الصورة: ليديا الريماوي وولدها مجد
ترجمة وتحرير نون بوست
تمكنت زوجات الأسرى الفلسطينين القابعين في سجون الاحتلال في السنتين الأخيرتين من إنجاب 30 طفلاً، دون أن تقمن بأي اتصال جسدي مع أزواجهن لسنوات على عكس ما تتطلبه سنة الحياة.
الأمر الذي يبدو صعب المنال في ظاهره لم يستعص على الأسرى الفلسطينيين، إذ قاموا بتهريب سائلهم المنوي خارج سجون الاحتلال، حيث كانت زوجاتهم وأهلهم في استقبال تلك العلقة لإخصابها على طريقة أطفال الأنابيب.
ويحق لأهالي الأسرى زيارتهم مرة كل أسبوع لمدة لا تتجاوز الـ 45 دقيقة فقط، ولا تتاح هذه الزيارات إلّا للأقارب الأشد قرابة دون غيرهم، وذلك بعد تفتيش دقيق وشامل يبلغون مرادهم بمكالمة أحبائهم من خلال نافذة بلورية وعبر الهاتف، مع العلم أن أي تواصل جسدي محظور ما عدا أبناء المساجين الذين يُسمح لهم بـ 10 دقائق آخر كل زيارة لعناق آبائهم.
وبالتأكيد لا يُسمح بالزيارات الزوجية داخل سجون الاحتلال المعروفة بسمعتها الأمنية المعقدة، ولكن ذلك لم يمنع تهريب السائل المنوي، حيث ذكرت مصلحة السجون الإسرائيلية أنهم ليسوا متأكدين ما إذا وقعت عمليات تهريب للسائل المنوي، وأنهم يبذلون قصار جهدهم للحيلولة دون أي محاولات تهريب مستقبلية عبر زيادة البحث والتدقيق مع كل زيارة عائلية.
وصرّح سياف وايزمان قائلاً: “نحن نبذل ما بوسعنا لمنع مثل هذه العمليات من الوقوع، وسنعمل على عدم حصولها مستقبلاً”، في حين قال “فؤاد خفش” مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان، إن مصلحة السجون الإسرائيلية اضطرت للرضوخ أمام الأمر الواقع، حيث إنهم لا يقدرون على إيقاف عمليات تهريب الحيوانات المنوية من داخل سجونهم.
مضيفًا: “ليس بإمكان مصلحة السجون الإسرائيلية أن تفعل شيئًا حيال هذه المسألة، في البداية حاولنا عزل الأسرى المتورطين في مثل تلك العمليات عن لقاء ذويهم، ولكن مع الوقت وتزايد الضغظ من طرف باقي الأسرى، كان مآلنا الرضوخ في نهاية المطاف”.
تهريب بأساليب بدائية
ليس الأمر بالغريب عن الأسرى الفلسطينيين عندما يتعلق الأمر بالتهريب، إذ نعلم كيف كانوا يهربون الرسائل السرية بالطريقة التقليدية حيث يبتلعون الرسائل المضغوطة داخل لفائف بلاستيكية محكمة الغلق، أما بالنسبة لمسألة تهريب السوائل المنوية، فإن المسألة تبدو أكثر تعقيدًا نظرا للضغط الذي يسببه الوقت، حيث إن السائل المنوي لا يمكنه العيش أكثر من 48 ساعة خارج جسم الإنسان مع أخذ نوعيته وطرق نقله بعين الاعتبار.
في بادئ الأمر، رفضت زوجات الأسرى الإفصاح عن الطريقة التي تمكن أزواجهن عبرها من إيصال السائل لتتم عملية الإلقاح الاصطناعي، إلا أن أطباء “بمركز رزان للإخصاب” بنابلس تحدثوا عن كيفية وصول السائل المنوي داخل أكياس رقائق البطاطس ومغلفات السكاكر وزجاجات الأدوية وغيرها.
وكانت تلك الناقلات الوقتية توضع في جيوب الأطفال بطريقة مهارية أثناء عناقهم مع آبائهم المسموح داخل السجن، كذلك يمكن الاعتماد على الأسرى الذين يقترب موعد إطلاق سراحهم في إيصال تلك الأغراض بالتنسيق بينهم وبين أهل زوجة الأسير المرسل بعد أن يقع إعلامهم باقتراب أوان سراحه ليستقبلوه أثناء خروجه ويتموا مراحل الإلقاح.
