ترجمة وتحرير نون بوست
وقعت قبل عقدٍ من الزمن أسوأ مذبحة في التاريخ المصري الحديث أمام أعين العالم، حيث قُتل ما بين 900 وأكثر من 1000 مصري خلال قمع الشرطة وقوات الأمن المظاهرات باستخدام الغاز المسيل للدموع والنيران الحية في ساحتين في وسط المدينة.
توقّعت وزارة الداخلية المصرية سقوط ثلاثة إلى خمسة أضعاف هذا العدد من الوفيات، وذلك وفقًا لتقارير الصحف المصرية المعاصرة. وفي تحقيق شامل، شبّهت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المذبحة بما حدث في ساحة تيانانمن حيث قتلت القوات الحكومية الصينية ما بين 400-800 متظاهر (على الرغم من أن بعض التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى بلغ الآلاف) بين الثالث والرابع من حزيران/ يونيو 1989، ومذبحة أنديجان في أوزبكستان سنة 2005. وعلى عكس كليهما، قوبل قمع الاعتصامات في ساحتي رابعة والنهضة في ذلك الوقت بإنكار محلي ولامبالاة دولية – ولا يزال الوضع كذلك حتى بعد 10 سنوات.
ما حدث في رابعة ليس مجرد مجزرة بل كانت نهاية الربيع العربي لثورة استمرت سنتين وانتشرت مثل النار في الهشيم في جميع أنحاء العالم العربي مهددةً بإزاحة كل حكم مطلق في المنطقة. لكن كان لها أيضًا تأثير عميق على الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في المنطقة. لقد دفعت مجزرة رابعة مصر إلى حالة من التدهور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمدة عقد من الزمن دون أن تظهر عليها أي بوادر للتعافي. وإذا كانت لعنة الفراعنة قد أصابت علماء الآثار الذين انتهكوا مقابرهم، فإن لعنة رابعة قد أغرقت أمة بأكملها في حالة من الانهيار التام.
أشبه برياضة جماهيرية
لم يَسلم أي مصري مما حدث في ذلك اليوم في القاهرة. فقبل عشر سنوات، كانت عمليات تفريق المتظاهرين في الساحتين حدثًا شعبيًا تم تشجيعه، وكأنها رياضة جماهيرية. وقد خفّ الاحتقان وسط القاهرة مع استئناف حركة المرور عبر الميدان الذي وقعت فيه المجزرة.
وفي الفترة التي سبقت المجزرة، أصدرت جميع المنظمات السياسية اليسارية، باستثناء الاشتراكيين الثوريين، بيانًا يطالب بقمع اعتصامات أنصار الإسلاميين المخلوع محمد مرسي. وكانت الحكومة قد وعدت بـ “فضّ الاعتصامات” واتهمها اليسار بالجبن. وأصدر بيان بعنوان “أين هو الفض؟”. وهذا هو الشعور الذي كان الليبراليون العلمانيون يتشاركونه.
يتذكّر حسام الحملاوي، وهو صحفي وناشط لعب دورًا رئيسيًا في ثورة 2011، جيدًا المشاعر السائدة في صفوف اليسار المصري. فقد اعتبرت معظم المنظمات اليسارية في مصر الإسلاميين فاشيين، وجمعوا الإخوان والجهاديين المتطرفين في سلّة واحدة بتعلّة أن العلاقة بين الطرفين هي “تقسيم للعمل”.
لم يؤيّد اليسار مذبحة رابعة فحسب، بل دعم جميع عمليات القتل التي حدثت بعد الانقلاب. لقد صاغوها على أنها حرب على الفاشية، بينما برّر بعضهم العملية بأنها نِتاج قتال جناحين من القوى المضادة للثورة ضد بعضهما البعض قائلين “إنها ليست معركتنا، لذا دعوهم يقضون على بعضهم البعض”.
لكن هذا ليس ما حدث. فبعد أن قضى الجنرالات على جماعة الإخوان، وجّهوا نيرانهم إلى اليسار وسرعان ما انتهى بهم الأمر في نفس الزنازين مع الإخوان. ودفع البعض حياتهم مقابل دعم الجيش بينما يقبع آخرون في السجن حتى يومنا هذا.
