وصلت الأزمة السورية إلى مرحلة من الجمود بعد ثلاث سنوات من حرب مشتعلة عقب اندلاع الثورة عام 2011 وبعد دخول العديد من المقاتلين الأجانب في كلا الاتجاهين مع الفصائل المسلحة المعارضة والمليشيات الشيعية بجوار قوات الأسد.
لم يفلح التحالف العربي الأمريكي في الإطاحة بالأسد طوال الثلاث سنوات، وسط حالة من التململ الأمريكية والاضطراب تجاه الموقف من الأسد نفس، الحال ينطبق على المعسكر الروسي الإيراني الذي تمسك بالأسد لكنه فشل في إيجاد أي صيغة سياسية لبقائه، واستمر الأمر معتمدًا على الخيار العسكري الذي لم يُحسم حتى الآن.
مع بروز نجم تنظيم الدولة في الوقت الأخير وانشغال الولايات المتحدة وحلفائها العرب في المنطقة بالحرب على التنظيم؛ لاقت الفصائل المعارضة المدعومة غربيًا تجاهلاً كبيرًا، وبات جل الاهتمام الأمريكي منصبًا على محاربة تنظيم الدولة والفصائل الإسلامية على الأراضي السورية، كذلك تقاطعت المصالح الإيرانية مع هذا الأمر وظهرت بعض التفاهمات الإيرانية الأمريكية بشأن شن حرب واسعة النطاق على تنظيم الدولة بالعراق والشام.
حاول النظام السوري استغلال هذا التقارب الأمريكي – الإيراني بتقديم عروض للدخول في مفاوضات مباشرة مع الأمريكيين عن طريق الحليف الروسي المثقل اقتصاديًا والذي لا يجد مخرجًا من الأزمة السورية، حيث اشتمل العرض السوري على تتولى الجبهة البرية الحرب على تنظيم الدولة بينما يتولى التحالف ضد تنظيم الدولة الغطاء الجوي مقابل إيجاد حل للأزمة السورية دون الإطاحة بالأسد، لكن العرض لم يجد صدى – حتى الآن على الأقل – عند الإدارة الأمريكية المضطربة التي تعاني من صراعات داخلية عقب إقالة “تشيك هيجل” وزير الدفاع السابق الذي ما كان ليرضى بمثل هذا العرض مطلقًا.
أما الإيرانيون فهم منشغلون بالوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي وتضاربت الأنباء حول هذه المفاوضات الشاقة بين الغريمين، فلطالما خرجت أنباء عن قرب الوصول لصيغة نهائية لها ثم ما تلبس أن تظهر أنباء معاكسة لتعلن تعثر المفاوضات؛ ما يجعل الأمر معلق حتى الآن.
فكلا الدولتين لا تريدان أن تتخذا موقفًا نهائيًا من الوضع السوري قبيل حسم هذه المفاوضات التي ستكون لها جولة في يونيو القادم؛ فالولايات المتحدة قد تصل إلى تفاهم مع إيران يتضمن التوصل لحل سياسي مع المعارضة السورية أو العكس فتتخلى إيران عن الأسد وفق مصلحتها في برنامجها النووي الإستراتيجي بعد اقتناص مكاسب من الغرب تفوق بقاء الأسد بمراحل؛ فيكون مصير الأسد مشابه لمصير نوري المالكي الذي عول على الإيرانيين في وجه أمريكا لكن الرياح لم تأت بما تشتهيه نفس المالكي، وأُطيح به أمريكيًا وإيرانيًا.
الرؤى المشتركة بين إيران والولايات المتحدة لها إرهاصات ومقدمات كثيرة منها عروض نُقلت عن دبلوماسيين غربيين تُصرح بوجود مواقف إيرانية مرنة تجاه معضلة بقاء الأسد في السلطة مع وجود شبه تعاون في أمر محاربة تنظيم الدولة بعد دخول المستشارين الأمريكيين إلى العراق لقيادة الحرب على التنظيم بموافقة إيرانية معلنة وواضحة.
