ترجمة حفصة جودة
كتب علي حاج سليمان وحسام هزبر
عندما يصل المرضى أول مرة إلى مستشفى أمانوس، تذكرهم الخيام التي بُني بها المستشفى بما حدث لتلك المنطقة شمال غرب سوريا في الأشهر الأخيرة، شُيد المشفى على أطراف عفرين وقد جُمع معًا بشكل غير معتاد بسبب حاجة آلاف الناس إلى الرعاية ولا يوجد مكان آخر يذهبون إليه.
قبل 6 أشهر، ضرب زلزال مدمر المنطقة كان مركزه قرب الحدود السورية في جنوب شرق تركيا، مات أكثر من 4 آلاف شخص في سوريا نتيجة ذلك، إضافة إلى 50 ألف قتيل في تركيا، ومع الهزات الارتدادية المتتالية بعد الزلزال، بدا المستشفى المبني من الخيام أكثر أمانًا من المباني المتزعزعة بالفعل.
يقول الدكتور أسامة درويش اختصاصي الجراحة العامة ومدير مستشفى أمانوس: “أُنشأ المستشفى كاستجابة طارئة للكارثة وحاجة المنطقة لخدمات طبية أوسع، وقد صُمم ليعمل مدة 15 عامًا وفقًا لمُصنّع الخيام”.
ورغم أن المبنى يتكون من خيام، فإن المستشفى كان مكلفًا، فهو يضم 112 سريرًا موزعين على الخيام المعقمة، وغرفتي عمليات وقسم طوارئ وقسم أشعة وعيادات ومعمل.
يقول درويش في إشارة إلى الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من عقد التي أثرت بشدة على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مثل عفرين: “الهدف الأساسي من بناء المستشفى من الخيام، توفير بيئة أكثر أمنًا في أثناء الكوارث الطبيعية، ولأن المنطقة تُعد منطقة حرب، فطبيعة البناء تسمح بالانتقال إلى منطقة أكثر أمانًا”.
يضيف درويش “إننا نعمل على توسيع المستشفى سواء بإضافة عربات متنقلة أم بناء المزيد من المباني الدائمة لتقديم خدمات إضافية مطلوبة في المنطقة مثل صيدلية مركزية”.
بعد نصف عام من الزلزال، ما زال قطاع الرعاية الصحية في شمال غرب سوريا يعاني من عواقبه، وذلك لنقص المساعدات التي تقدمها المنظمات العالمية وفقًا لما يقوله المتخصصون في الرعاية الصحية.
يقول الدكتور زهير القرّات، رئيس مديرية الصحة في إدلب: “ما زال قطاع الرعاية الصحية يعاني من عدة فجوات وبحاجة إلى معدات طبية حديثة وأدوية عالية الجودة، بالإضافة إلى أن العاملين في قطاع الصحة يفتقرون للتدريب الكافي في هذا القطاع”.
قال القرّات إن المستشفيات والمراكز الطبية في إدلب تلّقت بعض الأدوية والمعدات الطبية بعد الزلزال، لكنها تغطي فقط نحو 20% من احتياجات قطاع الصحة، رغم مناشدة العديد من المنظمات العربية والدولية.
تسبب إغلاق معبر باب الهوى مع تركيا في زيادة الوضع الصحي سوءًا في المنطقة خاصة لمرضى السرطان، يقول القرّات: “إننا نحتاج بشكل عاجل إلى مراكز متخصصة لعلاج السرطان وجراحات القلب ورعاية حديثي الولادة، بالإضافة إلى مركز أشعة مجهز بكل الأجهزة المطلوبة”.
مرضى السرطان
بالنسبة لمرضى السرطان على وجه الخصوص، فالمنشآت الصحية في شمال غرب سوريا لا يمكنها تقديم الرعاية المناسبة، ويضطر الكثيرون بدلًا من ذلك للسفر إلى تركيا للحصول على الرعاية، لكن الزلزال تسبب في مشكلة جديدة، فقد منعت السلطات التركية مؤقتًا دخول مرضى السرطان السوريين، قائلة إن عملية إعادة الإعمار بعد الزلزال تمنع مستشفيات تركيا الجنوبية من استقبال المرضى السوريين.
بعد ذلك استأنفت المستشفيات التركية استقبال المرضى الذين سبق دخولهم قبل الزلزال لاستكمال علاجهم، لكنها لم تسمح بدخول المرضى الذين شُخصوا مؤخرًا بالسرطان بعد الزلزال، وذلك وفقًا للمسؤولين السوريين عند معبر باب الهوى.
تقدرّ المصادر الطبية في شمال سوريا أعداد المرضى الجدد بأكثر من 600 مريض، بعضهم فقد حياته بالفعل بينما ينتظر تصريح الدخول إلى تركيا لتلّقي العلاج.
يقول الدكتور أيهم جامو المتخصص في أمراض الدم والأورام ومدير الجمعية الطبية السورية الأمريكية “SAMS” وقسم الأورام بمستشفى إدلب المركزي: “انتظار دخول مرضى السرطان المحتاجين للعلاج الإشعاعي وضعنا تحت ضغط هائل، ولم يعد بإمكاننا استيعاب الأعداد المتزايدة للمرضى القادمين للحصول على العلاج الكيميائي”.
أصبحت الخدمات التي يقدمها مركز علاج السرطان في “SAMS” مقصورة على تشخيص الحالات الجديدة وتقديم العلاج الكيميائي المتاح للمرضى مجانًا، ليصبح المكان الوحيد في شمال غرب سوريا الذي يقدم مثل هذه الرعاية الطبية.
يقول جامو: “لقد أصبحنا عاجزين أمام المرضى الذين يحتاجون علاجًا إشعاعيًا لعدم وجود أجهزة إشعاعية في المنطقة، بالإضافة إلى المرضى الذين يحتاجون علاجًا مناعيًا باهظًا”.
ردًا على أزمة مرضى السرطان في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، دخل أفراد الطاقم الطبي والمنظمات الإنسانية والنشطاء في إدلب في احتجاج متواصل قرب معبر باب الهوى منذ شهر يوليو/تموز، مطالبين المجتمع الدولي باتخاذ إجراء عاجل لتسهيل علاج المرضى.
ردًا على تلك الاحتجاجات، سمحت الحكومة التركية للمرضى الحاصلين على تصريح بالدخول والحصول على العلاج المجاني في منشآتها الطبية، تقول هالة الأحمد – 17 عامًا – النازحة من حلب وتعيش الآن في مدينة سرمدا قرب الحدود السورية التركية: “إنني متأخرة 6 أشهر عن العلاج الذي وصفه الطبيب التركي بسبب إغلاق المعبر الحدودي”.
تعاني الأحمد من سرطان الكبد منذ عامين، وكانت تتلقى العلاج في المستشفيات التركية، وقد عادت إلى سوريا قبل الزلزال لانتظار جرعتها التالية، لكنها لم تتمكن من العودة إلى تركيا بعد إغلاق الحدود، لتصبح في موقف صعب بينما تنتظر السماح لها بالدخول.
تضيف الأحمد “هذا القرار بإعادة فتح معبر باب الهوى لمرضى السرطان لتلقي العلاج منحني الأمل في الحياة مرة أخرى، لكن عندما ذهبت إلى المعبر اليوم أخبروني أنني سأدخل تركيا بعد 3 أشهر، والآن أشعر بالقلق لما قد يحدث لي خلال هذه الفترة”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية