قد ينجح المجرمون بعض الوقت في طمس بعض جرائمهم، لكنهم لن ينجحوا في ذلك كل الوقت، فبعض الجرائم تبقى محفورة في الذاكرة منيعة أمام محاولات التجهيل لما تضمنته من تفاصيل مرعبة وأحداث مروعة وما خلفته وراءها من خسائر إنسانية فادحة تجعلها في علاقة عكسية دومًا مع مخططات المحو ومؤامرات الدفن.
ومن بين تلك الأحداث التي أثبتت السنوات أنها عصيّة على النسيان، مذبحة رابعة العدوية، التي تحل ذكراها العاشرة وسط زخم كبير للأحداث، ومعايشة شبه يومية مع تفاصيل تلك الجريمة التي أجمعت كل المنظمات الحقوقية الدولية على أنها واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في العصر الحديث.
وعلى مدار السنوات العشرة الأخيرة، منذ ارتكاب سلطات الانقلاب بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي مذبحة رابعة في 14 أغسطس/آب 2013 وحتى اليوم، نجح الناجون ومن خلفهم المهتمون بالشأن الحقوقي والإنساني في مصر والعالم، في توثيق تفاصيل ما حدث بشكل دقيق في هذا اليوم، في محاولة لكشف الحقائق والإبقاء عليها خالدة في مواجهة سردية المنتصر والروايات الصادرة عن السلطات المصرية التي تهدف لتشويه صورة المعتصمين وتحميلهم مسؤولية ما حدث من خلال روايات فُندت شكلًا ومضمونًا بشهادات حية لمن عايشوا تلك الساعات المريرة.
ومع محاولات السلطات المصرية المستمرة لطمس تلك الحقائق الدامية بروايات متضاربة ومتناقضة بعيدة تمامًا عما حدث، ظلت مشاهد تلك المجزرة حاضرة بقوة، لتظل علامة فارقة في تاريخ مصر لواحدة من أفظع الجرائم ضد الإنسانية التي عرفها المصريون ولم يتعرضوا لها حتى على أيدي المستعمرين الأجانب الذين حكموا البلاد معظم فتراتها.
أفلام وثائقية
“ذكريات مذبحة”
استضافت قاعة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتليفزيون “بافتا” العرض الافتتاحي للفيلم الوثائقي “ذكريات مذبحة” الذي تعرضه منصة “إيجيبت ووتش” ويصنف على أنه أقوى الأعمال الوثائقية التي توثق مجزرة رابعة، الذي تضمن شهادات حصرية للناجين من المجزرة، بصفتهم شهود عيان على ما حدث في هذا اليوم، ومن بينهم كريج سامرز رئيس الأمن السابق في قناة سكاي نيوز البريطانية، ومصعب الشامي مصور وكالة أسوشييتد برس، وديفيد كيركباتريك رئيس مكتب صحيفة نيويورك تايمز في القاهرة خلال تلك الفترة، وآخرين ممن عايشوا المجزرة.
الفيلم المصنف عالميًا إنتاج وإخراج بريطاني، فقد أخرجته نيكي بولستر التي عملت مع أبرز القنوات البريطانية من بينها “بي بي سي” و”آي تي في” والقناة الرابعة البريطانية، وهو ما أهل العمل للحصول على جائزة “أفضل فيلم وثائقي” لعام 2023 من مهرجان السويد للأفلام.
ويعرض الفيلم في أهم قاعة للعروض الافتتاحية للأفلام في بريطانيا وهي قاعة “بافتا” (BAFTA) التي تمثل المؤسسة البريطانية المكافئة للأكاديمية الأمريكية التي تقدم جوائز “أوسكار”.
العمل أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والحقوقية المصرية والعالمية، لما لاقاه من زخم كبير وفعاليات عدة على هامش عرضه شارك فيها سياسيون وصحفيون وحقوقيون وأكاديميون من بريطانيا والولايات المتحدة، بجانب ممثلين عن مؤسسات حقوقية عالمية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، بالإضافة إلى الحديث عن عرضه في عدد من البلدان الأوروبية الأخرى من بينها ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا وإيرلندا والبوسنة وكذلك عاصمة الولايات المتحدة واشنطن، وأوتاوا عاصمة كندا.
“رابعة.. مذبحة القرن”
العمل من إنتاج صحيفة “الشعب” المصرية المعارضة، وتم عرضه بعد مرور 100 يوم على المجزرة، ويوثق من خلال بعض الصور والمقاطع المرئية حجم الدمار والقتل الذي لحق بالمعتصمين، بجانب شهادات حية من المشاركين في الاعتصام بشأن سلمية وجودهم بعيدًا عن روايات الداخلية آنذاك بأن الاعتصام كان مسلحًا.
