عبر الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، قبل وصوله لقصر الرئاسة بأشهر، عن أن تقييمه لما يحدث في مصر ووصفه له بالانقلاب العسكري ورفضه للاعتراف به ليس مبنيًا على رأي أردوغان الشخصي، وإنما على موقف متكامل لحزب العدالة والتنمية مبني على دراسة للواقع المصري من قبل خبراء أتراك ومن قبل “أصدقاء” من خارج تركيا، وهو ما كان يبرر أو يفسر صمود تركيا على موقفها المعادي لنظام الجنرال “عبد الفتاح السيسي” منذ تلك الأيام وحتى الآن.
وفي ظل التغيرات التي شهدتها المنطقة في الأيام الماضية، والتي تمثلت في تراجع دولة قطر – التي تعتبر أهم حلفاء تركيا في الدول العربية – تدريجيًا عن موقفها الداعم لمعارضي الانقلاب في مصر، تلتفت الأنظار لتركيا لمعرفة ما إذا كانت ستمضي “وحيدة” في معاداة الانقلاب أو أنها ستنخرط بدورها في عملية تطبيع العلاقات مع نظام الجنرال السيسي.
قطر انفتحت على مصر:
ويذكر أن قطر قد أكدت يوم السبت الماضي أنها حريصة على تعزيز علاقاتها مع مصر، كما أرسلت مبعوثًا خاصًا لأمير قطر “الشيخ تميم بن حمد” استقبله الجنرال “عبد الفتاح السيسي” بحضور رئيس الديوان الملكي السعودي “خالد بن عبد العزيز التويجري”، حيث أكدت قطر وقوفها إلى جانب مصر مثلما وقفت إلى جانبها في السابق، وقالت السعودية إن مصر وقطر استجابتا لمبادرة الملك السعودي “عبد الله بن عبد العزيز” الداعية لتنقية العلاقات المصرية القطرية مما شابها في الفترة الماضية.
كما قالت مؤسسة الرئاسة المصرية في بيان لها عقب القمة المصرية القطرية السعودية إن مصر “تتطلع لحقبة جديدة تطوي خلافات الماضي، وأن دقة المرحلة الراهنة تقتضي تغليب وحدة الصف، والعمل الصادق برؤية مشتركة تحقق آمال وطموحات الشعوب العربية”.
تركيا بعد قطر:
في لقاء أجراه موقع الجزيرة التركية مع “بولنت آرنتش”، الناطق الرسمي باسم الحكومة التركية وأحد أهم أعمدة حزب العدالة والتنمية، قال آرنتش: “إنّ تركيا ترفض ما جرى في مصر من انقلاب على الحكومة الشرعية وذلك من مبدأ الحفاظ على الديمقراطية، وقامت بالتنديد بهذه العمليّة، إلّا أنّ الأمر أصبح واقعًا لا يمكن رفضه، فقد لاقى هذا الانقلاب ترحيبًا من الولايات المتّحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، أمّا نحن فعلينا أن نُعيد النظر في علاقاتنا مع القيادة المصرية بسبب الروابط المتينة بين الشعبين المصري والتركي، لكن على القيادة المصرية أن تبادر بالخطوة الأولى لتحسين العلاقات المتجمدة بيننا”.
كما قال آرنتش في نفس الحوار الذي ترجمه موقع “ترك برس” إن “الفتور الذي أصاب العلاقات التركية مع بعض الدول الخليجية وخاصة الإمارات، ناتج عن مواقف قيادات تلك الدول من القضايا والمشاكل العالقة في المنطقة وخاصةً الأزمة السورية والمصرية بالإضافة إلى القضية الفلسطينية والمواقف المتباينة من الحصار المفروض على قطاع غزة”، مضيفًا أن “حالة الفتور هذه لن تدوم طويلاً بسبب العلاقات التاريخية والروابط الأخوية والعوامل الجغرافية المشتركة التي تربط بين الشعبين العربي والتركي”.
فشل طريق التصادم:
كما يُفهم من زيارة مبعوث قطر للسيسي أن قطر عزمت على تفعيل العلاقات مع النظام المصري، فإن أبرز ما يمكن فهمه من تصريحات بولنت آرنتش الميالة لتصفير العلاقات مع مصر ودول الخليج، هو أن تركيا باتت مستعدة للدخول في مفاوضات مع الجانب المصري لأجل مصلحة كلا البلدين.
وكما أن النظام المصري منزعج ومتأثر بشكل ما – قد يختلف في تقييم درجته – من تصريحات أردوغان ورئيس الوزراء التركي “أحمد داوود أوغلو” التي لازالت ترتفع في المحافل الدولية والإقليمية منددة بما حدث ويحدث في مصر ومُسقطة الشرعية عن نظام الجنرال السيسي؛ فإنه قد بات واضحًا للجانب التركي أن نظام السيسي لم يسقط بسبب تلك التصريحات، وأن موقف تركيا الذي لم يتغير منذ حدوث الانقلاب وحتى الآن قد يقصيها من دائرة التأثير في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر مصر وباقي الدول الخليجية أهم مكوناتها الجغرافية والتاريخية والسياسية.
تجربة طريق التصفير:
بالنظر بعين الاعتبار إلى الزيارة الأخيرة التي أداها الشيخ تميم إلى تركيا وإلى الحفاوة التي اُستقبل بها، يمكن القول إن قطر ستبدأ مسيرة إحياء علاقتها مع مصر عبر لعب الدور الذي طالما أحسنت لعبه في عدد من الملفات الإقليمية والدولية الأخرى، وذلك عبر لعب دور الوساطة بين تركيا ومصر وعبر إيجاد صيغة للاتفاق تُرضي كلا الطرفين.
ومن المتوقع أن تشترط مصر على تركيا توقف “رجب طيب أردوغان” عن مهاجمة النظام المصري، وأن تشترط تركيا على النظام المصري أن يتوقف إعلامه عن تشويه صورة تركيا لدى المواطنين المصريين، فإنه ليس متوقعًا أن يشمل الاتفاق بنودًا عالية السقف مثل تغيير السياسات القمعية للنظام المصري أو أن تتحول تركيا للترويج لشرعية هذا النظام.
ليست المرة الأولى:
رغم أن السياسات التركية في عهد حزب العدالة والتنمية أظهرت انحيازًا كبيرًا للقيم والمبادئ الأخلاقية خاصة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني والسوري منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، إلا أنها رضخت في بعض المراحل – خاصة فيما قبل الربيع العربي – للواقع السياسي لدول المنطقة، وأقامات علاقات قوية مع أنظمة ديكتاتورية مستبدة مثل نظام بشار الأسد ونظام معمر القذافي ونظام زين العابدين بن علي في تونس، مبررة ذلك بأنها غير مكلفة بتغيير أنظمة تلك الدول وأنها مجبرة على التعامل معها.