ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
بعد التسونامي الذي اجتاح مقاطعة “آتشيه” التي تقع في أقصى شمال جزيرة “سومطرة” الإندونيسية، تمت إعادة إعمار العاصمة “باندا آتشيه” بطريقة مثالية وذلك بفضل جهد يومي دام عشر سنوات.
من الصعب التصور كيف أن أمواجًا بلغ ارتفاعها 30 مترًا قد مسحت المدينة، ولو أن الخسائر لم يعد لها أثر في الشوارع فإن الأشخاص الذين نجوا لاتزال بعض صور هذه الكارثة محفورة في أذهانهم وهم اليوم يحدثوننا عن بعضها.
فوزية تعيش وتعمل اليوم في نفس المكان الذي تواجدت فيه منذ 10 سنوات خلت، هي أم لخمسة أطفال وتعمل في متجر للتحف في منطقة سياحية تحتفظ فوق سقفه بقارب صغير، وهي تستقبل كل يوم عددًا من السياح الذين يأتون من كل البلدان ليستمعوا إليها وهي تقص عليهم ما عاشته.
“لم أر شيئا غير الماء”
“لقد كان صباح يوم أحد، زوجي ذهب إلى السوق بسيارتنا، قبل الثامنة بقليل وقع أول زلزال ولم يكن قويًا، لكن الهزات الموالية كانت أعنف، فحملت ابني ذا الخمس سنوات بين ذراعي وهو يصيح “البحر يتقدم نحونا”.
وتواصل فوزية قصتها فتقول إنها أخذت أبناءها معها واتجهوا جريًا نحو منزل الجيران الذي يتكون من طابقين، مما قد يوفر حماية أكثر من منزلها بفضل ارتفاعه، وبعد أن “صعدت إلى أعلى المنزل ظهرت السفينة من حيث لا أدري”.
“أينما حولت بصري لا أرى إلا الماء، كل شيء اختفى، لقد كان الماء يصل إلى رقبتي وكنت أحمل ابني إلى أعلى لأبقيه خارج الماء، ثم رأيت السفينة التي بقيت عالقة فوق سطح بيتنا تقترب منا بعد أن كسر ابني سقفها فاستطعنا الركوب فوقها ونجونا بفضلها”.
زوجها وأمها وعدد من أقربائها توفوا بسبب تسونامي 2004، وهي توضح كيف أنه ليس بالضرورة أن يأتي كل هؤلاء الزوار إلى ذلك المكان: “عندما أنظر إلى السفينة فإني أتذكر أحيانًا التسونامي، أعرف أن ذلك قد مضى عليه وقت طويل وعليّ أن أتوقف عن التفكير فيه بكثرة، ولكني عندما أرى الناس يأخذون الصور التذكارية فوق السفينة وهم يبتسمون يُصيبني الحزن، حتى لو أني نجوت فإني إحدى ضحايا التسونامي ولقد خسرت الكثير في ذلك اليوم، ورؤية الناس وهم يستمتعون هناك يجعل مزاجي مضطربًا”.
“رأيت بعيني كيف أن عائلتي تذهب بلا رجعة”
محمد كان عمره 15 سنة وقد خسر كل عائلته يوم 26 ديسمبر 2004، ففي صباح ذلك اليوم تناول فطوره مع أبيه وأمه وأختيه، وقد أحسوا بالزلزال وخرجوا مسرعين من المنزل ليخبروا به جيرانهم، “كل شيء وقع على الأرض وكان الناس خائفين، والداي وأختاي التفوا حول بعضهم وأنا لم أقدر على التحرك بفعل الصدمة، عندما وصل الماء إلى شارعنا أخذت أمي تصيح “اجري يا بني اجري” فأخذت أجري ورأيت كيف ابتلع البحر كل أفراد عائلتي”، كذلك محمد ابتلعته موجة بلغ ارتفاعها 4 أمتارًا، وقد وصف لنا ما رآه: “وجدت نفسي تحت الماء مع جذوع الأشجار والفضلات، اعتقدت أنني سأموت ولكني فعلت ما يجب أن أفعله وحبست أنفاسي وطفوت فوق سطح الماء”، وقد عاش محمد مع عمته، الناجية الوحيدة من عائلته.