ويعد هذا العمل من باكورة الأعمال التي كشفت النقاب عن تفاصيل ما جرى في ذلك اليوم وبشاعة المناظر التي شهدها ميدان رابعة والمسجد والمستشفى الميداني هناك، حيث الجثث المشوهة نتيجة الحرق والأشلاء المتناثرة هنا وهناك، وذلك ردًا على السرديات الرسمية التي انتشرت على منصات الإعلام الموالي للنظام في ذلك الوقت.
“كانوا جرحى”
الفيلم من إنتاج قناة الجزيرة عام 2016، وأذيع بـ3 لغات على قنوات الجزيرة الوثائقية والإخبارية والإنجليزية، ويوثق ما دار في المستشفى الميداني ومستشفى رابعة العدوية في أثناء مجزرة فض الاعتصام باستضافة شهود على المذبحة وكيف تحول ميدان رابعة من مكان ينبض بالحياة إلى ساحة دماء كبيرة، كأنك في مشهد قيامة صغرى بحسب وصف أحد الشهود.
رائحة الموت في كل مكان، والناس في حالة هلع، ومراحل الموت كلها تمر أمام عينيك في لحظات، والمستشفى الميداني بالميدان كان بالأصح أن يطلق عليه “المشرحة الميدانية” وليس مكان استشفاء، كانت تلك شهادات بعض الناجين من تلك المجزرة.
الشهادات بجانب أنها وثقت ما حدث في المستشفى الميداني، كشفت كذلك عن حجم المعاناة المستمر مع الناجين إزاء ذويهم ممن فقدوا في تلك المذبحة، حيث الذكريات المؤلمة واللحظات الدموية المريرة التي تأبى أن تفارق الذاكرة ولو للحظات، تلك المشاهد المرعبة العالقة في الأذهان حتى قيام الساعة كما أشارت إحداهن.
“عمارة المنايفة”
في 13 أغسطس/آب 2015 عرضت قناة “الجزيرة” على مسرح مركز الجزيرة للتدريب والتطوير، الفيلم الوثائقي “عمارة المنايفة”، وذلك بمناسبة مرور عامين على فض الاعتصام والمجزرة البشعة، العمل يوثق عمليات القتل والانتهاكات والاعتقال التي تعرض لها عشرات المعتصمين الذين كانوا يحتمون بإحدى البنايات الموجودة في الميدان.
كان هذا البناء يحمل اسم “المنايفة” نسبة إلى كثرة سكانه من محافظة المنوفية بوسط الدلتا، ومن هنا جاء اسم العمل، الذي تضمن كذلك إعادة تمثيل بعض المشاهد التي وقعت خلال اقتحام قوات الأمن المصرية للعمارة، ويعقب عرض الفيلم نقاش يتضمن شهادات ممن شاركوا في الاعتصام.
في العمل يروي الناجون من المعتصمين رحلة صمود استمرت 12 ساعة في مواجهة رصاص وخرطوش وغاز قنابل أجهزة الشرطة المصرية والجيش المشارك في عملية الفض، بجانب استدعاء بعض المشاهد الدامية حيث سقوط عدد منهم ما بين مصاب وقتيل في مشاهد توثق لأول مرة.
“اليوم الأخير”
في 13 أغسطس/آب 2016 عرضت قناة “مكملين” الفضائية المعارضة فيلمًا وثائقيًا تحت عنوان “اليوم الأخير”، الفيلم الذي يوثق ما جرى في الساعات الأربع والعشرين التي شهدتها ساحات ميدان رابعة العدوية من الجنبات كافة، مع شهادات حية من بعض المعتصمين.
العمل الذي زادت مدة عرضه على الساعة عرض بعض المشاهدات للانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن بحق المعتصمين، فضلًا عن استهداف الموجودين داخل المسجد، مصلين ومحتمين به، بجانب قنص واستهداف المصابين داخل المستشفى الميداني، ومحاولات المعتصمين هناك الفرار بحياتهم والزود عن أنفسهم لكن دون جدوى، حيث كان الرصاص أسبق لهم.
“كنت هناك”.. فض اعتصام رابعة
عرض البرنامج الوثائقي “كنت هناك” المقدم على قناة “العربي الجديد” في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2016 فيلمًا وثائقيًا تحت عنوان “فض اعتصام رابعة”، يوثق مراحل عملية الفض وفق تسلسل زمني بدءًا من بيان عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013 وصولًا إلى يوم الفض 14 أغسطس/آب 2013.
