بينما تتزعم السعودية تخفيضات إنتاج النفط وتحافظ روسيا على تدفق الخام لتمويل غزوها لأوكرانيا؛ تسعى دولة واحدة بهدوء لتحقيق انتصارات في سوق النفط؛ وهي الإمارات العربية المتحدة.
ففي حزيران/يونيو؛ عندما اجتمعت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بقيادة السعودية وتحالف من منتجي النفط بقيادة روسيا، المعروف باسم (أوبك +)؛ لتحديد سياسة الطاقة، انسحبت الإمارات عن خطة خفض الإنتاج لتحقق هدفًا طويل الأجل لزيادة كمية الخام المسموح بضخها.
وستؤدي المراجعة التصاعدية لحصة الإمارات إلى رفع إنتاج الإمارات بمقدار 200 ألف برميل يوميًا في عام 2024 لتصل إلى 3.2 ملايين برميل. ويأتي ذلك في الوقت الذي تصعد فيه أسعار النفط لتحقق عودة قوية هذا الصيف، مع وصول خام برنت، والذي يمثل المعيار الدولي، بأمان إلى ما فوق عتبة 80 دولارًا للبرميل.
وقالت إيلين والد، مؤسسة شركة استشارات الطاقة، لموقع “ميدل إيست آي”: “لقد تم تجاهل زيادة حصة الإنتاج في الإمارات إلى حد ما، لكنها كانت بمثابة فوز كبير للإمارات”.
وأضافت والد، وهي مؤلفة كتاب “سعودي إنك”، وهو كتاب عن شركة النفط السعودية المملوكة للدولة “أرامكو”: “من بين جميع أعضاء “أوبك +”، وضعت الإمارات نفسها في وضع جيد للغاية”.
خلال الاجتماع نفسه؛ استُبْعِدَت الإمارات من تخفيضات الإنتاج، حتى مع خفض السعودية للإنتاج في محاولة لتعزيز أسعار الخام؛ حيث ضاعفت المملكة الأسبوع الماضي من التزامها بخفض الإمدادات، وواصلت خفض إنتاجها بمليون برميل يوميًا حتى أيلول/سبتمبر المقبل.
وقال فيكتور كاتونا، رئيس قسم تحليل النفط الخام في شركة “كبلر” لاستشارات الطاقة، لموقع “ميدل إيست آي”: “إن السعودية تخفض الإنتاج بشكل كبير، وتقول روسيا – على الأقل – أنها تخفض إنتاجها، فيما تخفض الإمارات بالحد الأدنى فقط”، مضيفًا: “النتيجة النهائية هي أن السعودية تقوم بكل العمل وأن أسعار النفط الذي تبيعه الإمارات أعلى بنسبة 15 في المائة مما كانت عليه قبل شهر. ولهذا فبأي حال من الأحوال؛ فإن الإمارات هي الرابح الأكبر هذا الصيف”.
تتحمل السعودية العبء الأكبر من تخفيضات النفط في محاولة لرفع الأسعار، وذكر موقع “ميدل إيست آي” – في تقرير نشرته في وقت سابق – كيف كان على الرياض أن تتعامل مع روسيا التي تُغْرِقُ السوق بالنفط، حيث إنها تعزز مبيعاتها من النفط الخام إلى آسيا وتتجه نحو المركز الأول كأكبر منتج في “أوبك +”.
لكن المكاسب الهادئة للإمارات داخل منظمة النفط تؤكد أن هناك تحديًا آخر للسعودية، ولكن هذه المرة مع حليف مفترض والذي أصبح منافسًا جيوسياسيًا واقتصاديًا بشكل متزايد.
“الإمارات أغنى من السعودية”
لسنوات؛ وجدت السعودية والإمارات نفسيهما في الجانب نفسه من قضايا السياسة الخارجية الشائكة في الشرق الأوسط؛ فعندما ضرب الربيع العربي المنطقة قبل عقد من الزمان، تعاون الشريكان الأمنيان للولايات المتحدة للرد على حركات الاحتجاج التي اعتبروها تهديدًا لحكمهما.
ولقد تحالفا لمحاصرة جارتهم الخليجية، قطر، ودعموا الجنرال المنشق خليفة حفتر في ليبيا، ودعما المسلحين الذين يسعون إلى الإطاحة ببشار الأسد في سوريا، وأرسل كلاهما قوات لخوض حرب دموية في اليمن ضد المتمردين المتحالفين مع إيران.
لكن الانقسامات تندلع الآن بين زعيمي الدولتين المستبدَّيْن: ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، فوفقًا لتقرير لصحيفة وول ستريت جورنال نُشر في كانون الأول/ديسمبر الماضي، هدد ولي العهد السعودي بفرض حصار على الإمارات.
