كشفت لجنة مكافحة المخدرات في زامبيا صباح الثلاثاء، 15 أغسطس/آب 2023 عن احتجازها طائرة خاصة “Gulfstream G550” قادمة من مطار القاهرة الدولي، كانت تحمل 6 ملايين دولار نقدًا و602 عملة ذهبية، و5 بنادق بها 126 رصاصة، فضلًا عن كميات من المخدرات، فيما جرى التحفظ على عدد كبير من الأشخاص، بينهم 6 مصريين ومواطن زامبي وهولندي وإسباني ومواطن من لاتفيا.
وفق بيان اللجنة، انطلقت الطائرة من مطار عمان بالأردن مساء 12 أغسطس/آب ثم وصلت إلى مطار القاهرة كترانزيت منتصف الليل وعاودت الانطلاق صباح اليوم التالي في تمام الساعة 11 صباحًا بتوقيت القاهرة، حيث وصلت إلى مطار كينيث كاوندا الدولي بالعاصمة الزامبية لوساكا في تمام الساعة السابعة بالتوقيت المحلي، حسب بيانات موقع Flightradar24 لتتبع الطائرات.
مضبوطات الطائرة وخط سيرها والسهولة التي خرجت بها من مطار القاهرة (شديد الرقابة) بجانب محاولة ملاكها عدم الكشف عن معلومات التسجيل وبياناتها الملاحية ورقم تسلسلها الخاص، إضافة إلى تاريخ رحلاتها المثير للجدل، وحذف المواقع المصرية الخبر بعد ساعات قليلة من نشره، وتكتم الجانب المصري على القضية برمتها دون أي تعليق رغم الزخم الإعلامي والتفاعل الكبير، كل ذلك أثار الكثير من الشكوك بشأن الطائرة وملاكها والهدف الحقيقي من رحلاتها التي يبدو أنه بعيد تمامًا عن حركة نقل البضائع المعتادة.. فما قصة تلك الطائرة؟
حسب الرواية الزامبية.. ما القصة؟
قال المدير العام لهيئة مكافحة المخدرات في زامبيا، ناسون باندا: “الطائرة القادمة من القاهرة، وتحمل (بضائع خطرة)، هبطت نحو الساعة السابعة مساءً من يوم أول أمس الإثنين بالتوقيت المحلي، بمطار كينيث كاوندا الدولي، في لوساكا” حسبما نقل موقع “zambianobserver” الزامبي.
وأضاف باندا خلال مؤتمر صحفي عقد في العاصمة لوساكا، أن العاملين في مطار كينيث كاوندا الدولي اشتبهوا في ركاب وطاقم الطائرة بسبب استخدامهم أكياس بلاستيكية كبيرة لتعبئة بعض الأشياء، وهو ما أثار لديهم الشكوك بأن هناك خطأ ما وأن شيئًا ما يتم تهريبه، وكانت الشكوك الأولى تذهب باتجاه المخدرات.
خبر نزل على كل المواقع المصرية وفجاة جاء الأمر من بحذف الخبر ..وظل في موقع سكاي نيوز فقط
واضح أن المتورطين من الحيتان الكبيرة
#مطار_القاهره #زامبيا pic.twitter.com/BngwNFCHKd
— Mr. Egypt ®️ (@mr_eegypt) August 16, 2023
وعلى الفور تم استدعاء قوات الأمن للمشاركة في عملية المداهمة، وتابع “أجرينا بالاشتراك مع زملاء من مختلف وكالات إنفاذ القانون في زامبيا، عملية أسفرت عن مصادرة 5 ملايين و697 ألفًا و700 دولار أمريكي و5 مسدسات وذخيرة و126 طلقة و602 قطعة نقدية ذهبية في شكل سبائك تزن 127.2 كيلوغرام، ومعدات لوزن الذهب”، موضحًا أن الأموال التي تم ضبطها قد حولت إلى البنك المركزي في البلاد بانتظار نتيجة التحقيق.
التحقيقات الأولية بحسب الهيئة تشير إلى تورط ضابط أمن كبير في محاولة التهريب تلك، ينتمي إلى “الحزب المتحد للتنمية الوطنية” الذي يقوده الرئيس المنتخب للبلاد هاكايندى هيتشيليما، ويعتقد أنه كان في مهمة خاصة لتهريب تلك الكمية الكبيرة من الدولارات والمضبوطات الأخرى من عمان إلى زامبيا عبر القاهرة.