في مقابلة مطولة من منزله الجديد في برلين، قال الحملاوي لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني إن “التاريخ لن يغفر لهم أبدا. ولا أعتقد أن أياً منهم قد أصدر بالفعل بياناً اعتذر فيه عن موقفه بشأن ما حدث في ميدان رابعة. والمحزن أنه لو أُتيحت لهم الفرصة مرة أخرى، لكرّروا نفس الخطأ”.
لم تتصرّف جميع الأطراف على هذا النحو. فقد استقال الوجه السياسي للانقلاب العسكري الحائز على جائزة نوبل، محمد البرادعي، من منصب نائب الرئيس للشؤون الخارجية في اليوم الذي وقعت فيه المجزرة. وهرب من مصر إلى فيينا. وقال في خطاب استقالته: “لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية قطرة دم واحدة أمام الله، وأمام ضميري أو أمام المواطنين”. وقد تمت إدانته على نطاق واسع باعتباره خائنًا لفعله ذلك.
لقد كان المصريون في الشوارع يعتقدون أن الجيش سيعيد لهم السلطة بعد أن أنقذ الأمة من حكم الإسلاميين، ولكن ثبت أنهم مخطئون بشكل فادح. فقد قادت مذبحة رابعة مصر إلى طريق الهلاك.
“الناس غاضبون”
في سنة 2013، كانت هناك أمور غريبة تحدث قبل الانقلاب العسكري لتهيئة المشهد للمواجهة التي ستليها. فقد سُجّل نقصٌ غير مبرر في الكهرباء في شهر حزيران/ يونيو خلال الصيف الحار، مصحوبًا بنقص في الغاز أيضًا، واختفت الشرطة من الشوارع بينما كان المجرمون يجوبون الشوارع بكل حريّة.
نحن نعلم الآن أن هذا النقص تم تنسيقه من قبل المخابرات العسكرية، التي أعلنت أن رئاسة مرسي مصيرها الهلاك. وقد تبيّن أن حركة “تمرّد“، التي تم تصويرها في البداية على أنها حركة شعبية تجمع عريضة تطالب بإقالة مرسي، ليست كما تدعي. وكشفت التسجيلات الصوتية المسربة أن قيادة “تمرّد” كانت تعتمد على حساب مصرفي يديره الجنرالات مموّل من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة. لكن خلال فترة رابعة وبعدها، كان يُعتقد على نطاق واسع أنها صوت الناس.
في 15 آب/ أغسطس – في اليوم التالي للمذبحة – حثّت حركة “تمرّد” أتباعها على توخي الحذر من أعمال الإخوان الانتقامية. وقال مؤسسها والمتحدث باسمها محمود بدر: “مثلما استجبتم لدعواتنا للنزول إلى الشوارع في 30 حزيران/ يونيو، نطلب منكم اليوم تلبية ندائنا وحراسة الأحياء غدًا. بلدنا يواجه تهديدات كبرى”.
بعد مرور عشر سنوات، أصبح نقص الكهرباء والغاز خلال موجات الحر صيفًا معضلة حقيقية وليست مصنعة. ففي درجات حرارة تتراوح بين 40 درجة مئوية إلى 50 درجة مئوية، قد ينقطع التيار الكهربائي لمدة ست ساعات. وينقطع الكهرباء عن مصابيح الإنارة في الشوارع.
