بعد 29 عامًا من تأسيس السلطة الفلسطينية، أعلنت المملكة العربية السعودية ولأول مرة تعيين سفير لها في فلسطين، وهو نايف بن بندر السديري الذي تسلّم أوراق اعتماده سفيرًا فوق العادة مفوضًا غير مقيم وقنصلًا عامًّا بمدينة القدس، ما أثار جدلًا كبيرًا حول توقيت ذلك، لا سيما في ظل الحديث عن مساعي الولايات المتحدة لرعاية اتفاق تاريخي في الشرق الأوسط، يتضمن إعلان تطبيع العلاقات بين السعودية و”إسرائيل”.
من يقرأ الإعلام الإسرائيلي، يلاحظ أن خطوة تعيين السفير السعودي لدى السلطة الفلسطينية تعدّ إشارة قوية إلى أن المملكة تنوي العمل على تقوية السلطة، وذلك إثر خلفية المحادثات الجارية بشأن اتفاقية التطبيع مع “إسرائيل”.
ولا تمانع السعودية من إقامة علاقة مع “إسرائيل”، بشرط أن يقدم الإسرائيليون تنازلات حقيقية وعلى رأسها الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67، وفق المبادرة العربية للسلام التي تتبنّاها المملكة من أجل حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
التطبيع والمشروع النووي السلمي
لم تعترف السعودية حتى اللحظة بـ”إسرائيل” رسميًا أو علانية، كونها لم تنضم إلى “اتفاقيات أبراهام” المبرمة عام 2020 بوساطة الولايات المتحدة، والتي أفضت إلى علاقات رسمية بين “إسرائيل” والإمارات والبحرين.
في الوقت ذاته يتزامن تعيين المملكة سفيرًا لها في فلسطين لكن سيقيم في الأردن، مع قرب التوصُّل إلى اتفاق تطبيعي، في ظل الحديث عن تعيين حكومة الاحتلال الإسرائيلي لحاخام يهودي ليكون سفيرًا لها في السعودية.
خطوة تعيين السفير السعودي في فلسطين تأتي تأكيدًا للفلسطينيين بأنه لن يتم تقديم أية تنازلات عربية لـ”إسرائيل” فيما يتعلق بقضيتهم وملف القدس، حتى لو تم التطبيع مع “إسرائيل”.
اعتبر مراقبون فلسطينيون أن تعيين سفير سعودي في فلسطين يأتي ضمن مشروع ابن سلمان 2030، فهو يعتبره درة التاج لإصلاحاته سواء في السعودية أو الوطن العربي، ولكي يسير المشروع كما يريد لا بدَّ أن تكون “إسرائيل” جزءًا منه، وبالتالي مصلحته تحقيق مكاسب من القضية الفلسطينية.
تأكيدًا لما سبق، تقول ريهام عودة الكاتبة والمحللة السياسية: “تعيين سفير سعودي غير مقيم في فلسطين يدل على إمكانية التوصل إلى اتفاق تطبيع سعودي مع “إسرائيل” في المستقبل القريب، وذلك في حال وافقت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل نهائي على طلب السعودية لتأسيس مشروع نووي سلمي”.
أضافت عودة أيضًا خلال حديثها لـ”نون بوست” أن تعيين السفير السعودي لأول مرة فيه دلالة على رغبة السعودية بعدم تجاهل الفلسطينيين، واطّلاع القيادة الفلسطينية على مجريات وتطورات عملية التطبيع هذه.
ووضّحت أن السعودية لديها رسالة مفادها عملية التطبيع لن تؤثر سلبًا على القضية الفلسطينية، بل جاءت ضمن إطار الأمن القومي والمصلحة الوطنية للمملكة السعودية، فيما يخص المشروع النووي السلمي السعودي لا أكثر.
وترى عودة أن خطوة تعيين السفير السعودي في فلسطين تأتي تأكيدًا للفلسطينيين بأنه لن تقدم المملكة أية تنازلات عربية لـ”إسرائيل” فيما يتعلق بقضيتهم وملف القدس، حتى لو صار التطبيع مع “إسرائيل” حقيقية، إذ سيقتصر التطبيع على المصالح السعودية الداخلية والخارجية، ولن يجبر الفلسطينيين على التنازل عن حقهم بتقرير المصير والحصول على دولة فلسطينية مستقلة، حسب ما طرحته السعودية سابقًا ضمن المبادرة العربية للسلام.
تسهيل السفر والمساعدات الإنسانية
في سؤال حول ماذا سيعود على الفلسطينيين من امتيازات بعد تعيين السفير السعودي؟ تجيب المحللة السياسية بأن هذه الخطوة تؤكد للفلسطينيين أنها ستصبّ في صالحهم من عدة جوانب، أولها اللوجستي حيث تسهيلات سفرهم إلى السعودية، ومتابعة بشكل مباشر مصالح الجالية الفلسطينية مع سفير سعودي مفرّغ لمتابعة الملف الفلسطيني.
أما من الناحية السياسية، سيكون السفير السعودي بمثابة همزة وصل مباشرة بين القيادة السياسية بالمملكة والقيادة الفلسطينية، ما سيوصل وجهة النظر الفلسطينية والمطالب السياسية الفلسطينية بشكل مباشر للأمير محمد بن سلمان دون الحاجة الي وساطات بيرقرواطية، كما أن تعيين سفير سعودي يدل على رغبة السعودية بتقديم مساعدات إنسانية ودعم مالي مباشر للسلطة الفلسطينية.