انسحبت الإمارات من حرب اليمن في عام 2019 لكنها تواصل دعم جماعة انفصالية في جنوب اليمن اشتبكت مع قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمدعومة من السعودية؛ حيث يقول جريج بريدي، المستشار بشركة “سبوت رن” للاستشارات، ومقرها في الولايات المتحدة، وهو زميل أول في مركز “ناشيونال إنترست” في واشنطن العاصمة، لموقع “ميدل إيست آي”: “يعتبر اليمن أحد أوجه الخلافات بين الإمارات والسعودية، وتمثل الطاقة وجهًا آخر لتلك الاختلافات”.
اندلعت الخلافات بين الرياض وأبو ظبي بشأن السياسة النفطية في العلن في عام 2021، عندما طلبت الإمارات العربية المتحدة عقد اجتماع لـ”أوبك +” بسبب شكاوى من أن لديها خط أساس منخفض لحساب إنتاجها من النفط المسموح به.
تستثمر الإمارات – مثل السعودية – بكثافة في صناعة الطاقة لديها لإنتاج المزيد من النفط الخام، وبحلول عام 2027؛ تريد زيادة طاقتها الإنتاجية – أي كمية النفط التي تستطيع ضخها – من 4.5 ملايين برميل في اليوم إلى 5 ملايين برميل في اليوم.
لكن السعودية تريد إبقاء الإمدادات شحيحة لرفع الأسعار، لا سيما أنها تتطلع إلى ضخ عائدات النفط في مشاريع ضخمة مثل مشاريع نيوم وجزيرة البحر الأحمر، للتخلص من الاعتماد طويل الأجل على الوقود الأحفوري. وبالمقابل تريد الإمارات – والتي تمتاز بقطاع خاص أكثر تطورًَا – ضخ النفط الخام الآن عندما يكون الطلب مرتفعًا، مع التركيز على انتقال الطاقة.
بعد غزو روسيا لأوكرانيا؛ قال يوسف العتيبة، السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، في آذار/مارس 2022 إن الإمارات تريد زيادة إنتاج النفط وستضغط من أجل ذلك داخل أوبك، فيما قال بريدي: “الإمارات العربية المتحدة أغنى من السعودية على أساس نصيب الفرد، لذا فإن السعودية قلقة أكثر بشأن الأسعار قصيرة الأجل التي قد تضر بالإنفاق الحكومي”.
وأشرف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على حملة قمع شديدة للمعارضة في الداخل، لكنه يسعى إلى بعض الإصلاحات الاجتماعية التي تحدث مرة واحدة في الجيل والتحويل الاقتصادي الذي رحب به العديد من الشباب السعودي.
وأوضح بريدي إن “ولي العهد – الذي يبلغ عدد مواطني دولته حوالي 18 ضعف عدد مواطني الإمارات – أكثر حساسية لأسعار النفط اليومية”، فهناك مخاوف من أن يفقد الجمهور الثقة في محمد بن سلمان إذا انخفضت أسعار النفط، حيث يضيف بريدي: “لا داعي للقلق بشأن هذا الأمر على الامارات”.
صدام وزراء النفط
اختلف البلدان، اللذان يتنافسان الآن ليكونا قادة جيوسياسيين في المنطقة، أيضًا حول كيفية إدارة “أوبك+”، وفقًا لما قاله اثنان من المديرين التنفيذيين للطاقة في الإمارات ومحللون لموقع “ميدل إيست آي”.
وقال مسؤول تنفيذي في قطاع الطاقة في دبي لموقع “ميدل إيست آي”: “الإمارات العربية المتحدة تعتبر أوبك قوة لتحقيق الاستقرار في سوق النفط. ولكن لديهم مشكلة حقيقية مع الأسلوب السعودي الوقح”. وهذا يعني على وجه التحديد عبد العزيز بن سلمان”، في إشارة إلى وزير الطاقة في المملكة والأخ غير الشقيق لولي العهد.
اكتسب عبد العزيز بن سلمان سمعة أنه مقاتل، فقد حذر المضاربين في السوق من أنهم سيدخلون “الجحيم” إذا شكوا في استعداده لخنق إمدادات النفط العالمية، واستخدم ذات مرة تشبيه البوكر لإبقاء مراقبي السوق في حالة تخمين بشأن الاتجاه المستقبلي لسياسة الطاقة في المملكة قبل اجتماع أوبك.