قال محمد يونس، الباحث في مجال الطاقة في مصر، لموقع “ميدل إيست آي”، إن “الناس غاضبون. حتى الشخصيات العامة التي كانت محايدة بشأن الحكومة بدأت انتقاد انقطاع التيار الكهربائي”. وأصدرت الشركة القابضة لكهرباء مصر بيانًا دعت فيه الناس إلى تجنب استخدام المصاعد لتفادي الاحتجاز فيها بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
لقد تسبب عبد الفتاح السيسي، الذي قاد الانقلاب على مرسي في سنة 2013 وترأس مصر منذ 2014، في إفلاس البلاد. فقد بلغ معدل تضخم أسعار الغذاء 60 بالمئة، وتصنف نسبة مماثلة من السكان الآن على أنها فقيرة. فقد الجنيه المصري قرابة 50 بالمئة من قيمته مقابل الدولار في سلسلة من التخفيضات منذ آذار/ مارس 2022. وفي سنة 2013، كان سعر صرف الدولار الواحد يعادل سبعة جنيهات مصرية بينما أصبح اليوم يعادل 30 جنيها.
وفقًا لتوقعات وكالة التصنيف “فيتش” لسنة 2023، تنفق مصر حاليًا 44 بالمئة من إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون. وفي السنة المقبلة، من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 54 بالمئة، مما يضعها في المرتبة الثالثة عالميًا بعد سريلانكا وباكستان. وأبرز دليل على مدى سرعة ارتفاع الدين القومي لمصر التوقعات الخاصة بالسنوات الخمس المقبلة، إذ من المتوقع أن ترتفع مديونية مصر بنسبة 70 بالمئة تقريبًا ما بين 2023 و2028. وبحلول سنة 2028، سيكون الدين الوطني قد نما إلى 510.32 مليار دولار، بزيادة قدرها 210 مليار دولار على امتداد السنوات الخمس المقبلة.
قال السيسي للمصريين مرارًا عندما تولى الرئاسة: “صدقوني وآمنوا بي فقط”. وقد آمن به المصريون لبعض الوقت، ولكنهم الآن يدفعون الثمن.
موجة الهجرة
تصدّر مصر حاليًا بؤسها الإنساني نحو البحر الأبيض المتوسط، إذ تشمل جحافل المهاجرين الحالية المتزايدة إلى إيطاليا عددًا كبيرًا من المصريين الذين باتوا يمثّلون الآن واحدًا من كل خمسة مهاجرين.
وفقًا لبيانات وكالة الحدود الأوروبية “فرونتكس”، كان المصريون من بين الجنسيات الأكثر شيوعًا التي عبرت البحر الأبيض المتوسط لتصل إلى الاتحاد الأوروبي في الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2022. وقد أكدت ذلك المنظمة الدولية للهجرة التي أحصت وصول ما يقارب 22 ألف مهاجر مصري إلى أوروبا في السنة الماضية.
في السنة الماضية، تجاوز عدد المهاجرين القادمين من مصر عدد المهاجرين غير الشرعيين من أي دولة أخرى، بما في ذلك من أفغانستان وسوريا. وهذا يضع دول الخليج التي موّلت الانقلاب قبل 10 سنوات في مأزق. في البداية، تمزّق التحالف الذي دمّر ثورات الربيع العربي بشكل فعال للغاية.
بعد أن شهدت المملكة العربية السعودية فشل جهودها ضد تركيا وقطر، اللتين دعمتا جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات الإسلامية في فلسطين وليبيا وسوريا، استأنفت علاقاتها مع تركيا والاستثمار فيها مجددا. ويعتبر مهندسا الثورة المضادة، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد وولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان، على خلاف حاد في الوقت الراهن.
كان السعوديون أوّل من كسر الحصار المفروض على قطر دون استشارة الإماراتيين. ومع ذلك، فإن محمد بن سلمان أقلّ قدرة على اتخاذ منعطف مماثل في مصر. ويدرك بن سلمان تمامًا أن مصر تحت سيطرة الجيش حفرةٌ لا قرار لها. لكن إذا توقّف عن تمويل السيسي وانهارت مصر، فسينجرّ عن ذلك نزوح جماعي للمصريين عبر البحر الأحمر.
إذا كان محمد بن سلمان قلقًا بشأن التأثير الذي يمكن أن تحدثه الحرب الأهلية السودانية على غرب مملكته، حيث توجد كل أعمال البناء والاستثمارات المستقبلية، فلا بد أنه يشعر بقلق مضاعف بشأن رد الفعل الناجم عن الانهيار المحتمل للدولة المصرية. لقد أصبحت مصر لعنة على السعودية، وليست مصدر خلاصه من الحرب التي شنها ضد الإسلاميين.
