عشرة أسباب تفسّر عنف الشرطة الأمريكية

eric-garner-4-620x412

ضرب الشباب المكبّل بالمسدسات، وإطلاق النار على العزل وقتلهم في سياراتهم، وإطلاق النيران في الهواء في شوارع مزدحمة، وتعريض المرضى العقليين لهجمات كهربية في سيارات الإسعاف، ورفض قيادات الشرطة للوقوف في وجه فساد المنظومة الأمنية… كل ذلك يحدث في الولايات المتحدة، وليس في نيويورك أو فرجسون فحسب، حيث يتركز الاضطهاد تجاه السود، بل في أوهايو أيضًا، حيث أظهر تقرير لوزارة العدل الأمريكية أن الشرطة في قسم كليفلاند بالولاية، بين عامي 2010 و2013، مارست العنف بشكل كبير، وبطريقة غير دستورية.

يثير التقرير تساؤلات كثيرة عن مدى تفشي أزمة العنف المفرط من قبل الشرطة، وكذلك عن غياب المسائلة في المؤسسات الأمنية بالبلاد، وهو ما يطرح تحديات صعبة تخص كيفية إصلاح ثقافة الشرطة الأمريكية، ومكافحة أساليبها، وهي المهمة التي فشلت فيها شرطة أوهايو منذ سنوات إثر تقرير مماثل، وتتطلب إرشاد الضباط بشكل واضح، وتدريبهم، والإشراف عليهم أثناء تأديتهم لواجبهم، وضمان عدم تجاوزهم لحدودهم الدستورية، كما ورد في التقرير الجديد هذا العام.

ماذا ورد في هذا التقرير بالضبط؟ ننشر هنا أهم عشرة استنتاجات توصل لها التقرير:

1    ضباط الشرطة (في كليفلاند) يعملون وفق هواهم تمامًا، ويستخدمون كثيرًا درجة غير ضرورية من العنف بشكل منافي للدستور، وهو أمر تُجيزه قياداتهم، بل وتشجعه في بعض الأحيان. يقول الضباط أنهم قليلًا ما يخضعون للإشراف والإرشاد والدعم من قبل قسم كليفلاند، والذي يتركهم ليحددوا بأنفسهم كيفية الاضطلاع بمهام صعبة وخطيرة أحيانًا. لذلك، ينتشر العنف المفرط، والذي يرجع أيضًا إلى فشل قسم كليفلاند في التحقيق مع الضباط المتجاوزين بشكل كامل ومحايد، وتوفير التدريب والمعدات اللازمة للضباط ليقوموا بعملهم بشكل أكفأ وأكثر أمانًا، وتبني سياسات أمنية أفضل تجاه المجتمع المحلي.

2    استخدام الدرجة القصوى من العنف أصبح اعتياديًا في معظم الحالات، رغم أنه مسموح في حالات خاصة خطيرة، حيث وجد التقرير أن الضباط يطلقون النار على مواطنين لا يمثلون خطرًا مباشرًا لهم، بالإضافة إلى أن استخدام المسدسات يتم بشكل خطير وعشوائي، بما في ذلك ضرب الناس على رؤوسهم بالمسدسات في مواقف لم تكن هذه الدرجة من العنف مطلوبة فيها. أيضًا، يتم استخدام التيزر (أداة صعق كهربي لحظي، هي على شكل مسدس مرتبط بأسلاك)، أو الضرب، في مواجهة مواطنين قد استسلموا بالفعل، أو تم تكبيلهم، والكثير منهم كان يمكن السيطرة عليه بدرجات أقل من العنف، ولكن الضباط استخدموا معهم هذه الأساليب كنوع من العقاب على استفزاز لفظي ما، أو محاولتهم مقاومة القبض عليهم، لا لخطر حقيقي من هؤلاء الأشخاص كما تقول القوانين.

3    الضباط لا يعرفون كيفية السيطرة على مواقف معيّنة، وغالبًا ما يؤدي ذلك لتصعيدها، حيث يستخدمون أسلحتهم ويطلقون النار في الهواء بطريقة غير مقبولة، وفي أماكن قد يتواجد فيها أبرياء ويتعرضون للخطر، بل وأحيانًا قد يُصاب أشخاص بشكل خطير جراء هذه الاستخدام غير المسؤول. يستخدم الضباط كثيرًا أساليب فقيرة لمحاولة التحكم في أي مشتبه به، وهو ما يدفعهم للحاجة إلى مزيد من العنف، بدلًا من تطبيق أساليب وقف التصعيد التي تعلّموها.