في ظل ذلك تحاول موسكو اللعب نحو عدة أطراف في المعارضة السورية والنظام والولايات المتحدة، حيث إن لقاءات نائب وزير الخارجية الروسي بقادة المعارضة وحديثه مع النظام ومحاولة مساومة الولايات المتحدة بالموقف من الأزمة السورية يمثل جانبًا مهمًا، فقد عمد الروس إلى التلون كثيرًا في هذه الأزمة؛ ما ساهم في تعقيدها، حيث إن خسارة روسيا لكارت الأسد قد يجعلها محاصرة في قضاياها الاقتصادية والسياسية الأخرى في أوكرانيا.
روسيا تستخدم ورقة الصراع في سوريا للضغط على الولايات المتحدة في قضايا أخرىـ ولكن اقتراب الموقف الروسي حينًا من الموقف الأمريكي في قضية تدمير الأسلحة الكيميائية لم يستمر طويلاً وعادت المواقف إلى التنافر، ولكن الأوضاع الاقتصادية المعقدة في روسيا قد تُعجل باتخاذ موقف من الأسد إما إيجابيُا أو سلبيُا ولكن الأمر يرتهن أيضُا على موقف الحليف الإيراني الغامض – حتى الآن – في ظل محاولات روسية سبق وقد أشرنا إليها للعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة ونظام الأسد.
تبقى المعارضة بين هذا وذاك لا تقدر على شيء من أمرها بعد أن تجاهلها الجميع في مطالبها برحيل الأسد وأصبح هذا المطلب مجرد أداة ضغط سياسية بين الدول الكبرى وبعضها، وأصبح الأمر رهن الموقف النهائي الأمريكي الإيراني أو الموقف الروسي، كذلك النظام السوري الذي يعول على حلفائه المضغوطين إقليميًا ينتظر تهيئة الأجواء لتنحية مطلب رحيل الأسد والدخول في مفاوضات مع المعارضة الخارجية بضم إليها معارضة داخلية صنيعته وشق الصف المعارض لتبرير فشل المفاوضات السياسية.
كل هذا واللاعب العربي فقد كل قوته داخل هذه القضية؛ فبعد دعم بعض الفصائل المسلحة في سوريا قل هذا الدعم حتى قارب أن يتلاشى، ولم تصبح القوة الفعلية على الأرض إلا للجبهات الإسلامية المسلحة التي توصف بالتشدد كتنظيم الدولة وجبهة النصرة تارة وبين النظام الأسدي المدعوم إيرانيًا وروسيًا حتى لا يسقط فقط دون المقدرة على الحسم.
رؤية سوريا بدون الأسد أمر غير محسوم حتى الآن، لكنه مطروح بقوة إذا ما قررت الولايات المتحدة بالتعاون مع إيران ذلك، ولكن في ظل تواجد تنظيم الدولة على الأرض يبقى هذا الخيار علقمًا بالنسبة للولايات المتحدة، فمالم تنته الولايات المتحدة من مشكلة تنظيم الدولة لا يمكنها أن تتخذ قرار الإطاحة بالأسد أو أن الخيار الآخر مطروح بأن القضاء على تنظيم الدولة يتطلب تنسيق مع نظام الأسد وهو التحول الإستراتيجي الذي يتمناه النظام الأسدي لطعن الخنجر الأخير في خاصرة الثورة السورية وهذا الخيار مطروح بقوة أيضًا برعاية روسية.
وبين كل تلك العوامل والمتغيرات تظل القضية السورية رهينة في أيدي القوى العالمية مع تنحية لدور الداخل السوري، ودون النظر لمأساة التمسك بنظام الأسد، وينتظر الشعب السوري حسم تلك القضية التي أودت بحياة ربع مليون شهيدًا منذ اندلاع الثورة وحتى الآن لم يلتفت إليهم أحد من الكبار أثناء مفاوضاتهم.