أثار فوز نداء تونس بالانتخابات البرلمانية والرئاسية مؤخرًا مخاوف من عودة الاستبداد وارتداد الثورة التونسية التي لم يتخط عمرها الأربع سنوات ﻻسيما وأن قيادات السلطة الجديدة وعلى رأسهم رئيس الجمهورية المنتخب “السبسي” يمثلون رموز سابقين فى نظام بن علي، بينما اعتبر البعض أن الربيع العربى بدأ فى تونس وها هو يرسم مشهد الختام من تونس أيضًا.
نداء تونس الجبهة المعارضة لحكومة الترويكا التي تأسست عام 2012 وانتظم به أعضاء سابقون في حزب التجمع الدستوري المنحل، بالإضافة إلى شخصيات نقابية وسياسية ومستقلة، نجح بعد عامين فقط في إزاحة مكونات الترويكا عن الحكم عبر انتخابات ديموقراطية.
فوز نداء تونس سيضع الحزب والرئيس الجديد السبسي أمام عدد من التحديات الصعبة: أولها التحدى السياسي الذى سيتمثل في الحفاظ على الديموقراطية والحريات السياسية والعامة التي منحتها الثورة لكل مكونات الشعب التونسي، والخشية هنا منبعها أن الحزب له سوابق مشاركة في الاستبداد والقمع والإقصاء، وهي المخاوف التي حاول قيادات الحزب إنكارها خلال الحملات الانتخابية بالتعهد بعدم التراجع عن الديموقراطية وأن الوضع الآن في تونس قد اختلف والاعتراف بأنه هناك ثورة قامت، وتصريحات السبسي الأخيرة توضح أنه يميل إلى حكومة تضم تحالف أوسع من النداء، وهو ما حاول الحزب ترجمته عندما صوت أعضاؤه للسيد “عبد الفتاح مورو” نائب رئيس حركة النهضة كنائب لرئيس البرلمان؛ الأمر الذى فتح دائرة التحليل حول حدوث اتفاقات بين نداء تونس والنهضة حول تشكيل حكومة موحدة.
كما يمثل تشكيل الحكومة تحدٍ هام أمام السلطة الجديدة ويعتبر أول اختبار عملى سيعكس الرؤية التي تتبناها، وما إذا كان النداء سيستجيب لمطالب النهضة (يمتلك 30% من البرلمان) بتشكيل حكومة وحدة وطنية يجنبها وجود معارضة في الوقت الحالي ويجعلها شريكة في المسؤولية أمام الشعب، أم يسير وحيدًا ويتحالف مع كتلة أصغر لكي يتخطى حاجز الـ 50% الذي يفصله عنه ما يقارب 10% فقط ويضع النهضة على رأس المعارضة.
التحدي الاقتصادي الذي يواجه السبسي وحزبه ﻻ يقل أهمية عن التحدي السياسي، فالشعب الذي أزاح الترويكا من الحكم في الانتخابات وأتى بالنداء ضاق ذرعًا من الحلول المؤقتة التي لم تعالج قضايا الفقر والبطالة، فهل يستطيع الأخير الإيفاء بوعوده وإحداث تغيير ملموس في معيشة الناس خاصة في قضايا الفقر والبطالة وهو الحزب وريث نظام بن علي الذي أسقطه الشعب التونسي لنفس الإخفاقات؟!
تحدى الإرهاب أيضًا سيكون من التحديات الصعبة، فحكومة النهضة حاولت التعامل مع أنصار الشريعة بخطاب وعمل سياسي وديني أولاً، قبل أن يتحول الأمر إلى مواجهة أمنية شاملة بررتها النهضة وقتها بأنها نتيجة فشل الحلول السياسية في استيعاب هؤلاء الشباب وتخليهم عن العنف في مواجهة الدولة، فالسؤال الآن عن كيف ستتعامل السلطة الجديدة مع هذا التحدي، قيادات النداء لا يتركون مناسبة إلا ويتحدثون عن خطر الإرهاب وهو ما يتفق معهم فيه كافة القوى السياسية وأهمها النهضة، إلا أن طريقة التعامل المتوقعة من حكومة علمانية وتمثل النظام القديم ربما يدفع المزيد من الشباب إلى اليأس واللجوء للعنف خاصة إذا عاد الاستبداد أو الحكم السلطوي والنظام البوليسي إلى الظهور مرة أخرى، كما أنه هناك خشية من استغلال فزاعة الإرهاب وتعميمه في مواجهة أطراف معارضة.
رغم التحديات الداخلية التي من المتوقع أن تنشغل فيها السلطة الجديدة، إلا أن علاقات النظام الجديد خارجيًا من المؤكد أنها ستشهد تغييرًا، أهم بنوده هو ما يتوقع من تقارب مع نظام السيسي (حكومة الانقلاب) فى مصر وهو ما يوضح تعبير أنصار الانقلاب العسكري بمصر عن فرحتهم من انتصار النداء وما يعتبرونه هزيمة للنهضة وتيار الإخوان المسلمين؛ هذا التقارب ربما يجعل للسلطة الجديدة دور مساند لأحد الأطراف في الأزمة الليبية.
أيضًا من المتوقع دخول السلطة التونسية الجديدة في علاقات جيدة مع مكونات التحالف الإقليمي وممثليه خاصة دول الخليج باستثناء قطر التي كانت مساندة لحكومة الترويكا والرئيس المرزوقي، وكذلك من المنتظر عودة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري والتي أعلن الرئيس المرزوقي قطعها في وقت سابق.
في النهاية ، يمكننا القول إن أنصار الربيع العربي أدركوا مؤخرًا أن الثورات ليست نزهة، وأنها من الطبيعى أن تواجه ردات وثورات مضادة تتمتع بالنفوذ وتمتلك من الإعلام والمال والظهير الشعبي ما يمكنها من العودة في وقت زمني قصير، فالتحدي الذي يواجه الشباب والنخب السياسية والمجتمع المدني في تونس الآن هو الحفاظ على الثورة ومكتسباتها من الديموقراطية ومناخ الحريات، فضلاً عن السعي لتحقيق أهدافها في طريق يبدو طويل وشاق.