ترجمة وتحرير نون بوست
تتذكر الكوبية هرمانيا أروفات، كيف كانت تنتظر أمها في صباها لتعود من الولايات المتحدة، عند إحدى الموانئ في كوبا ما قبل الثورة الشيوعية، وهي تحمل كعادتها بعضًا من الهدايا لها. بعد أكثر من قرن، ذهبت هرمانيا، البالغة من العمر الآن 70 عامًا، لتقف أمام القنصلية الأمريكية في طابور للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة، بعد أن أعلن البلدان تطبيع علاقاتهما المقطوعة منذ الحرب الباردة، قائلة بأنها تشعر بالحماسة للسفر جيئة وذهابًا بين البلدين كما كانت تفعل أمها.
رُغم تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن التغيير في العلاقات لن يحدث بين ليلة وضحاها، لا سيما العقوبات الاقتصادية، إلا أن التفاؤل يسيطر على هافانا هذه الأيام، خاصة مطاعمها وحاناتها التي تتنظر بشوق أفواج السياح الأمريكيين، ورواد الأعمال المتطلعين إلى التبادل التجاري المفتوح مع الولايات المتحدة.
بدورهم، يأمل مواطنو كوبا أن تتحسن أحوالهم جراء هكذا انفتاح، فكما يقول أحد السائقين، لا تكفي كمية الدجاج واللحم التي توزعها الدولة على المواطنين إلا لشهر واحد، وهو ما يؤدي إلى اتجاه الجميع نحو السوق السوداء للوفاء باحتياجاتهم، وهي بالطبع غالية جدًا. بالإضافة إلى ذلك، يتطلع البعض إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها الدولة، من إرخاء الحد الأقصى للأجور، وامتلاك المزارعين لحرية أكبر في تخطيط مزارعهم.
تنتشر هذه الأيام أيضًا محال الأطعمة، المعروفة باسم “بالادارِس”، والتي يفتحها غالبًا كوبيون يعيشون في الولايات المتحدة، آملين أن يعودوا بكوبا إلى ما كانت عليه في خمسينيات القرن الماضي، كما يقول باولو رودريجز، كبير طبّاخي أحد أحدث المطاعم في هافانا والبالغ من العمر 82 عامًا، والذي أخذ يتذكر أفواج المراكب المليئة بالأمريكيين الذين أنعشوا الاقتصاد بإنفاقهم في مطاعم وحانات هافانا منذ عقود، “كنت أعمل آنذاك في مطعم أمريكي، وحصلت على دخل شهري بلغ 176 دولارًا، وكنت أمتلك سيارة وشقة. كان كل شيء على ما يرام.” بعد الثورة الشيوعية وتوتر علاقات البلدين، لجأ ردوريجز إلى العمل براتب أقل كثيرًا مما كان يحصل عليه، وهو يضطر اليوم للعمل رُغم تجاوزه سن المعاش، إلا أنه متفائل بشأن أخبار الانفتاح المتداولة مؤخرًا، “ستكون إعادة العلاقات خبرًا سعيدًا لي وللكثيرين، وأعتقد أن الرغبة الحقيقية للتطبيع موجودة هذه المرة.”
الإنترنت هو واحد من الأشياء التي يأمل شباب كوبا أن تصبح أرخص (الساعة الواحدة تكلّف حاليًا 5 دولارات) وأكثر حرية بعد الانفتاح، وهو أمر ممكن بالنظر لإرخاء القيود المفروضة من الحكومة على امتلاك أجهزة الكومبيوتر في السنوات القليلة الماضية، وانتشار مقاهي الإنترنت. يقول ويليام جاراشينكو، نادل في إحدى المطاعم، “أحتاج للعمل لأسبوع كامل لأتمكن من تحمل تكاليف ساعة واحدة من الإنترنت. لذلك، آمل أن يكون التغيير الأبرز من وراء الانفتاح هو إتاحة الوصول بشكل أسهل للمعلومات، وإلا اتجهت البلاد إلى الركود.
من المتوقع بالفعل أن تتحسن خدمات الإنترنت، خاصة إذا ما مضت واشنطن قدمًا في خطة إنشاء كابل ألياف بصرية للاتصالات بين كوبا وقاعدتها البحرية في جوانتانامو، وأتيح لشركات الاتصالات الأمريكية المساهمة في توفير الإنترنت داخل كوبا، كما قال أحد المسؤولين الأمريكيين مؤخرًا.