انتهت لجنة مكافحة المخدرات إلى عشرة أسئلة وجهتها للسلطات المعنية في البلاد للإجابة عنها في محاولة لكشف تفاصيل تلك الجريمة وهي: من يملك الطائرة؟ من أين أتت الأموال؟ إلى أين يذهب المال؟ من يملك البضائع المهربة؟ من الأفراد المتورطين وسبب جلب هذه المبالغ الضخمة بهذه الوسائل إلى الدولة؟ عند تحليل بيانات الرحلة، كم عدد الرحلات التي قامت بها هذه الطائرة إلى زامبيا من قبل؟ من كان يستخدمها وفي أي تواريخ؟ كيف سمحت القوات الجوية الزامبية لهذه الطائرة بالذات بدخول مجالنا الجوي؟ من ضابط الدولة الذي سمح لهبوط هذه الطائرة؟ كيف نجح ضابط الأمن هذا في الهروب من منشأة آمنة مثل مطار الملك خالد الدولي بنحو 5 ملايين دولار أمريكي نقدًا؟ وأخيرًا: هل يمكن لمجلس الدولة الكشف عن تفاصيل هذا الضابط الأمني بعينه ومدى تورطه؟ وما مدى علاقته بالمطاردة؟
ذهب ومخدرات وملايين الدولارات.. بعض مضبوطات #الطائرة الخاصة المصرية التي احتجزتها #زامبيا#مزيد#مطار_القاهره #كيلو_دهب pic.twitter.com/JZ8qxnJ9A2
— مزيد – Mazid (@MazidNews) August 16, 2023
ملكية الطائرة وسجل رحلاتها.. شكوك وتساؤلات
بيان لجنة مكافحة المخدرات الزامبية قال إن الطائرة المتحفظ عليها كانت تحمل رقم “T7-WW”، لكن تبين فيما بعد أن الاسم غير صحيح ولا يعود إلى أي رقم تسجيل، وبالعودة إلى خدمات شركة ADS-B Exchange التي تعتبر أكبر مصدر عام لبيانات الطيران في العالم تبين أن الطائرة تحمل رقم التسجيل T7-WSS، ومسجلة في جمهورية سان مارينو.
بحسب قاعدة بيانات Eurocontrol (مؤسسة أوروبية تركز جهودها على دعم الطيران المدني والعسكري)، فإن الطائرة تديرها شركة تسمى “Flying Group Middle East”، يقع مقرها في المنطقة الحرة بمدينة دبي، وتتبع شركة flying group لخدمات تأجير الطائرات التي تتخذ من مطار أنتويرب في بلجيكا مقرًا لها، ويبلغ عمرها تقريبًا عامين، حيث تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وفق بيانات السجل الاقتصادي الوطني الإماراتي.
الغريب هنا أنه رغم الواقعة وما أثارته من ردود فعل كبيرة، فإن ملاك الطائرة أو حتى الجهة المستأجرة لها لم يكشفوا عن رقم تسجيلها أو بياناتها الملاحية، مثل وجهة الانطلاق والوصول ومعلومات التسجيل والرقم التسلسلي الخاص بالطائرة، كما طالبوا بحجب معلوماتها الخاصة ومنع متابعة الطائرة وفق موقع Flightaware، وهو أمر أثار الكثير من الشكوك على منصات التواصل الاجتماعي.
طلب مالك الطائرة بحجب معلوماته الخاصة ومنع متابعة الطائرة.
المصدر: Flightaware. pic.twitter.com/0rZa2b7OaN
— متصدقش (@matsda2sh) August 16, 2023
سجل رحلات الطائرة خلال العامين الماضيين كان هو الآخر مثار جدل، وحمل الكثير من التساؤلات، ويشير إلى احتمالية أن تكون هناك جهة سيادية ما تستخدمها في تلك الرحلات المرتبطة في الغالب بملفات وقضايا سياسية وأمنية من الطراز الأول، فبحسب خدمة Flightradar24 لتتبع رحلات الطيران، أجرت تلك الطائرة نحو 361 رحلة ذهابًا وإيابًا، غالبيتها كانت القاهرة نقطة انطلاق أو عودة (125 رحلة بدأت أو انتهت في القاهرة).
وجهات الرحلات تمحورت حول 4 محطات رئيسية (القاهرة – تل أبيب – دبي – ليبيا) أبرزها كانت في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 حين انطلقت من القاهرة إلى تل أبيب، ثم بعد 5 ساعات فقط اتجهت إلى الدوحة حيث كانت تقام بطولة كأس العالم لكرة القدم في ذلك الوقت وعادت للقاهرة في نهاية اليوم.
