حتّى بداية القرن الثامن عشر، كان البدو في النقب يعيشون الحياة البدوية التقليدية، حيث كانت سمتهم الاساسية كانت التجوال والترحال من مكان إلى مكان بحثاً عن مصادر الماء والزرع..
استمر عرب النقب خلال الفترة التالية وحتّى منتصف القرن التاسع عشر في ترحالهم حتّى قامت الدولة العثمانية بمساعٍ كثيفة، لتثبيت سكنهم في مناطق محدّدة ثابتة
حتى النكبة في عام 1948 كان عدد العرب في النقب يتراوح ما بين 55000 نسمة إلى 70000 نسمة.
وقعت النكبة وتم تهجير ما يزيد عن 70% منهم، ما بقي في النقب بحسب إحصاء بن دافيد (باحث في الجامعه العبريه) حوالى 12000 نسمه فقط.
تواجد العرب في كل النقب قبل النكبة.. ولكن مع سقوط الارض في أيدي العصابات الصهيونية هُجّروا من هُجّروا ومن بقي في أرضه تم ترحيله جبراً إلى منطقة السياج.. وهي المثلث بين المدن: عاراد، ديمونه، وبئر السبع.. (كما هو موضّح في الصورة)
صدر قانون الأراضي في إسرائيل سنة 1953 وبحسبه فإن من لم يكن على أرضه بعد 1952 سيفقدها.. مما ادى لأن يفقد البدو أراضيهم التي هي خارج منطقة السياج.
اتّخذ عرب النقب الذين تم ترحيلهم أراضيهم الجديده التي هُجّروا إليها، أرضاً خاصّة بكل ما تعنيها الكلمة.. وأصبحت ملكيّتهم عليها فعليّة.
في عام 1954 بقرار من دولة إسرائيل تم إعطاء الجنسية الاسرائيليه لعرب النقب، كما هو الحال لكل عرب الداخل، مع أنهم كانوا تحت الحكم العسكري (من فترة1951 – 1966 ).
مع نهاية الخمسينات من القرن الماضي استطاعت دولة إسرائيل الاستحواذ على أكثر من 90% من أراضي النقب.
لم يكن لعرب النقب في فترة الحكم العسكري أي قرية أو مدينة ثابتة.. فقد كانت كل قبيله -19 قبيلة- تقطن على أرضها التي هُجّرت إليها أو بقي عليها من كانوا في منطقة السياج قبل النكبة.
بعد إنهاء الحكم العسكري في عام 1966 بدأت الدولة بالتخطيط لإنشاء مدن وقرى ثابتة للعرب في النقب، بينما بالمقابل قام الكثير منهم بمحاكمة دولة إسرائيل أمام المحكمة العليا بشأن ملكية الاراضي في النقب.. استمر عرب النقب في النضال القضائي بالرغم من أن القرار الأولي للقضاة في كل قضايا ملكية الارض كان، ان عرب لا يستطيعون تملّك أراضي بحكم تعريفهم كبدو رحّاله!!..
أقيمت 7 تجمّعات ثابتة مُعترف بها للعرب في النقب من قِبَل الدولة:
تل السبع (1968)، رهط (1972) – مدينة، شقيب السلام (1979)، كسيفه (1982)، عرعرة النقب (1983)، حورة (1989) واللقيه (1990).
حسب إحصائيات عديده فإن تعداد العرب في النقب حتى عام 2013 هو 220 ألف نسمة تقريباً.. أٌكثر من نصفهم بقليل هم ساكني التجمّعات الثابته، أما البقيه فهم يقطنون في أراضيهم ( القرى غير المُعترف بها).
القرى غير المعترف بها هي الاراضي التي تملكها العائلات العربية وتقطن عليها.. ورفضت التنازل عنها مقابل الاستقرار في تجمّع ثابت.. والتي يبلغ عددها حوالى 50 قرية.. بينما بالمقابل دولة إسرائيل لا تقبل بهذا العدد.. بحسب البروفسور ارنون سوبر ( باحث في الجغرافيا في جامعة حيفا ).. فإن عدد التجمّعات الغير مُعترف بها يزيد عن 1000 تجمّع.. تحتوي حوالى 64000 بيت.. بينما تزداد 2000 بيت جديد كل سنة.
تفتقر القرى غير المُعترف بها إلى بنى تحتيّة أساسية كالماء والكهرباء والصرف الصحي.. برغم كل المحاولات الحقوقية التي قام بها أهل النقب لتوفير هذه الأساسيات للقرى.. وبرغم مرور العديد من تمديدات الماء والكهرباء لمدن أخرى(مستوطنات يهوديّه ومُدن كعاراد وديمونا) بجوار هذه القرى.
