في ظل الصراع الدموي الذي يشهده السودان منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي، اتخذت شركة ميتا العملاقة المالكة لمنصات فيسبوك وإنستغرام وواتساب، قرارًا جريئًا بحذف الصفحات الخاصة بقوات الدعم السريع، الأمر الذي يشكّل ضربة موجعة للأخيرة، حيث تعتمد بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي في بثّ الدعاية الخاصة بها.
الدعم السريع تخسر 2 مليون متابع على فيسبوك
لم تزل شركة ميتا حساب الدعم السريع فحسب، بل حذفت كذلك حساب قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي” من موقع فيسبوك، مؤكدة أنها لجأت إلى هذه الخطوة بسبب انتهاك تلك الحسابات لسياسة فيسبوك الخاصة بـ”الأفراد الخطرين والمنظمات الخطرة”، وفقًا لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
Facebook confirmed to Middle East Eye that they removed the RSF from their platforms for violating their Dangerous Organisations and Individuals policyhttps://t.co/qSP0PKghkk
— Middle East Eye (@MiddleEastEye) August 11, 2023
قبل الإزالة، كانت الصفحة الرسمية للدعم السريع تحظى بمتابعة أكثر من مليون شخص، أما الصفحة الرسمية لقائد الميليشيا محمد حمدان دقلو فكان يتابعها أكثر من 850 ألف شخص.
واعترفت الميليشيا بأن إزالتها من فيسبوك يمثل “تحديًا هائلًا”، وأنه تهديد بمحو هويتها من العالم الرقمي، إذ إن منصة فيسبوك هي الأكثر شعبية لدى الجمهور السوداني، فعلى موقع إكس (تويتر سابقًا) يتابع صفحة الدعم السريع 120 ألف شخص فقط، بينما يتابع صفحة حميدتي نحو 230 ألفًا، هذا مع تجاهل الحسابات الوهمية التي يُعتقد أنها الأكثر متابعة لصفحات الدعم السريع، بهدف تضخيم المحتوى والإيحاء بأن الكثير من السودانيين يتابعون ويتفاعلون مع حسابات الميليشيا.
ما يجدر ذكره أن سياسة ميتا الخاصة بالمنظمات والأفراد الخطرين تنص على أنه “في محاولة لمنع وتعطيل الضرر في العالم الحقيقي، لا نسمح للمنظمات أو الأفراد الذين يعلنون عن مهمة عنيفة أو يشاركون في أعمال عنف بالتواجد في فيسبوك. نحن نقيّم هذه الكيانات بناءً على سلوكها عبر الإنترنت وخارجه، والأهم من ذلك ارتباطها بالعنف”، وفقًا لشبكة “سي إن إن” الأمريكية.
اختفت الصفحتان بصورة مفاجئة يوم الجمعة الماضية، الصفحة الرسمية لقوات الدعم السريع، إلى جانب الصفحة الرسمية الخاصة بقائدها محمد حمدان دقلو، وكلاهما موثقتان بالعلامة الزرقاء.
وعندما حاول البعض الوصول إلى الصفحات المحذوفة، ظهرت لهم رسالة تقول: “هذه الصفحة غير متوفرة الآن”، وتضيف: “قد يرجع هذا إلى خطأ فني نعمل على حلّه”، مطالبة الزوار بإعادة تحميل الصفحة.
الصفحات كانت تدار من الإمارات
في وقت سابق، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في السودان صورًا مأخوذة من صفحة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” على موقع فيسبوك، تظهر أن حسابه على الموقع يتم إدارته من 3 أشخاص، أحدهم من دولة الإمارات.
نشطاء ينشرون معلومات صفحة قائد #قوات_الدعم_السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو “#حميدتي” على الفيس بوك توضح إدارتها من #الإمارات#مزيد pic.twitter.com/TayE1n6peq
— مزيد – Mazid (@MazidNews) April 18, 2023
وتفاعل نشطاء ومستخدمو منصات التواصل على نطاق واسع مع بيانات صفحة دقلو على فيسبوك الموثقة بالعلامة الزرقاء، قبل أن تقوم الصفحة بإخفاء المعلومات من خاصية “شفافية الصفحة”، التي تظهر للمتابعين من يقوم بإدارتها ومواقعهم الحالية.
بيد أن المراقب لتغطيات وسائل الإعلام الإماراتية والمرتبطة بدولة الإمارات عمومًا، يلاحظ انحيازها الواضح والصريح في الصراع السوداني إلى الدعم السريع.
فحتى بعد أن قامت شركة ميتا بإزالة صفحات الدعم السريع من موقع فيسبوك، تبنّت صحيفة “العرب”، الممولة إماراتيًّا، الرواية التي نشرتها الميليشيا للتغطية على خسارة صفحتها، إذ لم تعترف بأن عملاق التواصل الاجتماعي قام بإزالة صفحاتها بقرار واضح، وليس نتيجة هجوم إلكتروني كما زعمت الدعم السريع.
