أطلق “منبر منظمات المجتمع المدني”، أمس الثلاثاء 15 أغسطس/آب في إسطنبول، مشروعًا يحمل اسم “حماية” لتقديم الدعم القانوني للاجئين في تركيا عامةً والسوريين خصوصًا، وهو المشروع الأول من نوعه في تركيا، ويندرج تحت مساهمات “منبر منظمات المجتمع المدني” التي تنضوي تحت مظلتها نحو 35 منظمة مجتمع مدني سورية الأصل تركية المنشأ، وتهدف بشكل عام إلى تطوير انسجام مؤسسات المجتمع المدني السورية ضمن المحيط التركي عبر تعزيز عملية التواصل وتطوير البيئة القانونية.
إطلاق مشروع “حماية” في هذا التوقيت ليس عبثيًا بل بمثابة استجابة للتحديات القانونية التي تواجه اللاجئين في تركيا وتفاقمت في الآونة الأخيرة بحسب بيان إطلاقه، إذ وثق حقوقيون عشرات الانتهاكات بحق اللاجئين، مثل الترحيل القسري وممارسة التعذيب والاعتداء على أساس عنصري، عدا عن مزاجية بعض الموظفين الأتراك التي تتحكم بمصير آلاف اللاجئين وتحرمهم من حقوقهم ببساطة.
ما مشروع “حماية”؟
مشروع “حماية” هو لحماية الحلقة الأضعف في المجتمع التركي وهم اللاجئون السوريون، إذ يُرمى على عاتقهم باستمرار مسؤولية الأزمة الاقتصادية في البلاد ويُستخدمون كورقة في الانتخابات، بحسب ما ذكر مدير المشروع سنان بيانوني في حديثه لـ”نون بوست” على هامش المؤتمر، مضيفًا “نسعى في “حماية” لجبر ضعف السوريين وتقويتهم بالاستناد إلى القوانين وبما يضمن رجوعهم إلى القضاء حال واجهوا أي مشكلة”.
في حين لا توجد جهة قانونية سورية موحدة يمكن الرجوع إليها لتوثيق الانتهاكات الحاصلة بحق اللاجئين السوريين في تركيا وحلها، سيوفر “حماية” المساعدة القانونية لأي سوري واجه مشكلةً قانونيةً أو انتهاكًا، إذ سيتيح المشروع تقديم الشكوى أيًا كانت عبر رابط إلكتروني، ثم يدرس فريق مختص الحالة ليقرر الطريقة التي يجب التعامل معها بما يناسب المشكلة وفق ما أفاد بيانوني في حديثه لـ”نون بوست”.
أكدت هدى الأتاسي عضو مجلس إدارة “منبر منظمات المجتمع المدني”، أن المشروع سيقدم الدعم لأي سوري مقيم في تركيا لديه الحق في أن يعيش حياة كريمة، مشيرةً إلى أن الكثير من السوريين لا يعرفون حقوقهم وواجباتهم ما يجعل الاستشارات القانونية حاجة أساسية لديهم.
ووفقًا لـ”بيانوني” تقوم خطة عمل الفريق على 3 ركائز أو مسارات يتبّعها الفريق لحل المشكلات القانونية التي تعترض طريق اللاجئين:
– التوعية القانونية: تعتمد بشكل أساسي على نقل القوانين التركية للاجئين وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم وتشجيعهم على المبادرة لتسوية أوضاعهم القانونية وذلك بلغة بسيطة وبطريقة سهلة الوصول عبر وسائل التواصل الاجتماعي والندوات التوعوية.
– إدارة الحالات والتعامل معها: تجري هذه العملية من خلال إنشاء آلية تواصل فعالة بين إدارة فريق المشروع واللاجئين الراغبين بتقديم طلب مساعدة، وينقسم هذا المسار إلى 3 طرق للتعامل: أولها عبارة عن تقديم الاستشارة اللازمة وتبسيط الإجراءات البيروقراطية المعقدة، ثانيًا لعب دور الوساطة عبر التواصل مع الجهات الرسمية التركية المعنية كحل مشكلات تجاوزات بعض الموظفين الأتراك بحق اللاجئين، أما النظر في الطريقة الثالثة فيجري عندما لا تستجدي الطريقتان السابقتان نفعًا، وهو التوجه إلى القضاء وفق الإمكانات المتوافرة لدى الفريق.
– إعداد التقارير والدفع لتحسين البيئة القانونية: يعد هذا المسار المهيأ والمخصص لحل المشكلات التي تقف عقبة أمام اللاجئين من جذورها من خلال إعداد تقارير مهنية للحالات التي يتعرض لها اللاجئون بالتعاون مع مختصين للاستفادة منها بالضغط على الحكومة التركية لتحسين القوانين المتعلقة باللاجئين.