العمل كشف دور الإعلام وبعض الكيانات المدنية في تأجيج المشهد والترويج لسردية الفض للقضاء على الاعتصام وفضه بالقوة مهما كانت الخسائر، في محاولة لتمهيد الساحة للقبول الشعبي لتلك الجريمة، حيث تبنى الإعلام الموالي للنظام خطابًا تحريضيًا واضحًا اتهمته بعض الأوساط بأنه “إرهاب ممنهج”.
“بعد الخامسة والنصف”
14 يوليو/تموز 2017 عرضت قناة “الجزيرة” الفيلم الوثائقي “بعد الخامسة والنصف” وهو العمل الذي يوثق لأول مرة بشاعة ما حدث من بعد الساعة الخامسة والنصف عصر يوم الفض، حيث تكثيف الاستهداف والرصاص الموجه صوب المعتصمين في مواضع القتل لديهم دون تمييز.
تقول إحدى المشاركات في الاعتصام: “بعد الساعة الخامسة فوجئنا بزيادة الضرب واضطررنا لوضع أطفالنا في دواليب لحمايتهم من الموت”، وأخريات يطالبن بالكشف عن مصير أبنائهن، فطيلة تلك السنوات لم يتم التعرف عليهم، سواء كانوا أموات أم أحياء.
الشهادات كشفت عن بشاعة ما حدث مساء يوم الفض، والآثار الناجمة عن ذلك اليوم، والمستمرة حتى الساعة وفق شهود العيان الذين شاركوا في الاعتصام، بجانب توثيق ما حدث من انتهاكات بشعة بحق المعتصمين، شيوخ وأطفال ونساء وشباب، الكل لقي المصير ذاته، استهداف رصاصي ممنهج.
“شريط رابعة”
عرضت قناة “العربي الجديد” الفيلم الوثائقي المعنون بـ”شريط رابعة” في 14 أغسطس/آب 2017 بمناسبة الذكرى الرابعة لعملية الفض، العمل من مسماه يتناول تسلسل الأحداث خلال الفترة بين 28 يونيو/حزيران و14 أغسطس/آب 2013، تلك الفترة التي سبقت المجزرة ويوم تنفيذها.
الشريط يقدم صورة تفصيلية وثائقية عن الاعتصام الذي نظمه مؤيدو الرئيس مرسي للمطالبة بعودته إلى السلطة والإفراج عن المعتقلين وما رافق ذلك من انتهاكات الأمن بحق المعتصمين والجرائم المرتكبة التي أزهقت مئات الأرواح، فضلًا عما تلا ذلك من موجات اعتقال غير متناهية.
“المذبحة”
13 أغسطس/آب 2022، عرضت منصة “أرك ستوريز” الوثائقية فيلمًا وثائقيًا بعنوان “المذبحة” وذلك بمناسبة مرور تسع سنوات على المجزرة، ويستعرض العمل أبرز المحطات في مسيرة المذبحة منذ 30 يونيو/حزيران 2013 واحتجاز الرئيس مرسي وبيان 3 يوليو/تموز.
العمل استعرض بعض المواقف الرافضة لما تم في المجزرة، ومنها موقف نائب الرئيس آنذاك محمد البرادعي الذي قدم استقالته تنديدًا لدموية عملية الفض والخسائر الفادحة التي منيت بها على حساب أرواح المصريين ودمائهم، فضلًا عن شهادات المنظمات الدولية بشأن بشاعة هذا اليوم وكارثيته على المنظومة الحقوقية بشكل عام.
كتب وروايات
كتاب “مجزرة رابعة بين الحكاية والتوثيق“
صدر هذا الكتاب الإلكتروني في أكتوبر/تشرين الأول 2013 أي بعد شهرين فقط على مجزرة الفض، لعدد من النشطاء هم: سعد نور سليم وياسر أبوزيد وأماني شحاتة وأسماء الحضري، وهو يوثق ما حدث في هذا اليوم بروايات شهود عيان وصور وأسماء للمشاركين في الاعتصام، ويحتوي على أربعة أجزاء: المقدمة التي تناولت بداية الجريمة منذ الترويج لاستمارة تمرد وعنون لها بعنوان “أول الدم ورقة” في إشارة للاستمارة.
ثم فصل بعنوان “ملحمة الثبات في مذبحة الفض” وفيه يستعرض شهادات بعض شهود العيان في أثناء فض الاعتصام في رابعة، مدعمًا بالصور، وفصل ثالث يسرد خلاله صور وأسماء وعناوين 377 من ضحايا عملية الفض، مذيلًا إياه بجدول به أسماء وعناوين باقي الضحايا.