في خضم الصراع العسكري الدائر في ليبيا بين معسكري الشرق والغرب، قامت الطائرة بالعديد من الرحلات لمناطق النزاع هناك، طرابلس وبني غازي، ففي 8 يناير/كانون الثاني 2023 أقلعت الطائرة من القاهرة إلى طرابلس وعادت في نفس اليوم، وفي 17 مايو/أيار 2023 انطلقت من القاهرة إلى العاصمة الليبية طرابلس، ثم عادت في نفس اليوم بعد توقف دام 4 ساعات فقط، وفي 24 مايو/أيار 2023 توجهت من القاهرة إلى بنغازي وعادت بعد 5 ساعات، وفي 30 يونيو/حزيران 2023 قامت برحلتين من مطار القاهرة إلى مطار العلمين الدولي القريب من الحدود الليبية.
الخروج من مطار القاهرة.. علامة استفهام
يوميًا تتباهى سلطات مطار القاهرة وإدارتها الجمركية بوأد أي محاولة تهريب تجري عبر المطار، في ضوء المشروعات المتتالية التي تقوم بها لتشديد الرقابة على جنبات المطار كافة، ونجحت بالفعل عناصر الجمارك هناك في ضبط عشرات المحاولات لتهريب بضائع وسلع، من مخدرات لأجهزة إلكترونية إلى مسكوكات ومشغولات ذهبية، بل وصلت إلى مصادرة بواريك الشعر وأنواع معينة من مساحيق التجميل.
ومن هنا كان التساؤل الأهم الذي طرحه عشرات رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشأن كيفية خروج طائرة محملة بكل تلك البضائع والأموال والمخدرات والأسلحة من مطار القاهرة إلى زامبيا، هذا التساؤل الذي فتح معه تساؤلات أخرى تثير الشكوك عن شبهة تواطؤ محتملة أو تدخل شخوص لهم نفوذ قوي بحيث يتم تمرير تلك المهربات دون تفتيش أو مراجعة، وفق ما ذكر البعض.
في أبريل/نيسان 2019، انتهت المرحلة الثانية من مشروع تأمين الأسوار الخارجية للمطار بقيمة 62 مليون جنيه، ضمن خطة وزارة الطيران المدني برصد كل ما يدور داخل وخارج المطار، بحيث لا يكون هناك أي مجال لعبور أو تهريب أي ورقة دون مراقبة أو تتبع، حيث جرى تركيب 135 كاميرا على الأسوار الخارجية منهم 93 كاميرا ثابتة، و27 كاميرا متحركة و5 كاميرات “Multi Sensor”، و5 كاميرات مراقبة ردارية.
بجانب ذلك، أُنشئت غرفة تحكم بمبنى الحماية المدنية بمهبط مبني الركاب رقم 1، وتم الانتهاء من مشروع مراقبة لتأمين الكمائن وساحات انتظار السيارات ضمن خطة الوزارة لإحكام السيطرة على المطار بقيمة 23 مليون جنيه، تم تركيب 180 كاميرا بينهم 31 كاميرا خارجية متحركة و95 كاميرا ثابتة و44 كاميرا ذات تقنية حديثة “4K”، و10 كاميرات “LPR” للتعرف على أرقام لوحات السيارات.
فريق تحقيق تتبع تاريخ حركة طائرة الدولارات التي تم ضبطها في زامبيا قادمة من القاهرة ، كشف عن أن الطائرة أجرت نحو 361 رحلة ذهابًا وإياباً، غالبيتها كانت القاهرة نقطة انطلاق أو عودة (125 رحلة بدأت أو انتهت في القاهرة)، وأكثر رحلاتها كانت من القاهرة إلى العلمين ودبي وبني غازي ليبيا،…
— جمال سلطان (@GamalSultan1) August 16, 2023
اللافت وفق الخبر المنشور بشأن هذا المشروع أن المسؤول عنه هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو ما دفع الفنان المصري عمرو واكد للتعليق قائلًا: “تأكد بنسبة 1000% أنه لا يمكن أبدًا ركوب سلاح وذخيرة على طيارة طالعة من مصر بدون مساعدة فرد ذي حيثية في الجيش، ولا بد للمؤسسة العسكرية أن تقوم بدورها وتكشف هويته وأن تقدمه للمحاكمة”.
رجل الأعمال المصري مراد علي، تعليقًا على الواقعة غرد متسائلًا: “طائرة خاصة تخرج من مطار القاهرة بمثل هذه الأموال!! من لديه القدرة على تهريب نحو نصف مليار جنيه في طائرة خاصة؟ من يملك مثل هذه العلاقات في مصر التي تسمح له بذلك؟ ولماذا يهرب بهذه الأموال؟”.
