في عام 2021 زار الرئيس التونسي قيس سعيد مصر، والتقى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وشدد الطرفان آنذاك على وجود “تقارب وتطابق واتفاق تام” بين البلدين في عدد من القضايا المشتركة.
بعدها بأشهر قليلة، نفّذ سعيد انقلابه على دستور البلاد ومؤسسات الدولة الشرعية، وبدأ بفرض نظام حكمه الأحادي، متعمدًا إقصاء كل الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والجمعيات، مستعينًا بالقوات المسلحة من جيش وأمن، في تكرار للتجربة المصرية.
أحدث هذا الانقلاب، توترًا في العلاقات التونسية الجزائرية، إذ يرى قصر المرادية في القاهرة “خطرًا قادمًا” وجب التصدي له، خاصة أنها في تنسيق تام مع حلف تراه الجزائر معاديًا للمنطقة ومصالحها، وتشرف عليه فرنسا.
ونتيجة للأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس، اضطر نظام سعيد لتعديل بوصلته قليلًا، وإدارة ظهره لمصر لبعض الوقت والتوجه نحو الجزائر، علّه يستطيع الظفر ببعض المساعدات التي لها أن تُعين النظام في أزمته، فهل تحقق لنظام سعيد ما أراد أم أنه سيتجه نحو مصر مجددًا؟
دعم جزائري محدود لسعيد
غالبًا ما يؤكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في ظهوره الإعلامي على دعمه للرئيس التونسي قيس سعيد، على اعتبار أن الشعب التونسي انتخبه ولم يأت بالقوة وفق قوله، فالجزائر تدعم الدولة التونسية عن طريق رئيسها سعيد حسب تبون.
يبرر قادة الجزائر موقفهم، برغبتهم في عدم انزلاق الأوضاع في الجارة الغربية نحو الفوضى والعنف لما فيه من خطر على المنطقة ككل، إذ تخشى الجزائر أن يتوتر الوضع في تونس أكثر، ما قد يشعل جبهة حدودية جديدة.
قدمت الجزائر في ديسمبر/كانون الأول 2021 قرضًا بقيمة 300 مليون دولار لتونس تلاه قرض آخر وهبة بقيمة 300 مليون دولار أخرى، سبقها عودة الرئيس التونسي من الجزائر، بعد أول زيارة رسمية يؤديها منذ انتخابه على رأس السلطة، بوديعة قيمتها تعادل 150 مليون دولار.
زيارة شكري لتونس، تأتي ظاهريًا بمناسبة عقد لجنة التشاور السياسي بين البلدين، لكن هدفها ترتيب التعاون القادم بين السيسي وسعيد
رغم أهميتها، تبقى هذه المساعدات المالية ضعيفة في نظر النظام التونسي، وفي المقابل كان يمكن لنظام تبون أن يقدم دعمًا أكبر للنظام التونسي ذلك أن الجزائر قوة اقتصادية كبيرة، لكنه أبى ذلك حتى لا يُحسب عليه، فالنظام الجزائري يسعى أن يبقى على مسافة واحدة من جميع الأطراف في تونس، وألا يُقال إنه داعم لنظام انقلب على دستور بلاده.
البوصلة نحو مصر
تفطّن نظام سعيد مؤخرًا، أن نظام تبون لن يقدم له الدعم المطلوب رغم التنازلات الكثيرة التي قدمها له والتجاوب الكبير معه في العديد من الملفات، التي منها ما أدخل تونس في أزمة مع المملكة المغربية في أغسطس/آب 2022.
لطالما كانت العلاقات المغربية التونسية في أحسن حال، حتى إن حصل خلاف بين البلدَين سرعان ما يتم حله وترجع المياه إلى مجاريها، لكن استقبال سعيد لرئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي خلال القمة اليابانية الإفريقية التي عقدت في تونس الصيف الماضي بإيعاز من الجزائر وتر العلاقات بين البلدين وأوصلها لدرجة لم تصلها من قبل.
وزير الخارجية سامح شكري يصل إلى #تونس #TeNTV pic.twitter.com/pwik4mIWcp
— TEN NEWS (@TeNNewSEG) August 8, 2023
السعي وراء المساعدات الجزائرية، دفع نظام قيس سعيد إلى الارتماء في أحضان القيادة الجزائرية والتنسيق معها في ملف الصحراء الغربية، رغم أن تونس ليست طرفًا، إن كان مباشرًا أو غير مباشر، في هذه الأزمة التي أثقلت كاهل المغرب العربي، لكن النتائج كانت مخيبة.
من جهة أخرى، فقدت تونس حليفًا قديمًا، وهو المغرب، وإلى الآن ظلت سفارة تونس في المغرب دون سفير، وكذلك الأمر بالنسبة لسفارة الرباط في تونس، ما أثر على التبادلات التجارية بين البلدين.
