التيار الجهادي وطبيعة الصراع مع النظام العالمي

unnamed

الصورة: أبو مصعب السوري، أحد أهم منظري القاعدة

تصنف دولة البغدادي وتنظيم القاعدة على أنهما الجناح السني الأكثر تطرفًا، فترفض بقية التيارات والحركات الإسلامية السنية سياساتهم وأفكارهم وترفضها كذلك غيرها من الطوائف والأديان والتوجهات، ويجب التنويه هنا إلى أن دولة البغدادي والقاعدة لهم نفس المشرب والتصور وإنما يختلفون في الخطة والتوقيت.

التطرف الذي توصف به دولة البغدادي والقاعدة – والذي يميزها عن ما عداها -، ليس تطرفًا بالدرجة وإنما بالنوع، بمعنى أنها لا تختلف عن التيارات الإسلامية الأخرى في درجة تمسكها والتزامها وحرصها على الجهاد أو الدين، وإنما في تصورها لطبيعة الصراع بين الإسلام والغرب والإستراتيجية المتبعة فيه، ويمكننا القول هنا إنه تطرف سياسي لا ديني!

يبدأ الخلاف من طبيعة التصور الذي تبناه التيار الجهادي ونظرته إلى النظام العالمي ودور المسلمين فيه، معتمدًا بالطبع على النصوص الدينية، فالجهاديون لا يقبلون بغير سيادة الإسلام للعالم، وفي الوقت نفسه يؤمنون بضرورة تمايزهم وانفصالهم عنه، لئلا يكونوا جزء من تركيبته، وهذا يتطلب منهم الخضوع لقوانينه وفي ذلك تقوية له وهذا هو الكفر عندهم.

يرى أبو مصعب السوري وهو من أهم المنظرين الإستراتيجيين لتنظيم القاعدة، أن دولة الإسلام لا يجب أن تتمثل في الأمم المتحدة، لأنها يجب أن تقوم على أنقاض الأمم المتحدة! فمجرد تمثيل أي دولة في الأمم المتحدة هو اعتراف بالقانون الدولي وفي ذلك خضوع وتحكيم بغير ما شرع الله وهذا كفر.

وهنا يتمايز التيار الجهادي عن غيره بكونه لا يقبل العمل السياسي، ولا سبيل عنده لتحكيم شرع الله إلا بالجهاد، فلا يمكن الخروج على النظام العالمي من خلال التعاون معه، وبالتالي فجهاده هو الطريق الوحيد.

تصور الفكر الجهادي لطبيعة الصراع هو ما يجعله مفزعًا للغرب وخصوصًا في حال خروجه عن السيطرة، فالفكر في ذاته صدامي مع النظام العالمي، وتبنيك لهذا الفكر يقتضي منك معاداة الغرب وكل من يتبعه، وهذا ما يدركه صانعو السياسيات الغربية تمامًا، فيستغلون هذا الفكر أحيانًا ويقضون عليه في أغلب الأحيان.

الصراع في تصور الجهاديين صراع عالمي لا ينتهي حتى يكون “الدين كله لله” وكل ما يتبع ذلك منا تفرعات مستمدة منه، وأهمها ربما قضية الردة وهي التي تمد ساحة الصراع لتشمل الكثير من المسلمين، ليس على اعتبارهم جزء من الصراع أصلاً وإنما لكونهم يتعايشون مع النظام العالمي القائم وبالتالي يساهمون في قوته وبقائه بعلم أو بدون علم، ويتبع ذلك أيضًا قضية الهجرة والولاء والبراء وغيرها.

وما دام الجهاديون على تصورهم هذا، فلن ينتهي بهم المطاف إلا إلى طريقين: يُقضى على وجودهم العسكري فينتهون إما مشردون في الأرض أو في السجون وهو ما حدث في مرات سابقة، أو تزداد قوتهم وتوسعهم فيكونون في الحد الأدنى قطبًا آخر غير القطب الغربي له سياساته العالمية المنفصلة وربما المعادية للقطب الغربي.

ربما يمكننا هنا أن نفهم لماذا تمكّن العالم خلال أيام من جمع المليارات والاتفاق على حرب الدولة، بينما لم يُلق بالاُ لنظام الأسد المجرم باعترافهم، أو تصنيف جبهة النصرة على قوائم الإرهاب بسرعة عجيبة وعجزه عن إدانة الأسد كما ينبغي، فالنظام العالمي لا يُلقي بالاً إلا لشيء واحد فقط وهو أن يكون هو المسيطر، فنظام الأسد جزء من ذلك النظام العالمي الفاسد ولا يُخشى منه، أما دولة البغدادي فطموحها أكبر، وبالرغم من ذلك لم يكن تحرك الولايات المتحدة وغيرها من الدول العربية إلا لاحتواء دولة البغدادي واستغلالها، وربما القضاء عليها فيما بعد … إن استطاعوا!