تتعرّض القرى غير المعترف بها إلى هدم متواصل وحثيث من قبل المؤسسة الاسرائيليه.. توضع بشكل عام على البيوت القديمه أوامر هدم بوضع التجميد.. والبيوت التي تُبنى حديثاً يتم وضع أمر هدم مُفعّل ويتم هدمها بعد فترة قصيره جدّاً من بناءها.. برغم ملكية الأرض لأهل البيت المبني.
في 2007 قامت الحكومة الإسرائيلية بتكوين لجنة برئاسة القاضي إليعزر غولدبرغ لتنظيم إسكان العرب البدو في النقب، بعد سنة قامت اللجنه بتقديم توصياتها للحكومه.. وعلى رأس هذه التوصيات.. ان يُعطى أهل النقب نصف ما يُطالبون به من ملكيّة الأراضي، بينما يُعطون تعويضات ماليّه عن النصف الآخر.. وأن يتم الاعتراف بأكبر قدر من القرى الغير معترف بها.. وان تُنشئ الحكومة بُنى تحتيّه لل50 الف بيت أو مبنى الموجوده في القرى غير المعترف بها.
أقامت الحكومة برنامج لتطبيق توصيات لجنة غولدبرغ. برنامج برافر- بيجن، برئاسة إيهود برافر وبيني بيجن.
مُخطط برافر بيجن الذي أصبح معروف إعلاميّاً ودوليّاً بمخطط برافر يهدف إلى مصادرة ما يقارب 800 ألف دونم مقابل تعويضات ماديّة.. وهدم لجميع البيوت الموجودة في المناطق الغير قابلة للتنظيم بحسب برنامج برافر.. مما سيؤدي ذلك إلى إخراج 40 ألف نسمة من أراضيهم.
وإسكانهم في التجمّعات السبعة الحالية المُعترف بها او جمعهم في عدد محدود من القرى الجديده التي ستُبنى.. بحيث يُطبّقون “أكثر عدد من السكّان على أقل مساحة من الارض”..
تم تمرير برنامج برافر في الكنيست كمشروع قانون.. مرّ القانون في القراءة الأولى بنسبة 43 عضو كنيست مؤيد و40 عضو كنيست معارض.. تم تحويل مشروع القانون من قِبَل لجنة الكنيست إلى لجنة الداخلية وجودة البيئه لدراسته ودراسة بنوده.. وربما ستستمر هذه العمليه شهور عدّة
بعد أن تَدرس لجنة الداخلية وجودة البيئة مشروع القانون دراسة شاملة لكل بند وعرض لكل وجهات النظر، تُعيد القانون للجنة الكنيست مع التوصيات أو الملاحظات عليه.. بعد ذلك يتم تمرير القانون للتصويت مرتين تسميّان القراءه الثانيه والثالثه.. في حالة سقط مشروع القانون في أحدها فإنه لا يمر.
يعترض عرب النقب على المخطط لأسباب كثيره منها :
- يعتقدون بأن القانون سيجعلهم يُظلمون مرتّين، حين أخرجوا من أراضيهم في النكبة، وحين يُحرمون من المطالبة بحقوقهم في ملكيّتها بهذا المخطط.
- عرب النقب كانوا قبل النكبة وقبل قيام دولة إسرائيل، فكيف تُعطى حقوق ومُدن ببنى تحتيّه مثالية لمُهاجرين يهود على أرض لم يملكوها ولكن أعطيت لهم كهبات، بينما للبدو لا تُعطى لهم أرضهم وحقوقهم الموروثه من أبائهم قبل قيام الدولة..
- تقوم على النقب مزارع فرديّه لأغنياء يهود هاجروا من اوروبا وغيرها، وبعض هذه المزارع تزيد بمساحتها قرى غير معترف بها، عنصرية القانون مرفوضه جملةً وتفصيلاً.
- في حالة التعويض بأرض أخرى غير الاراضي الحالية يُطالب البدو بأن تكون أرض مُعترف بها لكل شيء بما في ذلك البناء والزراعه بينما في مخطط البرافر الارض المعوّضه تكون زراعيه فقط ولا يحق للمواطن السكن فيها.
- تهجير 40 ألف نسمة من بيوتهم يُعتبر نكبة جديده بكل المقاييس.
مما هو جدير بالذكر بأن هُناك نسبة قليلة (لا يزيدون عن 5%) من عرب النقب يتطوّعون في الجيش الاسرائيلي، بالرغم من أن أغلب هؤلاء المتطوعون من قرى غير معترف بها، فإن الدولة لم تُبدي أي إهتمام بالمُخلصين لها!!..
النقب حكاية ليست كأي حكاية.. النقب هو نكبة العصر، قد أكون انا نجوت من التهجير في طفولتي، ولكن من يعلم لعلّ يامناً ابن القرية الغير معترف بها يصحو يوماً على طفولة مغايره، فلا يجد بيت عمّه إلى جانب بيت أبيه، ولا يجد تلك الكثبان التي كان يركض عليها كل عصر، ولا يجد النقب نفس النقب.