#الدعم السريع تؤكد اختراق صفحتها الرسمية على الفايسبوك مشيرة الى أنها تعمل على استرجاع مواقعها.#العرب_اون_لاينhttps://t.co/cRsuKOSc6q
— العرب (@alarabonline) August 12, 2023
تحت عنوان “استهداف المواقع الإلكترونية لقوات الدعم السريع”، ذكرت الصحيفة الممولة إماراتيًّا: “أعلنت قوات الدعم السريع عن تعرضها لحرب إلكترونية منظمة بهدف إزالة تأثيرها من العالم الافتراضي، حيث توسعت الحرب المسلحة إلى حرب إلكترونية وإعلامية ودعائية”.
ونقلت الصحيفة عن الدعم السريع: “منظمتنا تواجه حاليًّا تحديًا هائلًا، وهجومًا منظمًا من قبل مجموعة مصمّمة على محو هويتنا من العالم الرقمي”، وأضافت الصحيفة: “حذّرت الدعم السريع مرارًا من محاولات لتشويه صورة قواتها وربطها بجرائم ضد المدنيين تصل إلى حدود الانتهاكات الجنسية، مشيرة إلى التنسيق مع الأمم المتحدة لمواجهة تلك الانتهاكات وفضح مرتكبيها”.
فيسبوك فكّك سابقًا شبكات دعاية للميليشيا
في العام 2021، كشف موقع فيسبوك أنه أزال ما يقارب الـ 1000 حساب شخصي ومجموعة وصفحة على فيسبوك وإنستغرام، بعد أن أوضحَ تقرير السلوك “غير الأصيل” أن هذا الكمّ الهائل من الحسابات تمَّ إنشاؤه بطريقة خادعة، واُستخدمت للثناء على محمد حمدان دقلو وقوات الدعم السريع، كما اُستخدمت لتشويه صورة الحكومة المدنية آنذاك والمعارضين.
ذكر فيسبوك أن الآلة الإعلامية لحميدتي التي أزالها تتكون من 666 حسابًا وصفحة ومجموعة على موقعها الأساسي، فضلًا عن 116 صفحة و69 مجموعة و92 حسابًا على إنستغرام، مبيّنًا أن الشبكة المرتبطة بقوات الدعم السريع وقدّمت نفسها ككيانات إخبارية مستقلة وصحفيين وطلاب مستقلين في السودان، واستهدفت الجماهير المحلية في هذا البلد.
لم يصدُر حينها أي تعليق من الدعم السريع حول الخطوة التي اتخذها فيسبوك والتي شكّلت فضيحة مدوية لها، إذ كشفَ عملاق التواصل الاجتماعي عن حجم التزوير والخداع الذي تنتهجه قوات الدعم السريع من أجل الترويج لقائدها دقلو، وأسرته التي تسيطر سيطرة تامة على هذه القوة، وولاء منتسبيها ينحصر فقط بقائدها حميدتي وشقيقه عبد الرحيم.
إعلام الدعم السريع أنشأ صفحات جديدة وحذفت على الفور
بالعودة إلى إزالة فيسبوك لصفحات الدعم السريع وقائدها دقلو، فإن فريق الإعلام الإلكتروني التابع للدعم السريع حاول إنشاء صفحات بديلة، لكن فيسبوك أغلقها على الفور ما شكّل ضربة جديدة للميليشيا.
إدارة فيس بوك تحذف الصفحة الجديدة لمليشيا الدعم السريع بعد يوم واحد من انشاؤها.
— 𝕐𝕒𝕤𝕚𝕣 𝕄𝕠𝕤𝕥𝕒𝕗𝕒 (@YASIR_MOS91) August 13, 2023
محمد كمبال، وهو باحث في المجال الرقمي والذكاء الاصطناعي، مقيم في بوسطن الأمريكية وعمل منذ عام 2019 على إغلاق هذه الصفحات، حيث قاد مبادرات شبابية في أكثر من اتجاه من أجل الوصول إلى الهدف، بالإضافة إلى كتابة مقالات بشكل مستمر في الصحافة الأمريكية للفت أنظار الرأي العام إلى خطورة الدعاية التي تبثها الميليشيا.
ووصف كمبال في تدوينة على فيسبوك قرار إزالة صفحات الدعم السريع بأنه “ضربة قوية لماكينة بروباغندا الجنجويد، والتي تم صرف ملايين الدولارات عليها”، داعيًا في منشور آخر الشباب السودانيين للإبلاغ عن حسابات الدعم السريع وقائدها على موقع إكس، حتى يتم إغلاقها هي الأخرى.
يدكم ياشباب نفعل الهاشتاق ده باسباب قفل حسابات الجنجويد على تويتر، شاركو رايكم وادعموه بمعلومات عن جرائم الميلشيا، افضل بالانجليزيى كي صوتنا يصل بسرعة#RemoveDaglo
— Mohamed Suliman (@MuhammedKambal) August 11, 2023
وفي حديث مع “نون بوست”، كشف الناشط السوداني الذي قاد الجهود لإزالة حسابات الدعم السريع، محمد كمبال، أنه عقد عدة اجتماعات مع مديرين في فيسبوك على مدار عامَين لحثّهم على إزالة صفحات الميليشيا.
