إذا صحت معلومات تقرير المخابرات الأمريكية، بشأن سيطرة قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، على بعض مناطق ريف دمشق حيث تحكم تلك القوات في منصات لإطلاق الصواريخ، في ظل غياب قوات الجيش السوري النظامي، فإن ثمة حقائق تؤكد أن استمرار الصراع السوري وتطوراته الإقليمية أصبح يهدد أمن المنطقة القومي.
ففي الوقت الذي يعلن فيه الرئيس بشار الأسد بأنه يعتمد على حلفاء نظامه للدفاع عنه وحمايته من الضربة العسكرية المرتقبة، يقول الرئيس الأمريكي باراك اوباما إن حلفاء الأسد من إيران وحزب الله قد ينفذون هجمات ضد مصالح أمريكا في المنطقة.
وتوجه أمريكا لضرب سوريا عسكريا، يعززه تأييد دول مجلس التعاون الخليجي لها.
كل هذه العوامل مشتركة يعتبرها المراقبون العسكريون، مؤشرات مهمة لاحتمال كبير في امكان توسيع ” الضربة ” إلى حرب اقليمية، تبرز بنتائجها أهمية المصالح المشتركة ، وشدة المنافسة بين المتحاربين على تحقيقها ، وهو ما توقعه أوباما في خطابه للشعب الأمريكي فجر اليوم الأربعاء.
الصراع الخليجي مع إيران
لقد رصد الخبراء الجيوستراتيجيين في المنطقة بعض العوامل التي تفسر حالة ” الصراع ” بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وهي في مجملها عوامل مرتبطة بتداعيات مرحلة ما بعد “الربيع العربي” والبيئة الإقليمية التي أفرزتها، وتبين منها ، أن إيران واجهت بيئة اقليمية أظهرت أن رسالتها الثورية أضحت ضعيفة وتجاوزتها الأحداث.
ولم يفض عدم الاستقرار الإقليمي إلى عرقلة قوة إيران ونفوذها وحسب، بل وجدت طهران نفسها في موقف رد الفعل تجاه الأحداث، بدلاً من توجيهها، وبالتالي لم تتحقق رؤيتها في ولادة “شرق أوسط إسلامي” في المنطقة على أنقاض الأنظمة التي سقطت.
ولكن يبقى التحدي الأكبر الذي أفرزته تلك البيئة بالنسبة لإيران، هو احتمالات خسارة الحليف السوري، وما ستفرضه تلك الخسارة من اختيارات صعبة على موقع طهران ونفوذها في الإقليم، لارتباط ذلك بعلاقاتها المباشرة مع جماعات كثيراً ما اعتمدت عليها في توسيع دائرة نفوذها الإقليمي، وأهمها بالطبع حزب الله في لبنان .
ولمواجهة هذه البيئة الإقليمية الجديدة، عملت إيران على ايجاد بدائل للحفاظ على نفوذها خاصة في منطقة الخليج، وهي المجال الحيوي لأمنها القومي، واتبعت في هذا الشأن أدوات عدة أدخلتها في حالة من ” الصراع ” مع دول الخليج، كما اتجهت إلى تعزيز نفوذها في دوائر أخرى خارج منطقة الخليج، يتقاطع فيها نفوذها مع النفوذ الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية .
ومن خلال سلسلة تطورات شهدتها المنطقة العربية، برزت متغيرات جديدة، فرضت ذاتها على معادلة أمن دول مجلس التعاون الخليجي بعد ” الربيع العربي “، وجعلتها في مواجهة مباشرة مع إيران ، وابرزها متغيران : الأول ، داخلي يتعلق بمصادر التهديد الداخلية التي فرضت ذاتها خاصة بعد أن ازدادت احتمالات تأثر معدلات الحكم والسياسة في الدول الخليجية الست بما يجري حولها من تغييرات، مما أضعف كثيراً من مقولات ” الخصوصية الخليجية ” أو ” الاستثناء الخليجي ” أو ” حصانة الملكيات العربية ” .
وفي هذا المجال تنظر دول الخليج إلى إيران على أنها أحد العوامل الرئيسية المغذية لهذا النوع من مصادر التهديد، استناداً إلى دورها في الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين، والمستمر حتى الآن من خلال محاولتها لإفشال الحوار الوطني الجاري، وكذلك دورها في تصعيد حالة الحراك في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية .
أما بالنسبة للمتغير الثاني، وهو خارجي ، ويتعلق بعدم قدرة دول الخليج على الاعتماد على ” الأمن المستورد ” كعامل موازن لقوة إيران في المنطقة ، وذلك في ضوء حسابات عدة، منها احتمالات تراجع منطقة الخليج والشرق الأوسط عموماً في أولويات إدارة باراك أوباما الثانية، على نحو ما كشفت عنه الوثيقة الأميركية التي نشرت في العام 2012، والتي كان انتقال الأولوية الأميركية إلى حوض الباسيفيك أبرز النقاط الواردة فيها، ومنها أيضاً تراجع مكانة النفط الخليجي لدى الولايات المتحدة، في ضوء جهودها الحثيثة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من مصادر الطاقة ، لاسيما بعد تجربتها الناجحة في مجال تطوير قدراتها الإنتاجية من النفط والغاز الصخري .