4    رؤساء الضباط في العمل يُعرِضون عن سماع أي من تلك التجاوزات، وهو ما يعني أن حوادث استخدام العنف غير المبرر لا تصل بالشكل المطلوب للمشرفين، ولا يتم توثيقها أو التحقيق فيها، وبالتالي لا تُعالج بشكل صحيح. بل، في بعض الأحيان، تتبنى الرُتَب الكبيرة أفعال الضباط وتجاوزاتهم، والتي يكون قد تم تصميمها وإملاؤها من أعلى (عن طريق المشرفين أنفسهم) لتبرير ما يفعله الضباط. يشير التقرير كذلك إلى أن بعض المشرفين الذين تلقوا تدريبًا عالي المستوى، اعترفوا بأنهم في تحقيقاتهم يحاولون وضع الضباط في صورة إيجابية قدر استطاعتهم، رُغم أن واجبهم الرئيسي هو التحقيق المحايد فيما يخص الاستخدام المفرط للعنف من قِبَلِهم. لا عجب إذن من موافقة هؤلاء على أكثر من أربعة آلاف حالة استخدام عنف تمت عام 2007، دون التوقف عند واحدة فقط، كما ورد في إحدى التقارير.

5    ليست هناك عواقب واضحة لسوء السلوك بين الضباط، ولذلك يقل الالتزام بينهم فيما يخص قوانين استخدام العنف. طبقًا للتقرير، 51 شرطيًا فقط، من أصل 1500، تم التحقيق معهم لتجاوزاتهم، على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية، وقد اتضح أن معظم هؤلاء في الحقيقة تم التحقيق معهم لعدم التزامهم بإجراءات محددة، مثل كتابة التقارير، أو عدم إدانة من قبضوا عليهم، وليس لأجل العنف المفرط، والذي يندر بشدة أن يتم تحقيق مع ضابط بسببه.

6    يقوم الضباط بالتفتيش الشديد بشكل روتيني غير مقبول، وبما يتنافى مع حقوق الأفراد في الدستور، وذلك بإيقافهم وتفتيشهم بشكل كامل دون درجة مقبولة من الاشتباه فيهم. ما يزيد الطين بلة هو أن قسم كليفلاند لا يملك تعريفًا واضحًا لماهية الشروط الواجب توفرها ليتم الاشتباه بشخص ما، وهو ما يعني في أحيان كثيرة أن يقوم الضابط بالتفتيش تحسبًا لأي خطر على حياته ليس إلا. علاوة على ذلك، يستخدم الضباط أثناء التفتيش ألفاظًا عنصرية، وهو سلوك يشجعه رؤساؤهم في العمل.

7    استخدام التيزر يتم بشكل اعتيادي، ولا تتم مساءلة مستخدمه أبدًا، حيث ورد في صحيفة بلين ديلر المحلية في كليفلاند، أنه بين أكتوبر 2005 ومارس 2011، استخدام ضباط كليفلاند التيزر 969 مرة، كانت خمسة منها فقط مبررة ومناسبة للحادثة — أي أن 99.5٪ من الحالات كانت غير قانونية، وهي نسبة كبيرة تهدد مصداقية الشرطة.

8    قسم كليفلاند يرفض أن يكون مسؤولًا عن التحقيق والمساءلة لصالح الجهات الأعلى منه، مثل رئاسة المدينة أو المجتمع بشكل عام، وهو ما يدلل عليه عدم قدرته على تعقّب الوثائق الحساسة المتعلقة باستخدام العنف، مما يشي بمشكلة كامنة في المنظومة الأمنية، ويعني أن أي جهد للتحقيق أو تحليل البيانات سيقوم به القسم سيكون ناقصًا وغير دقيق.

9    التقارير المفصلة لحوادث الاعتقال تتستّر على استخدام العنف، طبقًا لمسح قام به مؤلفو التقرير لعينة من بيانات المقبوض عليهم بعد مقاومتهم للاعتقال في العام 2012، وهي حوادث تشير إلى أن العنف المستخدم لا يتم التحقيق فيه ووضعه في التقارير بشكل واضح. على سبيل المثال، وجد التقرير أنه في ثلاثة أشهر من العام 2012، تمت 111 واقعة قبض على أشخاص حاولوا المقاومة، وأن ستة منها لم يوجد لها تقرير مفصّل.

10    ليست هناك سياسات واضحة بخصوص استخدام العنف، وهذه هي المشكلة الأبرز، إذ يجب على كل قسم شرطة أن يوفر لضباطه تدريبًا مناسبًا يتضمن متى وكيف يتم استخدام العنف، وتوفير آلية لمراجعة ومحاسبة عنف الضباط، وهو ما لا يحدث حاليًا.

التحقيق الخاص بقسم شرطة كليفلاند كاشف للكثير من المشاكل التي تعاني منها المنظومة الأمنية الأمريكية، ويظهر لنا بوضوح رسوخ ثقافة متعسفة بين الضباط، وكيف تقاوم الكثير من الأقسام التغيير الضروري لإصلاح تلك المشاكل. المشكلة إذن ليست فقط استخدام الأسلحة في مكان وزمان غير مناسبَين، بل هي عند الضباط ورؤسائهم فيما يخص التحقيق معهم، وتصرفاتهم التي تتم بعقلية عسكرية صرفة، رُغم أهمية إدارك الفرق بين الجيش والشرطة، وبين التعامل مع عدو والتعامل مع مواطنين مدنيين.

من Salon.com