بالإضافة إلى ذلك، نشر مقالات طلب فيها من عمالقة التكنولوجيا إزالة صفحات الميليشيا وحساباتها، كما أطلق عريضة مفتوحة تطالب شركة ميتا بإزالة المحتوى الخاص بالدعم السريع.
وأضاف الباحث في المجال الرقمي والذكاء الاصطناعي أنه سيكون لهذه الخطوة تأثير كبير على الميليشيا، حيث كانت الصفحات هي الأداة الإعلامية الرئيسية المستخدمة لبثّ انتصاراتها ونشر رسائلها الدعائية.
وتابع قائلًا لـ”نون بوست” إن فيسبوك استجاب للطلب لحسن الحظ، معربًا عن أمله في أن يحذو إكس حذو فيسبوك قريبًا ويزيل حساب دقلو.
من جهته، علّق مدير المجلس النرويجي للاجئين بالسودان، وليام كارتر، على الخبر بقوله: “هذه هي الخطوة الأولى ربما من شركة خاصة كبرى رغم الإهمال العام لوضع السودان، وتقدم بعض الأمل في أن تكون المصلحة الأخلاقية في الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ أوسع وأكثر قابلية، وأن هناك طرقًا أخرى يمكن بها وضع قواعد دولية لحماية المدنيين”.
قرار ميتا يحرج قوى الحرية والتغيير
اعتراف الميليشيا بأن إزالة صفحاتها من على فيسبوك تشكل “تحديًا كبيرًا وتهديدًا لوجودها الرقمي”، يوضح حجم النكسة التي مُنيت بها، إذ إن أعدادًا كبيرة من السودانيين تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثّف، خاصة موقع فيسبوك، لدرجة تفوّق فيها تأثير هذا الأخير على وسائل الإعلام التقليدية في السودان.
وقد أكّدت الكثير من التطورات تأثيره الكبير في أحداث حاسمة، كما تبيّن في ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018، حيث كانت منشورات تجمُّع المهنيين السودانيين تجد اهتمامًا مذهلًا فور ظهورها على موقعَي فيسبوك وإكس، رغم أن تجمُّع المهنيين كان جسمًا مجهولًا آنذاك.
كما يمثل قرار ميتا لإزالة صفحات الدعم السريع إحراجًا لائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي ما زال يتمسك ببقاء الميليشيا، حيث صرّح أحد قادة الائتلاف قبل يومَين بأنه لا ينبغي السماح بخسارة الدعم السريع، مناديًا بضرورة إدخالها في الجيش السوداني لأنها قوات تم الإنفاق عليها من دافع الضرائب السوداني.
محمد الفكي سليمان : الحديث عن تدمير الدعم السريع بالكامل هذا حديث خطير، والحديث عن أنَّ لابد لطرف القضاء على الآخر هذا حديث غير مسؤول pic.twitter.com/4DfBVNGy90
— Wli (@25Wli) August 10, 2023
قامت شركة ميتا بإزالة صفحات الدعم السريع، إثر انتهاك هذه الحسابات سياسة فيسبوك الخاصة بالأفراد الخطرين والمنظمات الخطرة، فسياسة ميتا تقوم على حظر صفحات المنظمات والأفراد الذين يعلنون أنشطة عنيفة أو يشاركون في أعمال عنف، إذ تقيّم الشركة هذه الكيانات بناء على سلوكها عبر الإنترنت وخارجه وارتباطها بالعنف.
الإمارات ستنشئ صفحات وحسابات جديدة
توجّه “نون بوست” بالسؤال إلى صحفي ومحلل بيانات عن الخطوات المستقبلية التي قد تتخذها الدعم السريع لتعويض الانتكاسة التي ألمّت بها، فأجاب قائلًا: “غالبًا ستكون هناك حسابات وهمية وصفحات جديدة وحسابات جديدة بإدارة وتمويل وتخطيط الإمارات، لا ننسى أبدًا أن مقار شركات مواقع التواصل الاجتماعي المعنية بشؤون الشرق الأوسط كلها موجودة في دبي، وكذلك يوجد شقيق حميدتي (القوني حمدان دقلو) الذي يملك شركة تقنية معلومات في الإمارات تساهم في هذه الأمور”.
ولفت محلل البيانات -رفض ذكر اسمه لاعتبارات أمنية- إلى أن الإبلاغات من قبل الجمهور على حسابات الدعم السريع أسهمت في اتخاذ شركة ميتا قرار الإزالة، موضحًا أهمية الاستمرار في الإبلاغ عن حسابات الميليشيا على منصة إكس حتى يتم اتخاذ إجراء مماثل.