كتاب “من وحي الرصاص”
الكتاب من تأليف الشاعر والقاص أحمد شاكر، ويقع في 65 صفحة، ويحاول سرد المجزرة بشكل أدبي شعري مكتوب بطريقة شِعر “الهايكو” اليابانى، وتسمى شذرة، وهو مقسم إلى ثلاثة أقسام: ما قبل فض الاعتصام، ويوم الفض، وما بعد الفض، وهذا ما يميزه عن غيره من المؤلفات التي تطرقت لهذا الموضوع.
ومن أبرز الاقتباسات التي تضمنها الكتاب قول المؤلف “مرعب صوت الرصاص، وهو يمرق بين أوراق الشجر.. مرعب وهو يخترق الجسد” وهي الاقتباسات التي تحولت فيما بعد إلى أقوال مأثورة عن دموية هذا اليوم وما حدث فيه لأبناء الدولة المصرية علي أيدي قواتها الأمنية.
كتاب “شهادتي على ميلاد أمة في رابعة الصمود“
صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب ذات الـ198 صفحة في 2014 لوكيل وزارة الأوقاف المصرية السابق والأستاذ بكلية الدعوة بجامعة الأزهر، جمال عبد الستار، الذي يروي بشكل شخصي، الكثير من الأسرار والتفاصيل التي جرت في يوم المذبحة، موثقًا ذلك بالصور.
المؤلف حاول من البداية الإجابة عن التساؤل الأكثر جدلًا وقتها: لماذا الاعتصام؟ موضحًا أنه “بعد أن وصل الإسلاميون لسدة الحكم وفق الآليات الديمقراطية نكص المتشدقون بالمدنية ونادوا بلا خجل بدولة عسكرية، بل هدموا ما بناه الشعب وقتلوا المخالفين أو اعتقلوهم، وعسكروا الشوارع والميادين، لذا كانت المواجهة حتمية لا بين تيار بعينه، بل شعب تاق للحرية وبين قوة غاشمة ألفت رؤية الشعب خاضعا لها، فاتخذ الاعتصام وسيلة لاستكمال أهداف ثورة يناير فكانت رابعة ميدانًا وميقاتًا لإعداد أمة جديدة ومخيمًا ربانيًا عجيبًا”.
رواية “المذبحة”
تعد تلك الرواية للأديب أحمد عامر، هي الأولى وربما الأخيرة التي وثقت أبرز الأحداث التي تمت خلال فض اعتصام رابعة، حيث يأخد الكاتب القارئ عبر جناح السرعة في رحلة مطولة لأهم المحطات التي شهدها يوم الفض، بادئًا روايته برسالة مباشرة لقراءة قال فيها: “لو كنت ممن يكرهون الإخوان وغير مؤمن بقضية الإسلاميين، فأنصحك بألا تقرأ هذه الرواية حفاظًا على أعصابك، ولو كنت من مؤيدي السيسي فأقول لك لا تقرأ هذه الرواية، لأن كل حرف هنا يلعنك وكل كلمة تبصق في وجهك”.
الرواية تحاول توثيق المبدأ الثوري المعروف “سنحيا كرامًا فكرة، والأفكار لا تموت” متناولة الكثير من المشاهد واللوحات الدموية الصعبة التي تكشف حجم الانتهاكات التي جرت في ذلك اليوم، ولم يتطرق إليها الكثير من المؤلفين والكتاب في السابق.
تقارير وثائقية
في 12 أغسطس/آب 2012 وفي قرابة 188 صفحة نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرها الوثائقي الشهير “حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر” الذي يوثق كيفية قيام الشرطة والجيش المصريين على نحو ممنهج بإطلاق الذخيرة الحية على حشود من المتظاهرين المعارضين، واستهدافهما المعتصمين بشكل ممنهج تسبب في سقوط مئات القتلى وأضعافهم من المصابين.
المنظمة قالت في تقريرها: “وقائع القتل الممنهج وواسع النطاق لما لا يقل عن 1150 متظاهرًا بأيدي قوات الأمن المصرية في يوليو/تموز وأغسطس/آب من عام 2013 ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية”، فيما علق كينيث روث، المدير التنفيذي للمنظمة بقوله: “في ميدان رابعة قامت قوات الأمن المصرية بتنفيذ واحدة من أكبر وقائع قتل المتظاهرين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث. لم تكن تلك مجرد حالة من حالات القوة المفرطة أو ضعف التدريب، بل كانت حملة قمعية عنيفة مدبرة من جانب أعلى مستويات الحكومة المصرية. وما زال العديد من المسؤولين أنفسهم يشغلون مناصبهم في مصر، وهناك الكثير مما يتعين مساءلتهم عليه”.
