعت مشكلة تناقص الربح الأزلية لدى وسائل الإعلام التقليدية بالاقتصاد الرقمي، إلى تبني بعضهم المنصات الرقمية لنموذج أعمال رأسمالية المراقبة، فبعد كل شيء، إن لم تستطع مكافحتهم، انضم إليهم، لكن إضافة محتوى الذكاء الاصطناعي إلى هذا المزيج لن يحسن الأمور بل سيجعلها تتجه إلى الأسوأ.

ماذا سيحدث عندما يهيمن محتوى الذكاء الاصطناعي على الإنترنت، فتصبح النماذج الجديدة مُدربة على مخرجات الذكاء الاصطناعي وليس مواد من صنع البشر؟ هل يتركنا ذلك مع نوع من الأوروبورس الرقمي الملعون الذي يأكل ذيله؟ (الأوروبورس: رمز من مصر القديمة يصور ثعبانًا أو تنينًا يأكل ذيله).

هذا ما أطلق عليه الباحث جاثان سادوفسكي اسم “Habsburg AI” في إشارة إلى السلالة الملكية الأوروبية سيئة السمعة، يمثل “Habsburg AI” نظامًا مدربًا على مخرجات لنماذج أخرى مولدة عن طريق الذكاء الاصطناعي، ليصبح متحولًا فطريًا مليئًا بالمبالغات والسمات المتنافرة.

إننا بحاجة إلى إعلام قوي ومتنوع ومستدام يبقي الناس على اطلاع ويحاسب المخطئين ممن هم في موقع السلطة، بدلًا من نظام يستورد مشكلات وادي السيليكون

وكما اتضح لنا، فإن الأبحاث تعتقد أن النماذج اللغوية الكبرى مثل هذه التي تشغل “ChatGPT” ستنهار سريعًا عندما تصبح البيانات قادمة عن طريق الذكاء الاصطناعي وليس مواد أصلية أنتجها البشر.

وجدت أبحاث أخرى أنه من دون بيانات حديثة، فإننا نخلق حلقة تلقائية محكومًا عليها بالتدهور التدريجي في جودة المحتوى، قال أحد الباحثين: “إننا على وشك أن نملأ الإنترنت بالهراء”، والمؤسسات الإعلامية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنتاج قدر كبير من المحتوى تساهم في التعجيل بتلك المشكلة، لكن ربما يكون ذلك سببًا للتفاؤل المظلم، فهذا المحتوى قد يدمر نفسه بنفسه.

إن وجود الذكاء الاصطناعي في الإعلام ليس أمرًا سيئًا دائمًا، فهناك تطبيقات أخرى له قد تفيد العامة، على سبيل المثال، قد يساعد الذكاء الاصطناعي في تسهيل الوصول وذلك بالمساعدة في مهام مثل نسخ المحتوى الصوتي وإنتاج وصف للصور وتسهيل تحويل النص إلى حديث، هذه حقًا تطبيقات مثيرة.

إن ربط صناعة الإعلام المتعثرة بعربة الذكاء الاصطناعي التوليدي ورأسمالية المراقبة لن يخدم مصالحنا على المدى البعيد، فالناس في المناطق الإقليمية يستحقون تقارير محلية أفضل، والصحفيون يستحقون حماية من انتهاك الذكاء الاصطناعي لوظائفهم.

إننا بحاجة إلى إعلام قوي ومتنوع ومستدام يبقي الناس على اطلاع ويحاسب المخطئين ممن هم في موقع السلطة، بدلًا من نظام يستورد مشكلات وادي السيليكون.

المصدر: الغارديان