وفي الجهة الأخرى حاول البعض تبرئة مطار القاهرة من تلك التهمة، كما أشارت صحيفة “العين” الإماراتية نقلًا عن مصادر في قطاع الطيران المصري بأن الطائرة المذكورة قبل وصولها إلى مصر حلت لفترة ترانزيت في الكونغو، ولم تفصح المصادر عن عدد الساعات التي بقيت فيها بالكونغو، وما إذا كانت المضبوطات التي ضبطت عليها وضعت من مطار القاهرة أو مطار الكونغو.
تهريب الأموال خارج مصر.. زاوية أخرى
رواية أخرى تفرض نفسها على المشهد، تتعلق بمساعي شريحة كبيرة من النخبة نقل رؤوس أموالها إلى الخارج، سواء بطرق مشروعة أم غير مشروعة، ومن بين تلك النخبة رجال أعمال وساسة ومستثمرين أجانب، فيما دخل الجنرالات على الخط خلال الآونة الأخيرة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي تحياه البلاد.
الاتهام الأبرز الذي واجه تلك الواقعة يتعلق بمحاولة تهريب للدولارات خارج مصر، واستنادًا إلى تفاصيل العملية والتسهيلات التي خرجت بها الطائرة محملة بكل تلك الأموال والبضائع المحرمة من مطار القاهرة، بالتعاون مع ضابط ذي نفوذ كبير في الحزب الحاكم بزامبيا، فإن ملاك تلك الشحنة لا بد أن يكونوا من النافذين في السلطة، عسكريًا أو سياسيًا، فمن المستحيل أن يتم تهريب كل تلك المضبوطات دون ضوء أخضر أو مباركة من أشخاص تفوق صلاحياتهم سلطات قوات تأمين المطار والجمارك.
أنصار هذا الرأي يستندون في موقفهم على بعض الشواهد التي يرون أنها تعزز رأيهم، أبرزها ما بثته الناشطة المعارضة سمية الجنايني على اليوتيوب قبل أربعة أيام تعليقًا على ما حدث في مقر الأمن الوطني بالعريش في شمال سيناء يوم 30 يوليو/تموز الماضي، وأسفر عن سقوط 4 أمنيين من بينهم ضابط كبير برتبة عقيد وإصابة 28 آخرين.
الجنايني كشفت أن سبب هذا الصدام هو نزاع بين ضباط الأمن الوطني بشأن مصير 25 مليون دولار كانوا قد تحفظوا عليها في أحد المخازن المملوكة لمقاول في شمال سيناء، وأن هذا المقاول يعمل لصالح شخص له نفوذ كبير في البلد، في إشارة إلى أن هناك أموال طائلة يتم تهريبها خارج البلاد بطرق غير شرعية، تم جمعها في الأساس بطرق غير قانونية.
أكدت الناشطة المقيمة في الخارج أن تلك الراوية هي المتداولة بين عامة الشعب في شمال سيناء، وأن هناك توجهًا لدى رجال الأعمال المصريين المقربين من السلطة بتحويل أموالهم إلى الدولار والعملات الأجنبية والذهب خشية خطوة تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار، ما ينجم عنه خسائر كبيرة في قيمة ثرواتهم.
وفي 26 يوليو/تموز 2023 أي قبل ثلاثة أسابيع من الآن نشر الفنان المصري المقيم خارج البلاد عمرو واكد تغريدة ألمح فيها إلى قيام العديد من رجال الأعمال والمقربين من السيسي بتهريب أموالهم للخارج، هربًا من تعويم جديد أو من تطورات في المشهد قد تغير من المعادلة الداخلية بالكلية، حيث كتب يقول “وصلتني أنباء عن بدء تهريب أموال الأسياد خارج البلاد منذ فترة، ولكن العدد في زيادة هذه الأيام”.
وصلتني انباء عن بدء تهريب اموال الاسياد خارج البلاد منذ فترة ولكن العدد في زيادة هذه الايام.
الحق نفسك قبل قيام الثورة وتراجع او اقفز في البحر او انسحب بشياكة فما زال الوقت يسمح.
ما هو قادم لن يرحم احد.
— Amr Waked (@amrwaked) July 26, 2023
تساؤلات – تظل حتى الآن في سياق التخمين وإن عززتها بعض المؤشرات – تطرحها واقعة الطائرة المحتجزة في زامبيا، غير أن التجاهل والتعتيم من الجانب المصري يعزز الشكوك بشأن ما تعكسه الواقعة من دلالات، تتشابك – عن قرب أو بعد – مع تلك التساؤلات، لتظل أسيرة الريبة والترقب حتى الكشف عن التفاصيل المتعلقة بتلك الحادثة كافة، وحتى ذلك الحين تبقى كل السيناريوهات على طاولة النقاش بدرجات متفاوتة.