أصول ابتكار الفكرة:
وجاءت فكرة تهريب الحيوانات المنوية من مهندس معدات طبية فلسطيني في أوائل هذه الألفية، إذ سعى هو وزوجته لإنجاب طفل فلم يكلل الأمر بالنجاح بالطريقة التقليدية؛ ما دفعهما للتوجه إلى مركز الخصوبة لمواصلة محاولاتهما، ولكن إيقاف الزوج من قبل قوات الاحتلال حال دون مواصلة المساعي، فما كان للزوجة إلا أن قصدت المركز ذاته حيث يحتفظ بعينة مجمدة من مني زوجها وكللت العملية بالنجاح وحملت بطفلها الأول؛ وعلى إثر ذلك عُممت الفكرة بين الأسرى ومن بينهم كان عمار الزبن من قرية سلواد الذي أُعجب بالفكرة.
واُعتقل الزبن سنة 1998، وحكم بالسجن لـ 27 سنة وآخر بـ 25 سنة، وكان له من زوجته دلال بنتان حديثات السن حين اُعتقل ولطالما كان يتوق للحصول على ابن، فكان بصدد تهريب بعض المني سنة 2006 إلا أنه تراجع في نهاية المطاف لعدة أسباب، حيث صرح مدير مركز رزان للخصوبة أن هناك العديد من المسائل الملحة التي وجب الفصل فيها قبل الاضطلاع في هكذا عملية غير مسبوقة محفوفة بالمخاطر.
قائلاً: “العوائق كانت سياسية واجتماعية ودينية، كنّا في حاجة إلى فتوى شرعية تتيح لنا ممارسة مثل هذه العمليات، وقد نلنا ذلك من طرف الشيخ المفتي “عكرمة صبري” بشرط أن يكون الزوجان قد أجريا اتصالاً جنسيًا كاملاً قبل أسر الزوج”، واجتماعيًا، يجب أن تعلم كلا العائلتين المتصاهرتين بالعملية المُزمع القيام بها وبالتالي يفشى الأمر بين أفراد المجتمع للتشهير به، إضافة إلى ذلك يستوجب الأمر حضور ثلاثة أفراد من عائلة الزوج كذلك الزوجة بمركز التلقيح قبل الشروع بأي شيء.
وأشار قبلان أن هذه العملية لاقت استحسان القادة الفلسطينيين كالرئيس الأسبق “ياسرعرفات” والقيادي بحماس الشهيد “عبد العزيز الرنتيسي” الذي أيّد قائلاً “إن للأسرى الحق في الحصول على أبناء”.
وتمكن عمّار الزبن في نهاية المطاف من تهريب سائله المنوي بعد بضع سنوات لتضع زوجته مولودها الأول بهذه الطريقة والذي أسمته مهند، ورغم أن مصلحة السجون الإسرائيلية لا تعترف علنًا لوسائل الإعلام بوجود ظاهرة تهريب السائل المنوي من سجونها، إلا أن قبلان يؤكد أن المركز يستقبل الكثير من تلك العينات المهربة من قبل الأسرى باستمرار، قائلاً: “بعد نجاح عملية تخصيب دلال الزبن والتي كُللت بولادة ناجحة في 2012، كان لدينا 45 عينة، الآن لدينا 70”.
قصة ليديا مع هذه التجربة
تأثرت ابنة الضفة الغربية ليديا البالغة من العمر 38 سنة والتي أُسر زوجها منذ سنة 2001 وحكم عليه بـ 25 سنة سجنًا، بشكل كبير عند سماعها لقصة دلال الزبن.
وليديا هي أم رند البالغة من العمر 13 سنة الآن والتي لم يتجاوز عمرها الـ 9 أشهر عند اعتقال والدها، وهي تؤكد كون فكرة أن تنجب عبر إلقاح اصطناعي على إثر تهريب سائل منوي من السجن – كما حصل مع دلال – أمر لا يقبله عقلها إلا أن المجتمع المحيط بها ساهم بشكل بارز في إقناعها وتشجيعها لخوض التجربة، فتقول: “كلما قصدت فرحًا أو جنازة أو ذهبت إلى رام الله إلّا وبادرني الناس بالسؤال لما لا أدع الأمر يحدث، هم من أرسوا الفكرة في عقلي وأقنعوني بالمضي قدمًا”.
وأضافت قائلة: “أعتقد أنه أمر صائب، فحين ينهي زوجي أسره سنكون قد بلغنا الـ 50، ومن ناحيتي أظن أني سأكون في عمر لن يسمح لي بالإنجاب، أفكر في أن أجعل لرند أخًا أو أختًا، وأن أربي شخصًا يحمل اسمه، إضافة إلى أن الفكرة في حدّ ذاتها تعتبر تحدّ للاحتلال، فسأخوض التجربة وسأنجح”.