وأبرز ما يميز المشروع وفقًا للقائمين عليه أنه وضع حجر الأساس لعمل ممنهج في المناصرة الحقوقية بالاستفادة من خبرة “منبر منظمات المجتمع المدني” وحقوقيين سوريين الذين قدموا مساهمات في قضايا حقوق اللاجئين في تركيا، كما أنه يجمع بين الاستجابة المباشرة والعمل الإستراتيجي.
لفت أيضًا مدير المشروع إلى العلاقات الإيجابية التي تربط فريق المشروع مع صناع القرار الأتراك من جهة ومؤسسات حقوقية ومجتمعية تركية معنية بحقوق اللاجئين من جهة أخرى، ما سيساهم في وصول المشروع لأهدافه بشكل أسهل.
التمويل كعقبة
تحدث القائمون على المشروع في الجلسة المفتوحة لأسئلة الحضور عن العوائق التي واجهتهم للحصول على تمويل المشروع، مبينين أنه وُلد من أيدٍ سورية وهو من السوريين إلى السوريين، في ظل رفض الجهات الدولية تمويل هكذا مشروع واعتباره دون الأهمية بالنسبة للاجئين.
في حين شدد رئيس مجلس إدارة “منبر منظمات المجتمع المدني” خالد العيسى على أن مسودة مشروع حماية جُهزّت منذ سنة ونصف وكان الدعم المالي ما يعيق عملية إطلاقها، واستدرك قائلًا: “لن ننتظر من الجهات الخارجية تمويل مشروع يدافع عن حقوقنا كسوريين”، ودعا العيسى رجال الأعمال والتجار السوريين إلى المشاركة في دعم المشروع بقوله: “هذا مشروع للسوريين ومن يرغب بالدفاع عن حقوقهم في تركيا فهي فرصة أمامكم”.
تأكيدًا على حديث العيسى، أضاف بيانوني أن التمويل كافٍ للمرحلة الأولى من المشروع أي لعدة أشهر فقط، لكن التحديات التي ازدادت أمام اللاجئين استوجبت إطلاق المشروع ولو بتمويل ضئيل، آملًا أن يكون إطلاق المشروع وإثبات أهدافه بمثابة تشجيع وتوعية للجهات المانحة بأهميته لتقديم المزيد من الدعم.
المنظمات السورية في تركيا.. أين تعثرت؟
شهدت الساحة السورية منذ انطلاق الثورة تأسيس عشرات منظمات المجتمع المدني وكان هدف معظمها الاستجابة لمعاناة ملايين السوريين التي خلقها نظام الأسد بحربه ضد الحريات، وأُنشأ قسم كبير من هذه المنظمات في تركيا التي تضم نحو 4 ملايين لاجئ سوري، ما يطرح السؤال عن العوائق التي تحول دون إنشاء مشاريع فعالة تساهم في تحسين أوضاع السوريين في تركيا.
يصنف مركز الحوار السوري للدراسات إشكاليات عمل هذه المنظمات تحت 3 بنود: أولها الإشكاليات العامة وتندرج تحتها النظرة السلبية لعمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، إذ يرى أحد قيادات القطاع الإنساني في سوريا وتركيا أن “هناك صورة لدى الطرف التركي أن المنظمات السورية عبارة عن “كيس مال”، وليست شريكًا يساعد في استقرار المنطقة وخدمة أهلها، وغالبًا ما تتم معاملتنا بمنطق المحاسبة والمزاودة، وعندما نطالب بعض المسؤولين الأتراك بتقديم تسهيلات لعملنا يكون الرد عدائيًا أو غامضًا”.
بحسب الدراسة كذلك تعاني المنظمات الإنسانية من عدم استيعابها لقضية اللاجئين وخصوصيتها، فالمشاريع المنفذّة حاليًّا غير مصممة وفقًا لاحتياجات اللاجئين السوريين وغير مراعية للاختلافات والحساسيات الثقافية لدى الشريحة المستهدفة.
أما ثانيًا فتواجه المنظمات السورية مشكلات متعلقة بالجوانب الإدارية والبيروقراطية لأسباب مختلفة يطول ذكرها منها غموض بعض المواد القانونية أو ضعف خبرة المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني باللوائح التركية، أو قد تكون بسبب ثغرات قانونية موجودة في اللوائح.
وتأتي الإشكاليات المالية ثالثًا كأهم العوائق التي تعترض طريق عمل منظمات المجتمع المدني السورية، وأبرزها غياب الإعفاءات الضريبية وإشكالية استخراج إذن جمع التبرعات، بالإضافة إلى ضغوطات خلال التعامل مع بعض البنوك.
بالنهاية ورغم المآسي التي ما زالت تعصف بالسوريين في وطنهم وفي بلاد اللجوء، يستبشرون مع كل انطلاقة مشروع بأن يخفف عنهم وطأة الألم ويطمئن قلوبهم التي أتعبها فقد الأحبة ومرارة الغربة.