ترجمة نون بوست
هناك الكثير من الأدلة على ما حدث في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة ذلك اليوم: أقوال شهود عيان وصور ومقاطع فيديو وحتى الوثائقي الذي نُشر هذا الشهر “ذكريات المذبحة”، لكن رغم كل هذه الأدلة فإن شهود المذبحة يقولون إن العدالة لم تتحقق مطلقًا لتعويض الضحايا عما حدث قبل عقد في الميدان.
في يوم 14 أغسطس/آب 2013، تمركزت قوات الأمن المصرية حول الميدان حيث يتظاهر نحو 85 ألف شخص ضد الوضع السياسي في البلاد، اعتصم المتظاهرون في الميدان لأن الجيش المصري عزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في شهر يوليو/تموز، واعتراضًا على ذلك خرج أنصاره للتظاهر في مناطق مختلفة بالبلاد.
وفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان، فبمجرد أن أخبرت قوات الأمن الحشود بالتفرق، بدأت بإطلاق النار عليهم، ورغم تباين التقديرات فقد قُتل ما بين 600 إلى أكثر من ألف شخص ذلك اليوم.
جريمة ضد الإنسانية؟
بعد مقابلة أكثر من 200 شاهد عيان وكتابة تقرير من 188 صفحة، قالت منظمة هيومن رايتش ووتش إن هذه المذبحة ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية، كما وصفتها منظمات حقوقية أخرى بأنها أسوأ جريمة قتل جماعي ضد متظاهرين في العصر الحديث، وهي أيضًا من أكثر الأعمال الوحشية الموثقة بصريًا في العصر الحديث.
إذا كان الوضع كذلك، فلماذا لم يُحساب مرتكبو الجريمة مطلقًا؟
وصفت الحكومة المصرية تقارير منظمات حقوق الإنسان عن المذبحة بـ”المتحيزة” ولم ترد على تساؤلات دويتشه فيليه عما إذا كان هناك حاجة لمزيد من التحقيقات.
أجرت مصر تحقيقاتها الخاصة بشأن المذبحة، أحدهما من خلال لجنة تقصي حقائق شُكلت في أواخر 2013، والآخر أجراه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مصر، وكلاهما قال إن المتظاهرين في رابعة مذنبون لأن بعضهم كانوا يحملون السلاح، وهو أمر ما زال شهود العيان يشككون في صحته، كما اعترف كلاهما أن قوات الأمن تصرفت بقوة مفرطة لكنهما لم يوصيا بتوجيه أي تهم.
في 2018، مرر البرلمان المصري قانونًا يمنح الحصانة القضائية لكبار القادة العسكريين ضد أي جرائم ارتكبوها في أثناء تأدية الواجب منذ تعليق الدستور المصري في يوليو/تموز 2013 وحتى انعقاد البرلمان مرة أخرى في 2016.
في 2021، وافقت مصر على تعديل اللوائح التي تحكم المحكمة الدستورية العليا “SCC”، هذه التعديلات تعني أنه في حال وجدت أي محكمة دولية أن مصر مذنبة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وأصدرت أي أحكام في هذا الشأن، فإن القرار سيمرر إلى المحكمة الدستورية العليا في البلاد لتقرر صحة الحكم من عدمه.
قالت الصحفية مي السعدني من مؤسسة “كارنيغي” في 2021: “هذه التعديلات تبعث برسالة واضحة لمن هم داخل البلاد، وهي أن مرتكبي تلك الجرائم سيواصلون انتهاكاتهم بينما يتمتعون بحصانة محلية، وبالنسبة للمجتمع الدولي، فإن السلطات المصرية تتحدى النظام الدولي”.
البحث عن العدالة خارج مصر
نتيجة ذلك، انتقل البحث عن العدالة إلى الساحة الدولية خلال العقد الماضي، ورغم ذلك لم يحقق أي نجاح يُذكر، كانت منظمات حقوق الإنسان قد طالبت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بالتحقيق في المذبحة، لكنها اختارت عدم القيام بذلك.
لم تنضم مصر أيضًا بشكل كامل إلى المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان – الذراع القضائية للاتحاد الإفريقي – وليست عضوًا كذلك في المحكمة الجنائية الدولية.
في 2014، طالب محامون مصريون وحزب الحرية والعدالة – الذي ينتمي إليه الرئيس المعزول – المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في الجرائم التي ارتُكبت في رابعة ضد الإنسانية، لكن المحكمة رفضت طلبهم وقالت إن هؤلاء الذين يطالبون بالتحقيق ليسوا ممثلين شرعيين للحكومة المصرية.
عندما زار محمود حجازي – أحد قادة الجيش المصري – معرض تجارة السلاح في المملكة المتحدة عام 2015، طالب محاميو حزب الحرية والعدالة الشرطة البريطانية باعتقاله بسبب مزاعم التعذيب ولأنه كان جزءًا من خطة فض رابعة، لكن الشرطة رفضت طلبهم وقالت إن حجازي يملك حصانة دبلوماسية خاصة.
يقول روبرت سكيلبك، مدير منظمة “Redress” الحقوقية ومقرها لندن التي تدعم ضحايا التعذيب الذين يسعون لتحقيق العدالة: “الخيارات الوحيدة المتبقية هي بعض أنواع التحقيقات التي تجريها هيئات الأمم المتحدة المختلفة أو السلطات القضائية العالمية”.