واستندت المنظمة الحقوقية الدولية في تقريرها إلى شهادات حصلت عليها خلال مقابلات مع أكثر من 200 شاهد، وبينهم متظاهرون وأطباء وسكان من مناطق الأحداث وصحفيون مستقلون، كما زارت كل موقع من مواقع التظاهر في أثناء الاعتداءات أو مباشرة في أعقاب بدئها، وراجعت أدلة مادية وساعات من مقاطع الفيديو وكذلك تصريحات مسؤولين حكوميين.
في السياق ذاته أذاعت قناة “الجزيرة” من خلالها برنامجها “الاتجاه المعاكس” الذي عرض في 15 أغسطس/آب 2018 تقريرًا وثائقيا عبارة عن مناظرة بين ضيفين للإجابة عن السؤال: فض رابعة.. مجزرة دموية أم إنقاذ لمصر؟ حيث تناول إثبات منظمات حقوق الإنسان الإفراط في القوة المستخدمة في المجزرة، والتطرق إلى بعض المسائل الأخرى المتعلقة بيوم الفض وما تبعه.
ومنها: الأرقام الموثقة داخليًا وخارجيًا لضحايا فض رابعة، أعداد القتلى في المؤسسات الأمنية، استخدام القوة في فض الاعتصامات، موقف أمريكا من السيسي والأحداث في مصر، توثيق أكبر مجزرة في تاريخ مصر الحديث، تحصين المؤسسة العسكرية من المحاسبة في القانون، تمييز المؤسسة العسكرية في القانون، تعليق الدستور واستغلاله في تحصين العسكر، اقتحام نقابة الصحفيين، تصريحات السيسي ووزير الداخلية عن أعداد الأسلحة داخل رابعة، وأخيرًا تحقيق الأمن في مصر والملاحقات للمعارضين.
وبجانب ذلك أذاعت القناة نفسها من خلال سلسلتها الوثائقية “شهود على المذبحة” شهادات العديد من شهود العيان الذين عاينوا المجزرة وشاركوا فيها، إما بشكل مباشر وإما نقلًا عن مقربين منهم، موثقين بتلك الشهادات حجم الانتهاكات والجرائم الممنهجة التي حدثت في ذلك اليوم وما تلاه.
بودكاست
عشرات البودكاست جرى إنتاجها وبثها لتوثيق ما حدث في هذا اليوم الدامي، بعضها تطرق إلى سرد التفاصيل والآخر إلى أجواء ما حدث وانعكاساته على العامل النفسي والاجتماعي لمن شاركوا في الاعتصام، بينما عزف فريق ثالث تعليقًا على المجزرة برمتها.
ومن أبرز الأعمال التي تطرقت لهذا الموضوع، البودكاست الذي جاء بعنوان ماذا لو تركوا اعتصام رابعة من دون فضٍّ بالقوة؟ الذي نشره “بودكاست العربي الجديد” عن مقال للكاتب وائل قنديل، الذي تساءل سؤاله الافتراضي المستمر حتى اليوم: ماذا لو لم تُقدم السلطة الحالية على عملية فض الاعتصامات بالقوة المسلحة؟
وعلق على ما حدث قائلًا “هذا اليوم المؤلم للذاكرة يأتي وسحابة من القلق على المستقبل تلتحم بسحابة سوداء قادمة من الماضي القريب، ولا تريد أن تنقشع، فيكون المناخ قاتمًا ومشبعًا بالحزن على الدماء التي أريقت من دون أن يحاسَب على إراقتها أحد، وعلى المياه التي أهدرت بقرار فردي من الشخص ذاته الذي اتخذ قرار سفك الدماء”.
ويمكن أن نضيف لهذه القائمة، سلسلة شهادات بعنوان “نساء رابعة“، من إنتاج موقع ميدل إيست آي، تحدثت ثلاث سيدات مصريات عن أجزاء من تجربتهن خلال المحنة وبعدها.
أخيرًا، فإنه وأمام الملايين التي أنفقت لطمس بعض الحقائق التي جرت في هذا اليوم، فإنه في المقابل نجحت تلك الأعمال في تسليط الضوء على سردية الضحية مما حدث، لتظل تلك التفاصيل المستترة حاضرة في الأذهان، وتظل تلك الأفلام والتقارير والكتب شهودًا على المجرم والجريمة والضحية.