ليديا تذكر جيدًا مغامرتها نحو مركز رزان للإخصاب، فبعد زيارتها لسجن بئر السبع حيث يسجن زوجها، أمضت رحلة طويلة من صحراء النجف إلى الضفة الغربية، فاستقلت سيارة أجرة من نقطة تفتيش قلنديا إلى نابلس لتصل على الساعة الثامنة مساءً حيث كان الشهود الستة بانتظارها.
وروت قائلة: “قام المركز بإجراء الفحوص اللازمة على العينة على مرأى منا، وشاهدنا الحيوانات المنوية تسبح، فأخبرنا بأن العينة سليمة وفي صحة جيدة”، وأضافت” قام المركز بتجميد عينتين من السائل، وبعد مدة بدأت أخضع للعلاج اللازم وما إن تأكد حملي، أُذيع الخبر بالمسجد في خطاب شجع باقي زوجات الأسرى للنظر في الفكرة والنسج على ذات المنوال”.
وحين ولد الطفل مجد في الـ 31 جويلية/ يوليه 2013، غمر القرية فيض من السعادة والأهازيج وأُقيمت الاحتفالات كما لو أن اليوم عيد، إلا أن فرحة ليديا وعائلتها مُزجت بطعم مرّ ذلك أن عبد الكريم ما كان بإمكانه الحضور.
وقالت ليديا مبتسمة: “مجد هو حياتنا الآن، صحيح أنه طفل مشاغب، لكنه ملأ حياتنا بالأمل والتفاؤل، لقد غير مجد كل شيء في حياتنا، عندما يُحرر والده، سيكون حتمًا في انتظاره”.
مجد، الطفل القنبلة
لم يتمكن مجد من لقاء والده إلّا بعد سنة ونصف، حيث منعت السلطات الصهيونية ليديا من لقاء زوجها، ولكن في الـ 25 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 تمكن الأب وابنه من الاجتماع لأول مرّة ولو بإيجاز.
ومن جهتها، حاولت ليديا أن تأخذ ابنها في زيارة للسجن حين كان عمره أسبوعين، إلا أن مصلحة السجون الصهيونية منعت عبد الكريم من لقائهم لـ 8 أشهر، فيما حكمت المحكمة الصهيونية على عبد الكريم بـ 8 أشهر إضافية من السجن مع تغريمه بـ 5000 شيكلاً إثر اعترافه بتهريب سائله المنوي خارج المعتقل، كما طالبت مصلحة السجون بحجة تثبت نسب الطفل، محيلة الأمر للقضاء بعد أن رفضت نتائج التحليل الجيني.
وتقول ليديا: “لقد وصفوني بالكذب وأدعوا أن زوجي ليس أب لابني نظرًا لاعتباره أسيرًا منذ 12 سنة، كنت كما لو أني أحضرت قنبلة يومها وليس طفلاً نظرًا لحالة التأهب العالية التي كان عليها السجن حينها”.
الالتزام الاجتماعي
يوجد ما لا يقل عن 14 مركز تلقيح اصطناعي موزع بين كل من الضفة الغربية وغزة، إلا أن مركز رزان للإخصاب يبقى الوحيد الذي لا يلزم المنتفعين دفع مبلغ الـ 3000$ للخضوع لعملية الإلقاح، علمًا وأن 1000 من أصل 6000 أسيرًا داخل سجون الاحتلال يقضون حكمًا يتجاوز الـ 20 سنة أو أكثر.
ويقول قبلان: “نحن نقدم هذه الخدمة مجانًا لأننا نؤمن أن هذه مسؤولية اجتماعية بالأساس”، مضيفًا: “إن هذه الخطوة تمثل عونًا للزوجة أكثر من الأسير نفسه”.
كما تطرق رسلان للعديد من القصص التي حدثت عقب صفقة تبادل الأسرى الـ1027 التي عقدتها حماس مقابل جندي إسرائيلي واحد، فالعديد من الأسرى كانوا حديثي العهد بالزواج حين وقع أسرهم، ولم يحظوا بفرصة تكوين عائلة، فحين يطلق سراحه بعد عقدين من الزمان، يكون الأوان قد فات حينها على إنجاب الأطفال نظرًا لتقدم قرينته في السن.
وقال قبلان: “يزوجه أهله من فتاة تصغره سنًا لتحمل متطلبات الأطفال، ولكن بعيدًا عن الوفاء، فهي ستنتظره لمدة 26 سنة كاملة، هل هذا جزاؤها؟ هذا ليس عدلاً”.
المصدر: ميدل إيست آي