ترجمة وتحرير نون بوست
حين سُئل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، أثناء مؤتمره الصحافي السنوي، ما إذا كان يخشى “ثورة من داخل القصر” خلال الفترة المقبلة، نظرًا للأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا، ابتسم ببساطة وقال إنه ليست ثمة قصور في روسيا، ولذلك فإن انقلابًا من داخل القصر ليس ممكنًا، لم تكد كلماته تُنقَل عبر وسائل الإعلام حتى امتلأ الإنترنت بصور رجال بوتين المقرّبين الذين تعدهم المعارضة “القصر” الروسي، والذي ربما تكون احتمالات انقلابه على بوتين، أو حدوث انقسامات فيه، أعلى كثيرًا من احتمالات قيام ثورة شعبية في البلاد.
تمر روسيا حاليًا بأسوأ أزمة اقتصادية منذ دخول بوتين إلى السلطة، نظرًا لهبوط أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية الغربية، وهي أزمة كاشفة لضآلة الجهود التي اتخذتها حكومة بوتين لتنويع مصادر الدخل الذي لايزال معتمدًا على النفط والغاز بشكل أساسي، رُغم وجود فرصة لذلك أثناء العقد الماضي نظرًا للنمو الذي شهدته البلاد.
المشكلة الأبرز، رُغم ذلك، ستكون انكماش قيمة الأموال المتاحة بين المليارديرات الروس الكبار، في الواقع، المنطق الأهم خلف العقوبات الغربية التي استهدفت الرجال المحيطين ببوتين كانت إلحاق الضرر بهم بما يكفي ليقوموا هم بالضغط على بوتين، وهو ما يعني أن الأزمة قد تزداد سوءًا إلى درجة أن يجد بوتين نفسه في مشكلة مع رجاله.
يعتقد معظم المسؤولين الروس أن الغرب هو المخطئ الرئيسي فيما جرى في أوكرانيا، ولكن الكثير منهم لا يشعر بالرضا عن الطريقة التي أدار بها بوتين الأزمة، لاسيما وقد أدى صلفه إلى فقدان الكثير منهم لأرباحه وأعماله وقدرته على الحركة من وإلى عواصم الغرب، ورُغم أن هؤلاء لا يتوانون عن القول في العلن بأن ما ضحوا به هو مجرد ثمن بسيط من أجل روسيا، إلا أنهم بعيدًا عن الأضواء لا يفكرون بنفس الشيء، وحتى أولئك المصطفين خلف بوتين قد يبتعدوا عنه يومًا إذا ما أدت سياساته إلى إفلاسهم.
بيد أن الأمر ليس بهذه البساط،.، فبُرج السلطة الذي بناه بوتين يرتبط فيه الكل ببعضه البعض بشكل قوي، وهو ما يعني أن سقوط لبنة واحدة سيؤدي إلى سقوط الجميع، فما بالك لو كانت تلك اللبنة هي رأس الهرم، حاليًا، لا يبدو أن أحدًا قد أطلق العنان لخياله ليفكر في روسيا ما بعد بوتين، وهو في الحقيقة أمر صعب التخيّل بالنظر لهيمنته على مقدرات البلاد في هذه اللحظة، وقدرته على البقاء في السلطة حتى عام 2024 (نظريًا).
البعض في المعارضة يتطلع إلى “ميخائيل خودوركوفسكي”، والذي كان أغني رجل في البلاد في السابق، ويمثل حاليًا نقطة التقاء لكافة التيارات المُعارضة لبوتين، كان خودوركوفسكي قد أمضى عشر سنوات في السجن قبل أن يعفو عنه بوتين العام الماضي ليرع أمه المريضة، وقد تعهّد آنذاك بألا يدخل السياسة مجددًا، لكن الأمور قد تغيّرت الآن على ما يبدو، إذ قال مؤخرًا إنه سيفكر جديًا في رئاسة روسيا لمرحلة انتقالية بعد بوتين، وهو بالطبع أمر شبه مستحيل حاليًا بالنظر لإقامته في سويسرا واحتمالية القبض عليه إذا ما عاد إلى روسيا مجددًا، ولكنه على أي حال يبقى الشخص الوحيد الذي يعرف الجميع أنه قد يكون بديلاً.