ويقول الخبراء إن أسلوب الوزير البالغ من العمر 63 عامًا يتناقض بشكل حاد مع أسلوب نظيره الإماراتي البالغ من العمر 40 عامًا، سهيل المزروعي؛ حيث قالت إيلين والد لموقع “ميدل إيست آي”: “كان يُنظر إلى المزروعي على أنه شاب مثير عندما تولى منصب وزير لأول مرة في عام 2013، لكنه كان فعالًا للغاية واكتسب نفوذًا كبيرًا في أوبك”، مشيرة إلى مهارة وزير الطاقة في مساعدة الإمارات للفوز بزيادة حصتها هذا الصيف.
ويعتبر كل من الإمارات و السعودية نظامان ملكيان لا يتسامحان مع أي معارضة سياسية ويحافظان على وجود أمني متعجرف، لكن الإمارات خلقت لنفسها مكانة كمركز محايد وآمن للأعمال؛ حيث تقول إيلين والد: “لا يريد الإماراتيون أن يُنظر إليهم على أنهم غير موثوق بهم”.
“ازدراء سعودي”
النقطة الأخرى المثيرة للخلاف بين الدولتين الخليجيتين كانت نجاح الإمارات في جذب تجار النفط الروس الفارين من العقوبات الغربية؛ حيث أصبح ميناء الفجيرة الإماراتي مركزًا رئيسيًا لإعادة الشحن للنفط الروسي، وتوافد تجار الطاقة الروس إلى دبي.
وعلى الرغم من أن هذا قد خلق توترات مع الولايات المتحدة، التي وصفت الإمارات بأنها “بلد التركيز” حيث تتطلع إلى قمع التهرب من العقوبات، فقد عزز ذلك من اقتصاد دبي، وهي واحدة من سبع إمارات داخل دولة الإمارات.
في غضون ذلك؛ شهدت المملكة العربية السعودية، التي تدفع بالإصلاحات الاجتماعية لجعل نفسها أكثر جاذبية كمركز تجاري لمنافسة دبي، تدفقًا ضئيلًا من قبل الأجانب؛ حيث تقول إيلين والد: “يجب على السعوديين أن يدركوا أن الناس لا يريدون القيام بأعمالهم التجارية في المملكة العربية السعودية لأنه لا أحد يريد العيش هناك”. وتساءلت متهكمة: “هل تريد أن تخبر الروس أنه لا يمكنهم تناول الفودكا؟”، مشيرة إلى حظر السعودية للكحول، مضيفة: “لكن السعوديين يعتبرون هذا التجاهل لهم ازدراء”.
يقول محللون إن أحد المجالات التي تقدمت فيها السعودية على المحللين الإماراتيين، هي مع شركة النفط الوطنية أرامكو، التي سعت بقوة للاستحواذ على مصافي النفط والإنتاج النهائي، مثل البتروكيماويات، المنتشرة حول العالم من أوروبا إلى الصين.
توجد البوليمرات المكررة ومركبات النفط والغاز في كل شيء من الأسمدة والبلاستيك إلى منظفات الغسيل والورق والملابس، من المتوقع أن تظل شهية العالم للبتروكيماويات قوية حتى مع تراجع الطلب التقليدي على الوقود؛ حيث يقول كاتونا: “السعودية حققت دفعة كبيرة في إنتاج النفط والغاز المصب”.
تعمل شركة النفط الإماراتية المملوكة للدولة، أدنوك، الآن على تعزيز حضورها العالمي؛ حيث قدمت عرضًا لشراء شركة كوفيسترو الأوروبية لصناعة الكيماويات، وشركة براسكيم، عملاق البتروكيماويات البرازيلي، حسبما ورد. وقالت أدنوك يوم الجمعة إنها استحوذت على حصة تبلغ 30 بالمئة في حقل غاز أذربيجاني، فيما قال كاتونا: “أدنوك ترش المال لأنهم أدركوا أنهم تأخروا عن الحفلة مقارنة بأرامكو”.
حتى مع تحقيق الإمارات المكاسب في “أوبك+” والاستفادة من تخفيضات الإنتاج في السعودية، يقول المحللون إن الرياض من المرجح أن تحافظ على تفوقها في سوق الطاقة على صديقتها، وزيادة المنافسة؛ حيث تخطط المملكة لزيادة طاقتها الإنتاجية الهائلة إلى 13 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2027، وهو تعلق عليه إيلين والد بقولها: “هذا يمنحهم نفوذًا كبيرًا، ففي أي لحظة؛ يمكنهم إغراق سوق النفط. هذا شيء لا يمكن لأحد فعله – لا الإمارات ولا حتى الولايات المتحدة -“.
المصدر: موقع ميدل إيست آي