يتحدث ذوي المصالح الاقتصادية عن التجارة مع العملاق الاقتصادي الأمريكي، ويتحدث الشباب عن الإنترنت، ولكن الكُل هنا في هافانا يتحدث عن السياحة، والتي ستشهد صعودًا لا مثيل له إذا ما أرخت واشنطن قيود السفر لمواطنيها إلى كوبا، وهي خطوة بدت تلوح في الأفق إثر سماح واشنطن ببعض زيارات التبادل الشخصية، والتي أتاحت لقلة من المواطنين الأمريكيين السفر إلى كوبا مؤخرًا.
يقول جيسون جرونيباوم، مدرس من شيكاغو كان في هافانا وقت إعلان التطبيع بين البلدين، “كانت العاطفة جياشة بشكل كبير. ركبت إحدى سيارات الأجرة وتكلمت مع السائق عن رؤيته لما يجري، وانفعل كلانا فرحًا مع الأغاني المنبعثة من الراديو. بالنسبة للأمريكيين، أعتقد أن الكل سيفكّر في أقرب وقت يمكن لهم أن يتجهوا فيه صوب شواطئ كوبا الساحرة، في حين ستبقى كالعادة حفنة من الجمهوريين تندب الانفتاح على هافانا.”
إحدى العوامل الرئيسية التي تجذب السياح الغربيين إلى كوبا هي ثقافتها ونظامها شديدا الاختلاف، وحياتها الأبسط مقارنة بزخم الحياة في المدن الكبرى في الغرب، هكذا تقول ثوري شتران، سائحة نرويجية، والتي لا تعتقد أن الانفتاح سيغيّر من طبيعة البلد وسحرها اللاتيني كما يعتقد البعض، “ليس ممكنًا أن يغيّر الأمريكيون أو الأوربيون هكذا ببساطة من بلد ككوبا، فالدماء اللاتينية حامية هنا.”
لم تتغير كوبا بالفعل بنفس الوتيرة التي أملتها الحداثة على مدن الغرب، ولكنها في الوقت نفسه لم تتجمد في لحظة تاريخية بعينها مثل كوريا الشمالية، فالمجتمع الكوبي بطبعه مفتوح ثقافيًا على غيره، والانقسامات الأيديولوجية تقل حدة منذ أكثر من عشر سنوات، لا سيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. على سبيل المثال، تنتشر بشكل كبير في محطات الراديو الأغاني الأمريكية، كما تُذاع مباريات البيسبول الأمريكية على التلفاز الكوبي، وتجري عروض لبيوت أزياء أمريكية شهيرة في شوارع هافانا.
بيد أن للانفتاح وجه آخر سلبي يخشاه الجميع، وهو تسلل ثقافة المخدرات والعنف، المتفشية في الولايات المتحدة والكاربيبي، إلى كوبا، والتي نأت بنفسها لعقود عن هذا العالم الفوضوي جراء انعزالها، على العكس من بلدان مثل الهوندوراس وإل سلفادرو وفنزويلا وجامايكا التي تمتلك أعلى معدلات جريمة في العالم نظرًا لتجارة المخدرات والأسلحة مع الولايات المتحدة. يقول رجل الأعمال فابيان رَيَيس، المتشائم قليلًا، “نمتلك هنا أكثر بلد أمانًا في أمريكا اللاتينية بفضل تلك القيود. إذا ما أرخيناها، أخشى أن تزداد معدلات الجريمة والمخدرات”.
لا يُنثي أي من ذلك هرمانيا أروفات عن السفر إلى فلوريدا وزيارة ابنتها وأحفادها القاطنين هناك منذ أربعة سنوات، “حزنت كثيرًا حين تركوا كوبا، لأن هذا هو بلدنا، ولكن أبنائي لا يفكرون إلا في الولايات المتحدة والسفر إليها. الآن بوسع البلدين أن يكوّنا صداقة قوية، وهو ما يجعلني سعيدة، ولكنني أخشى فقط أن تحاول الحكومة الأمريكية السيطرة علينا وعلى بلادنا. الانفتاح مطلوب، ولكن يجب أن تظل كوبا حرة”.
المصدر: الغارديان