هل تساعد السلطات القضائية العالمية؟
من الناحية النظرية، يسمح المبدأ القانوني للسلطة القضائية العالمية لسلطات أي دولة بملاحقة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم حرب في أي دولة أخرى، بغض النظر عن وجود علاقة لجرائمهم من عدمها بالنسبة للدولة التي تلاحقهم.
لكن من الناحية العملية، فالأمر لا يسير بتلك الطريقة نظرًا لعدة اعتبارات، التي تضمن وجود شهود في الدولة التي تنفذ الملاحقة القضائية، وإذا كان هناك أي فرصة لاعتقال هؤلاء المجرمين، والأهم من ذلك أن يرغب المدعون المحليون في خوض تلك القضية، فهناك اعتبارات سياسية مرتبطة بذلك.
يقول سكيلبك: “في تلك القضية ستكون الملاحقة القضائية العالمية صعبة، فليس هناك أي إمكانية لتسليم مسؤولين من مصر، والكثير من الدول ليست مستعدة لإجراء محاكمات غيابية”.
حتى في ألمانيا التي تعد قائدة عالمية في استخدام السلطة القضائية العالمية، فإن رفع قضية ضد مسؤولين مصريين ليس أمرًا مرجحًا.
يقول أندرياس شولر مدير برنامج الجرائم الدولية والمساءلة في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ومقره برلين، في البداية عليك أن تثبت ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وفقًا للتعريف القانوني، كان المركز محركًا رئيسيًا لملاحقة ألمانيا مؤخرًا لمجرمي الحرب السورية باستخدام السلطة القضائية العالمية.
يضيف شولر “على حد علمي، لم تتوصل أي محاكم أو مؤسسات لهذه النتائج، لذا نحتاج أولًا لتأسيس القضية من البداية وهو ما يتطلب مجهودًا كبيرًا”.
نجحت القضية ضد مجرمي الحرب السورية بسبب توافر العوامل اللازمة لذلك مثل وجود الشهود والأدلة والمجرمين في ألمانيا، بالإضافة إلى الإرادة السياسية.
يقول شولر: “لكن هذه القضية لا تشبه القضية السورية، فلا توجد علاقات دبلوماسية مع الحكومة السورية، أما مصر فتتمتع بالكثير من الدعم السياسي الدولي، كما أن مصر لم توقع على معاهدات الأمم المتحدة أو قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية، لذا لا أحد يرغب حقًا في تولي تلك القضية التي تتطلب تحقيقات خاصة ومجموعة معينة من العوامل لرفع القضية”.
يضيف سكيلبك “إننا نشهد هذا الوضع كثيرًا في العمل الحقوقي، حيث لن تتخذ دول غربية معينة أي موقف حاسم ضد دول أخرى بسبب الوضع السياسي”، يعتقد شولر أيضًا أن الاهتمام الدولي تحول تجاه دول أخرى مثل أوكرانيا والسوادن وإيران.
يقول عمرو مجدي، باحث بارز في هيومن رايتس ووتش: “ساهم المناخ السياسي في المنطقة في التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وفي ذلك الوقت كانت المنطقة بأكلمها تعاني من المشاكل بما في ذلك الحرب في سوريا واليمن وليبيا”.
يضيف مجدي “نجحت الحكومة المصرية في إبراز القضايا التي تهم بقية العالم، لذا تغاضوا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان مقابل اهتمام مصر بالمصالح الأوروبية مثل مكافحة الهجرة غير الشرعية والتعاون الأمني والعلاقات الاقتصادية”.
تغير المواقف تجاه مصر
رغم ذلك، ما زال هناك أمل ضعيف في تحقيق العدالة بقضية رابعة، فالكثير من القرارات القانونية التي اتُخذت بشأن القضية وقعت بعد الانقلاب العسكري عام 2013 مباشرة، في ذلك الوقت بدا المجتمع الدولي غير واثق بشأن تطور الحكومة المصرية، كما أن الانقلاب العسكري كان له الكثير من المؤيدين بينما واجهت حكومة مرسي الكثير من الاحتجاجات الشعبية ضدها.
لكن الوضع تغير خلال العقد الماضي، والآن تتعرض الحكومة الحاليّة بقيادة عبد الفتاح السيسي لكثير من الانتقادات بسبب استبدادها وتزايد سجل حقوق الإنسان سوءًا.
يقول سكيلبك: “هذه نقطة جيدة أيضًا، فقد رُفعت الدعوى سريعًا بعد الأحداث بينما كانت الأوضاع مشتعلة، لكن لا أحد يرغب في اتخاذ إجراء فوري، وفي أي حدث يتطلب الأمر وقتًا طويلًا لجمع الأدلة”.
أشار سكيلبك إلى أمثلة تاريخية استغرقت وقتًا طويلًا مثل المحاكم الدولية التي تنظر في جرائم رواندا وكمبوديا ويوغوسلافيا السابقة وكذلك الحرب العالمية الثانية، وأضاف أن العدالة الدولية عادةً ما تستغرق وقتًا طويلًا.
يقول سكيلبك: “حتى المحاكمة العادية بجريمة قتل تستغرق عادة بضعة أعوام، لذا ليس مستغربًا أن تتخذ تلك المحاكمات وقتًا طويلًا، وهكذا فالمنهجية بعيدة النظر هي الحل الوحيد فقط للقيام بذلك”.
المصدر: دويتشه فيليه