ماذا عن احتمالات ثورة من الشارع؟ يبدو أن ثورات على غرار الثورة البرتقالية أو الربيع العربي ليست مرجحة في روسيا، لاسيما وقد كانت هناك شرارة لذلك عامي 2011 و2012 خمدت سريعًا، الثورة الوحيدة التي تبدو لها جذور مؤخرًا هي الثورة العنيفة الشعواء التي كتب عنها أليكساندر بوشكين: ثورة القوى القومية.
لطالما لعب الكرملين بنيران القومية الروسية بحذر، ممسكًا بقوة بلجامها، ولكنه أطلق لها العنان إبان الأزمة الأوكرانية بشكل غير مسبوق، وهو ما ينذر – ربما – بعواقب وخيمة لم تكن موسكو تضعها في الحسبان، يعتقد الكثيرون أن قيادات الميليشيات الروسية في شرق أوكرانيا مهتمون بالأساس بما يدور في كييف، ولكنهم في الحقيقة تراودهم أحلام تصدير الثورة من حيث أتوا: إلى موسكو.
يقول أحد هؤلاء، وهو ضابط روسي سابق، وقائد ميليشيات حاليًا في دونِتسك بشرق روسيا: “لقد صوتّ لصالح بوتين عام 2000، وشاركت في الجهود الروسية في الشيشان مع رجالي، ولكنني الآن أشعر بالخجل، أريد أن أرى نفس ما جرى هنا يجري في ورسيا، ثورة شعبية، للتخلص من الفساد ووضع الجيش على رأس السلطة”.
هذا السيناريو قد يلقى قبولاً لدى الشرائح المؤيدة لبوتين حاليًا، وكذلك لدى الكثيرين من دوائر النخبة العسكرية والاقتصادية الروسية، ولكنه أيضًا لايزال خياليًا، لاسيما وبوتين يتتبعه بدقة، حيث قام على سبيل المثال بإزاحة “إيجور ستريكلوف” من موقعه في شرق أوكرانيا حين ازدادت شعبيته.
يلعب الإعلام الرسمي في روسيا دورًا أسياسيًا في تشكيل الرأي العام، وهي حقيقة يعلمها كل متابعي الشأن الروسي، “من يتحكم في التلفاز هنا يتحكم في البلاد، إذا تسنى للشيوعيين فعل ذلك ستصبح البلاد شيوعية في غضون أشهر، إذا تسنى للفاشيين فعل ذلك ستصبح البلاد فاشية في غضون أشهر، هذه هي طبيعة بلادنا”، مسؤول سابق بالكرملين في حوار مع صحيفة الجارديان في مطلع هذا العام، في الواقع، يتمتع بوتين حاليًا بشعبية كبيرة، ولكن تداعيات أزمة النفط الحالية ستكون ربما أول امتحان جدي له.
حين قال أحد صحافيي رويترز لبوتين إن بعضًا من المقربين منه يلومونه على التدهور السياسي والاقتصادي الذي شهدته موسكو مؤخرًا، رد بوتين مازحًا، “أعطني أسماءهم”.
عمل بوتين بدأب منذ وصوله للحكم على وأد أي عوامل قد تساعد على قيام الثورات الشعبية التي يمقتها، ولكنه الآن أصبح أكثر انتباهًا للاحتمال الأكبر، وهو حدوث انقلاب “من داخل القصر”، قد ينفي بوتين أو يمزح، ولكنه هذه الأيام ينظر للقريبين منه جيدًا أكثر مما ينظر للبعيدين عنه في المعارضة، أو في كييف، أو حتى في واشنطن.
المصدر: الغارديان