محمد هو اليوم طالب في الجامعة ويعمل بقية وقته في مقهى وسط “باندا آتشيه” وفي وقت فراغه يتجول في “آتشيه”، “لا .. أنا لا أخاف المحيط، كل ما حدث هو قدر الله، كنت مستعدًا للاستسلام يومها، ولكني اليوم لا أريد أن أفكر في ذلك، الآن أريد أن أفكر بمستقبلي”.
أرواندي يوسف، حاكم سابق لمقاطعة “آتشيه”، كان يقضي عقوبة في السجن بتهمة التمرد على الدولة في جاكرتا وقت الزلزال، هذا المقاتل في الحركة الانفصالية المسلحة “حركة آتشيه الحرة” نجح في الهروب من السجن والنجاة من التسونامي.
“لقد كان أكبر زلزال رأيته في حياتي، لقد شعرت بأن تسونامي سوف يحدث وقد قلت ذلك لكل المساجين، ولكن كثيرًا منهم لم يكن يسمع من قبل عن هذه الظاهرة، فقلت لهم: سوف ترون كيف أن البحر سيرتفع وأن كل الطيور ستتجه نحو اليابسة، وهذا ما حدث بالفعل”.
ويواصل “أرواندي” سرد قصته قائلاً “إن أحد المساجين صعد فوق عامود موجود وسط باحة السجن وبلغ ارتفاعًا كبيرًا مما مكّنه من رؤية الأفق والأمواج التي كانت تتوالى”.
“علبة سجائر”
أُصيب الناس بالهلع وتدافع كل المساجين نحو الباب الرئيسي ولكن الأبواب تُركت مغلقة خوفًا من أن يفر المساجين، فقرر “أرواندي” أن يجري في الاتجاه المعاكس وصعد الطابق الثاني لإحدى المباني برفقة رجل آخر.
“لقد وقع السقف على الأرض وكانت هناك فتحة في جانب المبنى وكان مستوى الماء يصعد، ويصعد، ويصعد، السجين الذي كان معي كان خائفًا جدًا وأخذ يبكي، فقلت له: لا تبك، نعم .. نحن سنموت اليوم، ولكن لا تبك لأن عائلتك عندما تعثر على جسدك يجب ألا تجد وجهك باكيًا هذا فظيع، وكان الماء يصعد بسرعة وشعرت بالخوف، ولكن تلك الكلمات التي قلتها أعادت إليّ الشجاعة وواصلنا التسلق إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه”.
نجح الرجلان في الوصول إلى الطريق، قال “أرواندي” أنه مشى ساعات في الماء حتى وجد عائلته، و بعد التسونامي بثلاثة أيام هرب يوسف إلى جاكرتا لأنه كان مطلوبًا من قبل السلطات.
“لقد تمكنت من الذهاب إلى منطقة (ميدان) بالحافلة ولقد اعترضتنا حواجز الشرطة، عندما شاهدت يومها الماء وهو يقترب أخذت هاتفي الجوال ووضعت علبة الـ (مارلبورو) في وعاء بلاستيكي؛ احتياطًا، هذه العلبة أنقذتني بشكل ما، بطاقات الهوية في آتشيه كانت في تلك الفترة حمراء وبيضاء، فكنت إذا صعد أعوان الشرطة للحافلة ليتثبتوا من بطاقات الهوية، أقول في نفسي: يمكنني أن أحاول، وكنت أظهر علبة الـ (مارلبورو) ذات اللونين الأحمر والأبيض من بعيد ولم يدققوا النظر فيها لمرتين، لقد نجوت.