تهديد لأمن أوروبا
مع أنهم لا يصرّحون بذلك بشكل علني، إلا أن مصر أصبحت تهديدًا سريعًا لأمن أوروبا وحدودها الجنوبية. ولهذا السبب، لا يلوم الاتحاد الأوروبي سوى نفسه. لم يلق الاتحاد الأوروبي ولاجون كيري، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، بالاً للانقلاب العسكري ولا مجزرة رابعة – ودعموا بنشاط الحكومة العسكرية من خلال رفض تسميتها انقلابًا عسكريًا وإسقاط كل ذكر لمرسي.
بعد تأطير الانقلاب على أنه تمرد شعبي، لم يكن بوسعهم فعل أي شيء سوى تجاهل مجزرة رابعة. وأدت المجزرة إلى تعليق مؤقت لبعض المساعدات العسكرية الأمريكية، لكن ذلك كان بمثابة صفعة غير مؤلمة على معصم السيسي. وعندما حدثت مجزرة رابعة، لم يهتم الرئيس باراك أوباما بما حدث وعاد ليستمتع بلعبة الغولف. لكن على عكس النيجر اليوم، قرأ السيسي الرسالة التي كان يتلقاها من المجتمع الدولي على أنها تأييد وتشجيع على “المضي قدما”.
وفرّت مذكرات كاثرين أشتون عن فترة عملها كممثلة عليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، التي كانت بعنوان “ماذا بعد ذلك؟ قصص داخلية لدبلوماسية القرن الحادي والعشرين” نظرة ثاقبة على المواقف من مجزرة رابعة في ذلك الوقت.
كانت أشتون من آخر الأشخاص الذين رأوا مرسي حيا في السجن. وتصف رحلتها الليلية بطائرة هليكوبتر مصرية من طراز “بلاك هوك” إلى الإسكندرية وقيادتها سيارة “تويوتا كارولا” محطمة إلى قاعدة مصرية كما لو كانت تمثل في أحد أفلام هوليوود. أخبرت مرسي مرارًا بأنه لا يمكنه العودة إلى الرئاسة، ولا حتى الاستقالة، وأنه يتعين عليه قبول الانقلاب.
كتبت: “لقد أصبح مضطربًا – لقد كان الرئيس المنتخب بشكل صحيح، ولأن الدستور لم يتم تعليقه قبل إقالته، حدث انقلاب. لقد شهدت تحالف القادة الذين دعموا عزله وأخبروه أنه بحاجة لقبول الواقع الجديد من أجل مصر. لكنه رفض هذه المزاعم بوصفها سخيفة”.
وأضافت “أخبرني عن مدى حزنه على وفاة أكثر من 200 شخص منذ مغادرته، مشيرا إلى أنه ينبغي السماح له بالتحدث مع حزبه. لقد حثني على التحدث إلى الجميع والتوصل إلى اقتراح يمكن لجميع الأطراف قبوله. لقد عارضته وذكّرته بأن الوقت ينفد في البلاد – وأن فترة رئاسته أوشكت على النهاية، ناهيك عن أن الوضع الراهن كان معقدا وغير واضح المعالم”.
وأردفت “ما يمكن أن نتفق عليه جميعًا هو محاولة إيجاد طريقة لمنع سقوط المزيد من القتلى على المدى القصير والمساعدة على ازدهار الديمقراطية في المستقبل. يجب أن يكون حلاً يتوافق مع السياق المصري. لكنه لم يقبل حقيقة أنه لا يمكن العودة إلى الوراء، ذلك أن التحالف الذي أطاح به يمثّل جزءًا كبيرًا من المجتمع المصري. لقد أُبعد وعزل الكثير من الذين يمكنهم الترحيب بعودتهم، بخلاف أكثر أتباعه المتحمسين”.