وهذا ما أكّده السفير السديري، حين قال إن تعيينه سفيرًا فوق العادة لدى فلسطين، يأتي لإعطاء العلاقات مع فلسطين الطابع الرسمي في جميع المجالات، واصفًا الخطوة بالمهمة.
كما أثير تساؤل حول إقامة السفير السعودي في العاصمة الأردنية عمّان بدلًا من الأراضي الفلسطيني، فالوقائع تشير إلى أن السعودية لا ترغب بفتح مكتب لها في الأراضي الفلسطينية لأنها تعلم أنه من الأفضل فتح مكتب سفارة السعودية بالعاصمة الفلسطينية وهي القدس، وبما أن ملف القدس لم يُحل حتى الآن، فمن الصعب لوجستيًّا فتح مكتب لدولة عربية في القدس، لأن ذلك يتطلب موافقة إسرائيلية.
كما سيلزم الأمر أيضًا السفير السعودي بالسفر عبر الحواجز الإسرائيلية، سواء عبر جسر اللنبي أو مطار اللد، ما يعتبر إحراجًا للسعودية في هذه المرحلة بالتعامل مع قوات الأمن الإسرائيلية فيما يخص جوازات السفر وختم الدخول، لذا تأجل افتتاح مكتب للسعودية سواء بالضفة الغربية أو القدس لحين الانتهاء من ملف التطبيع، والاتفاق على الأمور اللوجستية المتعلقة بإقامة السفير وكيفية تنقله في الأراضي الفلسطينية.
وتأكيدًا على ما سبق، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، الأحد الماضي، إن “إسرائيل” لن تسمح بفتح أي بعثات دبلوماسية لدى السلطة الفلسطينية في شرقي القدس، وذلك بعد الإعلان عن تعيين السفير السعودي في الأردن نايف السديري قنصلًا عامًّا للمملكة بمدينة القدس.
وأضاف كوهين في مقابلة مع إذاعة تابعة لصحيفة معاريف: “لن نسمح بفتح أي ممثلية دبلوماسية لدى الفلسطينيين بشكل فعلي ومن أي نوع في القدس”، متسائلًا: “هل سيكون هناك مسؤول متمركز فعليًّا في القدس؟ هذا ما لن نسمح به (..) السفير السعودي ربما يكون موفدًا ليلتقي بممثلين في السلطة الفلسطينية”.
هل من عقبات في طريق الصفقة الكبرى؟
من خلال الجهود المبذولة في تحقيق مصالح مشتركة بين كل من السعودية وأمريكا و”إسرائيل”، إلا أن إنجاز الصفقة رغم محاولات تذليل العقبات أمامها ليس سهلًا، وفي الوقت ذاته ليس مستحيلًا لوجود ضغوط من أجل إنجازاتها.
خلال ورقة تقدير موقف أعدّها الكاتب السياسي هاني المصري، ذكر أن هناك عقبات في طريق إنجاح الصفقة والتطبيع بين السعودية و”إسرائيل”، ومنها:
العقبة الأولى: حكومة “إسرائيل” المتطرفة والعنصرية، فهي ليست مستعدة لتقديم أي شيء للفلسطينيين، حتى لو كان الأمر تجميدًا للاستيطان، كما صرّح أكثر من مسؤول فيها، والسعودية لا يمكن أن تنجز الصفقة من دون أي شيء للفلسطينيين.
لذا، من دون تغيير أو تعديل الحكومة الإسرائيلية الحالية بخروج الوزراء الأكثر تطرفًا ودخول بيني غانتس وحزبه إلى الحكومة، سيكون من المستبعد، بل من المستبعد جدًّا إبرام الصفقة.
العقبة الثانية: من الصعب أن تمرَّ الصفقة في الكونغرس الأميركي، خصوصًا في مجلس الشيوخ، من دون دعم قوي لها من “إسرائيل”، لا سيما إذا وافقت الإدارة الأمريكية على المطالب السعودية.
فهناك سياسات وقوانين أمريكية تمنع حصول أي دولة في المنطقة على قدرات نووية أو تسليحية متطورة، حتى لو كانت حليفة الآن للولايات المتحدة، لأنها يمكن أن تمسَّ بالالتزام الأمريكي بضمان تفوق “إسرائيل” على الدول العربية.
العقبة الثالثة: أشارت أنباء إلى وجود عقبة سعودية أمام الصفقة، نظرًا إلى وجود خلافات داخل العائلة السعودية حول التطبيع مع “إسرائيل” الآن، وما سبق أن التزم به العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز بأن لا تطبيع مع “إسرائيل” في عهده.
يبدو واضحًا أن الجميع يتخذ من القضية الفلسطينية غطاء لتمرير الصفقات السياسية وجني المكاسب السياسية والعسكرية على حسابها، لذا لا بدَّ من وقفة جادة عبر إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز مقاومته، من أجل إجهاض أي صفقة من شأنها تعبيد الطريق أمام عمليات التهويد والتهجير والاستيطان.