قبل هذه الأزمة، كانت قيمة واردات المغرب من تونس تبلغ 236 مليون دولار، فيما لا تتعدى قيمة صادراته 89 مليون دولار، وسبق أن طالب مسؤولو الرباط بضرورة مراجعة الاتفاقيات التجارية في تونس لاختلال الميزان التجاري لصالحها.
حتم هذا الأمر، على القيادة التونسية مراجعة تحالفاتها والتوجه مجددًا نحو مصر- التي تخلت عنها فيما مضى لإرضاء الجزائر – وضمن هذا التوجه، وجهت تونس دعوة لوزير الخارجية المصري سامح شكري، لزيارة البلاد، حتى تعيد النظر في هذه المسألة.
لا يبغي نظام سعيد التقرب من مصر فقط، وإنما يريد التقرب إلى الحلف الذي تنتمي له القاهرة وتقوده دولة الإمارات
زيارة سامح شكري لتونس، تأتي ظاهريًا بمناسبة عقد لجنة التشاور السياسي في دورتها الخامسة عشر برئاسة وزيري خارجية البلدين، لكن هدفها ترتيب التعاون القادم بين السيسي وسعيد، فالأخير يبحث عن دعم جديد لم يجده عند الجزائر، ومصر تسعى لاقتناص الفرصة، حتى تواصل تنفيذ برامجها في تونس والمنطقة ككل.
خط بحري مباشر بين البلدين
ضمن هذا التوجه، كشف وزير النقل التونسي ربيع المجيدي عن وجود تنسيق مع مصر لتعزيز التعاون في قطاع النقل، مشيرا إلى وجود مباحثات متقدمة مع الجانب المصري من أجل فتح خط بحري مباشر بين البلدين.
وأوضح الوزير التونسي أن هناك تجارب من أجل إنشاء مناطق لوجيستية، وفي مجال نقل البضائع، ومعالجتها، وأضاف المجيدي أن هناك نقاشات أيضا مع الجانب المصري تتعلق بقطاع الطيران المدني، وتحديدا حول التنسيق بين الناقلات الجوية لاستعادة الحركة الجوية بين البلدين إلى سالف وتيرتها.
الحديث عن خط بحري مباشر بين البلدين، الهدف منه مغازلة الجانب المصري، فهذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها هذا الملف،، وسبق أن تطرقت الحكومات التي سبقت سعيد في الحكم إلى هذه المسألة لكن لا جديد فيها إلى الآن.
كيف ستدعم مصر تونس؟
توجيه البوصلة مجددًا نحو مصر، يهدف إلى الحصول على مساعدات عاجلة تنقذ موازنة الدولة من الانهيار، في ظل توقف أغلب مراكز الإنتاج في البلاد وعجز النظام عن إيجاد الحلول اللازمة للحصول على تمويلات إضافية للموازنة.
لكن لسائل أن يسأل، ما الذي يمكن أن تقدمه مصر لتونس، وهي الدولة التي تبحث عن مساعدات مالية لها، خاصة أن اقتصادها في تراجع متواصل وعملتها في انهيار مستمر ونسب الفقر والبطالة في ارتفاع لم يسبق أن عرفته البلاد؟
في #تونس الشقيقة .. #سامح_شكري يترأس الآن مع السيد #نبيل_عمَّار وزير الخارجية التونسي اجتماعات الدورة ١٥ للجنة التشاور السياسي بين 🇪🇬🇹🇳.. ملفات العلاقات الثنائية على طاولة مشاورات وزيري الخارجية وكذا العديد من قضايا المنطقة والملفات الدولية ذات الاهتمام المشترك @MfaTunisia pic.twitter.com/2MPfu16qOE
— Egypt MFA Spokesperson (@MfaEgypt) August 8, 2023
لا يبغي نظام سعيد التقرب من مصر بحد ذاتها، وإنما يسعى إلى الحلف الذي تنتمي له القاهرة وتقوده دولة الإمارات، إذ يبدو أن سعيد يريد التقرب من الإمارات ولم يجد أفضل من التقرب لمصر للقيام بذلك، لما يجمع البلدين من علاقات قوية.
ونهاية الأسبوع الماضي، استقبل سعيد بقصر قرطاج، وزير الدولة الإماراتي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وشدد في هذا اللقاء على أهمية العلاقات بين البلدين ورغبة القيادة التونسية في تعزيز روابط التعاون بين البلدين.
يرى نظام سعيد أن الإمارات يمكن أن تنقذه من الأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها البلاد منذ انقلابه على الدستور ومؤسسات الدولة الشرعية، لكن من المستبعد أن تلقي الإمارات بكل ثقلها في تونس، ذلك أن خططها تنفذ دون أن تخسر أي دولار.