يعكس هذا السرد لاجتماعهما الأخير تخليًا واضحًا عن المبادئ التي تدعي أشتون وأوروبا أنها تمثلها. وبعد أسبوعين فقط، حدثت مجزرة رابعة.
تكريم للغباء
لم يمنع تورط السيسي في إراقة دماء الكثيرين أشتون من إقامة علاقات ودية معه. غير مدركة حتى اليوم لبشاعة كلماتها، تصف أشتون هذا القاتل الجماعي بأنه “جنرال فيلسوف”. لم تلقَ مجزرة رابعة سوى انتقادات بسيطة من أشتون، التي دعت “جميع الأطراف إلى إنهاء العنف.. وإبقاء الاحتمال مفتوحًا لبدء عملية سياسية من شأنها إعادة مصر إلى المسار الديمقراطي ومعالجة الجروح التي لحقت بالمجتمع المصري”.
لهذا السبب، ستدفع أوروبا أيضًا الثمن إلى جانب المصريين الذين قرروا الفرار على القوارب عبر البحر الأبيض المتوسط.
إذا كان أي شخص يريد أن يفهم زوال أوروبا وما تبقى من سلطتها الأخلاقية حول العالم، لا سيما في حديقتها الخلفية، فإن كتاب أشتون يصور ذلك بشكل واضح. حتى يومنا هذا، لا تزال الكاتبة مبتهجة بالكوارث الدبلوماسية التي أشرفت عليها في أوكرانيا ومصر وأماكن أخرى. إنه تكريم للغباء من الصعب التغلب عليه.
لهذا السبب، ستدفع أوروبا أيضًا الثمن إلى جانب المصريين الذين قرروا الفرار على القوارب عبر البحر الأبيض المتوسط.
رحل مدبرو مجزرة رابعة الرئيسيون على غرار محمود حجازي، رئيس المخابرات العسكرية، الذي أُقيل بعد سنوات قليلة. وطُرد صدقي صبحي، رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع بعد أن أصبح السيسي رئيسًا في سنة 2018. وأُجبر حازم عبد العزيز الببلاوي، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، على الاستقالة إلى جانب حكومته بعد ستة أشهر. واحتُجز محمد إبراهيم، وزير الداخلية المصري سيئ السمعة الذي طلب من الشرطة إطلاق النار على الحشود بأسلحة آلية، لمدة 18 شهرًا ثم أقيل من منصبه. وما تبقى هو دولة أمنية مهيأة للرد على بوادر التمرّد الأهلي الأولى وسحقها. لذلك، تسمية ما حدث بالثورة المضادة غير مناسب.
لا يعد صعود السيسي تعزية لنهاية حكم حسني مبارك، بل تمخض عنه نشأة جيل جديد أكثر فتكًا من ضباط الجيش الذين يصفون الجيل السابق من الجنرالات بالتساهل والتهاون الشديد.
النظام السلطوي القاسي
سيصبح مثل هذا النظام أحد أكثر الأنظمة شرورًا ودموية في تاريخ مصر. وهذه لعنة رابعة. لن تنتهي هذه اللعنة إلا عندما يتم تقديم مرتكبي مجزرة رابعة أخيرًا إلى العدالة الدولية. قد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً، لكن جرائم الحرب في رواندا وكمبوديا ويوغوسلافيا السابقة، وكذلك الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية، استغرقت أيضًا عقودًا ليمثُل المسؤولون عن ارتكابها أمام المحكمة.
يتغيّر المناخ في مصر، ولأنهم يدركون أنهم أيضًا أهداف، فإن المزيد والمزيد من أنصار السيسي السابقين يتحدّون الآن نظامه السلطوي القاسي. ومع تدهور الأوضاع في مصر، سيغرق السيسي والجيش معه. وعلى غرار مرسي، لن يكون السيسي قادرًا على العودة للسلطة. وفي زمن ما في المستقبل، سيحاسب السيسي ويلاقي المصير الذي منحه للكثير من مواطنيه التعساء – وهو المصير الذي يستحقه حقًا.
المصدر: موقع ميدل إيست آي