ومن الطبيعي أن تشير كل هذه الحسابات إلى أن دول الخليج، لم يعد بإمكانها الاعتماد على الحليف الأميركي في مواجهة إيران، وانما بات عليها إدارة ” الصراع ” معها بشكل مباشر، على نحو ما كشف عنه تدخل قوات درع الجزيرة في دولة البحرين.
وبالفعل، اتخذ الخليج سلسلة خطوات تمكنه من إدارة “الصراع ” مع إيران، وذلك بدءاً من قرار الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، والذي اتخذ في القمة رقم 32 في الرياض في نهاية العام 2011، والتي بررها العاهل السعودي بأن ” أمن دول المجلس مستهدف ” دون أن يسمي إيران بالاسم.
كذلك اتجهت تلك الدول نحو تطوير القوة الذاتية الخليجية لموازنة قوة إيران، على نحو عبّر عنه قرار القمة 33 التي عُقدت في البحرين في نهاية العام 2012، بإنشاء قيادة عسكرية خليجية موحدة تتولى التنسيق والتخطيط والقيادة للقوات البحرية والجوية في دول مجلس التعاون الست، والقيام بتمارين لقوات درع الجزيرة، بمشاركة قوات برية وبحرية وجوية، وفي أوقات متفاوتة من العام 2013 .
ويبدو أنه في مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، عاد تقاطع المصالح المشتركة الأميركية والأوروبية والخليجية مجدداً؛ ليواجه تداعيات الضربة العسكرية المرتقبة ضد سوريا واحتمالات توسعها إلى حرب اقليمية، خصوصاً بعدما أكد الرئيس باراك أوباما أن مصالح الولايات المتحدة تحتم قيام هذه الضربة.
مضيق هرمز
بعد إعلان إيران دعمها للنظام السوري، ومشاركة الحرس الثوري في القتال مع حزب الله داخل سوريا، بدأ القلق الشديد يساور المعنيين من سياسيين واقتصاديين في دول الخليج من احتمال إقدام طهران على إغلاق ” مضيق هرمز ” الذي يمر فيه 17 مليون برميل نفط يومياً ، أي نحو 20% من مجموع كميات النفط المنقولة بحرياً على مستوى العالم ، الأمر الذي يهدد بأزمة عالمية نتيجة الخلل الذي تواجهه الأسواق بين العرض والطلب بسبب نقص الإمدادات.
وتوقع مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية في الرياض، في حال إغلاق هرمز، أن يرتفع سعر البرميل إلى أكثر من 150 دولار وربما يصل إلى 200 دولار للبرميل الواحد .
وفي رأي المراقبين العسكريين فإن امكانية إغلاق مضيق هرمز واردة، خصوصاً أن عرضه يبلغ 60 كلم وينخفض إلى 34 كلم عند أضيق نقطة فيه، فيما يتراوح عرض مجريي الدخول والخروج كا بين 5 و10 كلم ، الأمر الذي يعني أن غرق ناقلتين من القطع المتوسط كفيل بغلق المضيق أمام الملاحة البحرية، إضافة إلى ما تمتلكه البحرية الإيرانية من امكانيات لمضايقة السفن المارة عبره .
وسبق لمجلس الشورى الإيراني أن صادق في العام 2012 على مشروع قانون يهدد بإغلاق المضيق أمام ناقلات النفط ، رداً على العقوبات الأوروبية ضد النفط الإيراني، وأخذت بموجبه حكومة محمود أحمدي نجاد في ذلك الوقت تفويضاً مفتوحاً لتنفيذ هذا التهديد في الوقت الذي تراه مناسباً، الأمر الذي يزيد من شدة المخاوف الدولية من التداعيات الاقتصادية التي تترتب على الخطوة التنفيذية المرتقبة .
وتدرك إيران ما يتعرض له الاقتصاد العالمي من هزات متتالية، وأهمية النفط كسلعة استراتيجية أساسية تقوم عليها صناعات الدول الكبرى، وما يمكن أن ينتج من آثار سلبية، إذا ما قامت بتنفيذ مخطط إغلاق المضيق الذي ينقل معظم النفط المستخرج بشكل أساسي من كل من المملكة العربية السعودية وقطر والعراق وإيران والإمارات والكويت.
البلدان المتضررة
دول مجلس التعاون الخليجى عامة، والكويت وقطر خاصة، هي الأكثر تضرراً، أما بقية الدول، فهي أقل تضرراً ، إذ يمتلك العراق خطوط أنابيب تمكنه من تصدير النفط عبر الشمال، وإيران تمتلك موانئ تصدير على المحيط.
