ترجمة وتحرير نون بوست
عندما أنهى المجلس الفيدرالي الأمريكي برنامجه التسهيلي الكمي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كان قد أنهى في الوقت ذاته الدافع الأساسي للأسهم الأمريكية طيلة السنوات الست المنصرمة، وطالما واصل البنك المركزي إمداد السوق بالمال، فإن المستثمرين لديهم سبب ولو بسيط للتخوف من مصير الاقتصاد المترنح بنسبة لا تكاد تتجاوز الـ 2% من النمو الحقيقي.
فكما يواجه المستثمرون تقلبات شتى على صعيد الأسواق والأوراق المالية التي صارت مكبلة، يتوجب عليهم التأقلم مع النمو المتباطئ في الصين، والنمو الضئيل في منطقة اليورو، وكذلك النمو السلبي باليابان، وبالتالي أصبح نقص الطلب مع توفر عروض الإمدادات النفطية وباقي المواد، السبب الرئيسي لتدهور أسعار السلع منذ مطلع 2011، الأمر الذي لم يلاحظه البعض إلا مؤخرًا بعد انخفاض أسعار النفط الخام.
وتواجه منظمة الأوبك إمكانية الوقوع في تضخم إنتاجي بسبب التراجع في معادلة العرض والطلب بدءًا بالمملكة العربية السعودية التي قد تخفض إنتاجها، فباعتبارها القائد الفعلي للمنظمة، يرى السعوديون بأن خفض الإنتاج هو السبيل الأمثل للحيلولة دون خفض الأسعار الناتج عن زيادة العرض.
ومن شأن ذلك أن يكلف السوق السعودية خسائر، كما من شأنه أن يدفع دول الأوبك للغش؛ مما يدفع القادة السعوديين للحسرة جراء تجمد ارتفاع الطلب على نفط الأوبك، في حين تنعم دول لا تنتمي للمنظمة بازدهار في صادراتها النفطية خصوصًا بالنسبة لدول أمريكا الشمالية، وهذا ما يفسر مفاجأة دول الأوبك للعالم في حين كان الأمريكيون يحتفلون بعيد الشكر، فبضغط من السعودية وبعض دول الخليج الثرية المنتجة، وقع الاتفاق على عدم خفض الإنتاج رغم تراجع الأسعار بنسبة 38% للنفط الخام منذ حزيران/ يونيو.
وبذلك تزج الأوبك بنفسها في منافسة ضارية مع باقي الدول المنتجة، وطبعًا يأمل المنتجون فاحشو الثراء في أن تمول ميزانياتهم المتضخمة من عائدات النفط بسعر الـ 100$ للبرميل، ولكنهم يمتلكون احتياطًا نقديًا ضخمًا يعتقدون أنه سيصمد في وجه غش الاستغلاليين ومنتجي النفط الصخري الأمريكيين عندما تتراجع الأسعار.
السعودية من جهتها اغتنمت الفرصة لإلحاق الضرر بخصومها، خصوصًا إيران وما تسيطر عليه من العراق بما يتعلق بالأزمة السورية، كما تسعى لمساعدة حلفائها كمصر وباكستان على تخفيض نسبة التعويض الحكومي عند انخفاض الأسعار.
من ناحية أخرى نجد روسيا – الخصم الآخر للمملكة العريبة السعودية في سورية – والتي تعتمد على صادراتها النفطية لتلبية 42% من المصاريف الحكومية، وأمام إنهيار قيمة الروبل؛ قام البنك المركزي الروسي بإنقاذ العملة في تشرين الثاني/ نوفمبر عبر ضخ 75 بیلیون دولارًا في السوق المحلية، ثم سعى البنك المركزي إلى وقف التدهور الحاصل عن طريق رفع قيمة الفائدة من 6.5% إلى 17% في 15 كانون الأول/ ديسمبر.
ولاتزال العملة الروسية في تخبط، حالها حال الاقتصاد، حيث ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية في روسيا بنسبة 9.1% في تشربن الثاني/ نوفمبر من السنة الفارطة، وسيصاب الاقتصاد الروسي بحالة ركود في السنة المقبلة، حسب ما أعلنه موقع وزارة الاقتصاد الروسي الرسمي في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر، قبل أن يقع حذف الخبر خلال ساعات قليلة.
وكذلك تحتاج فنزويلا إلى رفع سعر البرميل إلى مستوى 125$ حتى تتمكن من تغطية نفقاتها التي ترتكز بنسبة 65% على صادراتها من النفط، علمًا وأن نسبة إنتاجها انخفضت إلى ثالث أدنى مستوياتها منذ عام 2000، ومع احتدام التضخم، تبيع دول البوليفار النفط بقيمة 6.29 للدولار الواحد، في حين يباع بـ 180 دولارًا في السوق السوداء.
وأما بالنسبة لنيجيريا التي يمثل النفط والغاز الطبيعي 80% من عائدات الحكومة وأغلب صادراتها تقريبًا، نجد أن الليرة النيجيرية قد سجلت انخفاض إلى حدود هذه الفترة من السنة بنسبة 11% مقارنة بالعملة الخضراء.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو “إلى أي مستوى يمكن لأسعار النفط أن تتدنى؟”، فلا تعتبر حاجة ميزانية الحكومات للدعم من طرف السوق العالمية المشكلة الرئيسية، وكذلك بالنسبة لتكاليف الاستكشاف والتنقيب والنقل، بل تكمن المشكلة الأساسية في تلك المصاريف الجانبية، تكاليف ما بعد إنتاج النفط وبعد حفر الثقوب ومد الأنابيب، والتي تقدر من 10 إلى 20 $ للبرميل الواحد في الخليج العربي، وهي نفس تكلفة إنتاج الولايات المتحدة للنفط الصخري؛ مما يحقق نقطة تساوي في أمريكا بين النفط المستورد والنفط الصخري.
والدول النامية التي تعتمد على صادراتها من السلع لتوفير العملة الصعبة لتسديد ديونها الخارجية ستُنتج وتُصدر النفط بأسعار أقل من التكلفة الجانبية لدى دول مثل السعودية وأمريكا، وإلى أن تقرر كبار الدول المنتجة التوقف عن الإنتاج، ستنخفض أسعار النفط إلى أقل من 50% مما هي عليه.
المصدر: بلومبرج