أما دولة الإمارات، فقد تغلبت على جزء كبير من هذه المشكلة، مع افتتاحها بشكل رسمي خط النفط الخام الذي يصل حقول نفط إمارة أبو ظبي من حبشان إلى ميناء الفجيرة على خليج عُمان، ويبلغ طول هذا الخط 370 كلم، وقد بلغت كلفته 4.2 مليارات دولار، وتبلغ سعته 1.5 مليون برميل يومياً، وقد تصل هذه الكميات إلى نحو 1.8 مليون برميل يومياً، مع العلم أن إجمالي صادرات الإمارات من النفط الخام يصل حالياً إلى 2.4 مليون برميل يومياً، ما يعني أن هذا الخط يستطيع أن ينقل نحو ثلثي الصادرات النفطية الحالية للإمارات.
أما المملكة العربية السعودية، فقد سبقت الإمارات في حل جزءا من المشكلة أيضاً عبر خط الأنابيب السعودي ” شرق – غرب “، والبالغ طوله 1200 كلم، ممتداً من مدينة أبقيق على الخليج إلى مدينة ينبع على البحر الأحمر، وتبلغ سعة هذا الخط 5 ملايين برميل يومياً، وبذلك يصل إجمالي القدرة التصديرية للسعودية والإمارات القادرة على تجاوز مضيق هرمز 6.5 ملايين برميل يومياً.
ولكن، يرى تقرير لشركة الشال الكويتية للأستشارات الاقتصادية، أن التهديد بإغلاق مضيق هرمز إذا نُفذ، سيكون ضرره أكبر على مستهلكي النفط، إذ من المفترض أن يمنع نحو 17 مليون برميل يومياً من المرور إلى الأسواق العالمية، وسيكون أكبر المتضررين في المستهلكين دول آسيا وهي أكبر المستوردين لنفط الخليج، وأهمها الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، وبعضهم صديق ومدافع عن إيران في خلافها مع الغرب .
وأكبر الضرر في جانب الدول المنتجة سوف يقع على إيران، ومن بعدها العراق؛ بسبب أوضاعهما الاقتصادية الصعبة، أما دول الخليج الأخرى، فستكون أقل تضرراً، بسبب ما لديها من فوائض مالية لتعويض نقص حصيلة الصادرات النفطية لبعض الوقت.
حرية العبور
يعُتبر مضيق هرمز أهم أكثر من 43 مضيقاً مائياً تتوزع حول العالم، وتمر عبرها السفن التجارية وناقلات النفط العملاقة والتي تحرك عجلة الاقتصاد العالمي، وتبرز من خلالها أهمية حركة السفن العربية ومن ثم الناقلات الآسيوية والغربية والأميركية، إذ يعبر هذا المضيق ما بين 20 و 30 ناقلة نفط يومياً، محملة بنحو 40% من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم.
وعلى الرغم من وجود أطماع في مضيق هرمز من قِبل القوى الكبرى عبر التاريخ، فإن الملاحة لم تكن عبره يوماً موضوع معاهدة إقليمية أو دولية، إذ كانت تخضع لنظام الترانزيت الذي لا يفرض شروطاً على السفن مادام مرورها يكون سريعاً، ومن دون توقف أو تهديد للدول الواقعة عليه، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه مادام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها.
وتتعاظم أهمية مضيق هرمز في الملاحة الدولية، بالنظر إلى حجم وعدد السفن التجارية التي تمر به وتنوع جنسياتها، كما يكتسب أهميته من كونه يعد بمنزلة عنق الزجاجة في مدخل الخليج العربي الواصل بين مياه الخليج العربي شبه المغلقة والبحار الكبرى على المحيط الهندي، وهو المنفذ الوحيد للدول العربية المطلة على الخليج العربي عدا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية وسلطنة عُمان .
ومن المنظور الجيوبوليتيكي ، تكتسب قضية المرور في مضيق هرمز أهميتها بحكم كون المضيق من الناحية القانونية يُعد من المضائق الدولية التي تخضع لنظام المرور العابر الذي لا تحتاج فيه السفن، بما فيها الحربية ، إلى إذن مسبق لعبوره .
ويرى المراقبون أن إغلاق مضيق هرمز، في حال حدوثه، لن يستمر طويلاً.
وحذر الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة رؤساء أركان الجيوش الأميركية، بما لا يقبل الشك أن بإمكان إيران إقفال مضيق هرمز ” لبعض الوقت “، وأن القوات الأميركية “وضعت قدراتها على أهبة الاستعداد لضمان إلحاق الهزيمة بتلك العملية في حال وقوعها فعلاً “، وشدد على أن بإمكان طهران إغلاق المضيق لكن لا يمكن القبول بذلك، وأن الأمر ليس مجرد عدم القبول من جانب أمريكا وحسب وإنما من جانب العالم”.
المصدر: الأناضول