نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالًا للأكاديمي والباحث “هـ. أ. هيلر” والذي قال فيه أن محمد مرسي – رئيس مصر حينها وسجينها الآن – قام قبل بوضع المسمار الأخير في نعش التعاون بين الإخوان المسلمين والثوار غير الإسلاميين الذين قادوا الثورة للإطاحة بالرئيس حسني مبارك في عام 2011، قام مرسي آنذاك في خطوة متعالية تحدى بها الشعب، بمنح نفسه كرئيس للدولة الحق بالتحرر من الرقابة القضائية؛ مما أثار احتجاجات كبيرة ضد حكومته، وفي أعقاب ذلك، تم اتهام أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بالاعتداء على عشرات المُحتجين من معارضي حكم مرسي؛ مما أدى بشكل طبيعي إلى تبخر الثقة ما بين الثوار والإخوان، ولكن البعض يتكهن الآن، وبعد الأحداث التي طرأت في الأسابيع الأخيرة، بأن العلاقة القديمة ما بين الثوار والإخوان قد تعود مجددًا إلى مسارها الصحيح، ولكن في الحقيقة هذا الأمر مشكوك بصحته.
وأضاف هيلر، مؤخرًا، وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قامت محكمة جنايات القاهرة بإسقاط التهم عن الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتبرئته من تهمة التواطؤ على قتل مئات المتظاهرين في ثورة يناير عام 2011؛ مما دفع ببضعة آلاف من الناشطين غير الإسلاميين إلى الاحتجاج على هذا القرار قرب ميدان التحرير، وبعد ساعات من بدء الاحتجاجات، انضمت مجموعة صغيرة من مؤيدي مرسي إلى المحتجين غير الإسلاميين، وهذه هي المرة الأولى – منذ الانتخابات الرئاسية عام 2012 والتي أسندت لمرسي مقاليد الحكم – التي يجتمع بها قطبا المعارضة اللذان أشعلا فتيل ثورة يناير وأطلقا انتفاضة عام 2011.
ويرى الكاتب أن الجماعات الثورية غير الإسلامية قد نشأت في خيم الثورة المصرية التي اعتصم بها المعارضون لحكم مبارك قبل اندلاع ثورة يناير 2011، وهذه الجماعات مؤلفة من ناشطي حركات الحقوق السياسية والمدنية، مثل ناشطي حقوق الإنسان والمثقفين والجماعات السياسية غير الإسلامية، أما التحالف المؤيد للرئيس السابق محمد مرسي فقد هيمن عليه حزب الإخوان المسلمين، والذي يُعد أقوى التكتلات الإسلامية في مصر، وعقب استلام السيسي لحكم مصر أصدر قرارًا أعلن فيه جعل حزب الإخوان المسلمين هو وأحزاب إسلامية متحفظة صغيرة أخرى، أحزابًا مناهضة للقانون.
كما أكد على أنه ليس هنالك من شك بأن الأطراف التي قادت ثورة 25 يناير 2011 هي جماعات غير إسلامية ذات اتجاهات ديمقراطية، مثل حركة شباب 6 أبريل، أما بالنسبة لحزب الإخوان، فمثله مثل الأحزاب والجماعات المصرية الأخرى، لم يؤيد الاحتجاجات ويشارك بها، إلا بعد أن أصبح من الواضح أنها ستُشكّل تأثيرًا جوهريًا على مستقبل مصر، والحق يُقال، أنه في حال لم تشترك هذه القوى الائتلافية الواسعة ضمن احتجاجات يناير 2011، لكانت الانتفاضة قد فشلت في التوصل إلى مرحلتها الحرجة والتي أدت فيما بعد إلى سقوط مبارك.
وفي حديثه عن الانتخابات الرئاسية أشار هيلر إلى أنه وبعد حوالي عام ونصف العام من اندلاع الاحتجاجات تم إجراء أول انتخابات رئاسية مصرية حرة، ويشير أغلب المتابعين بأن الثوار غير الإسلاميين أيّدوا مرسي في الانتخابات الرئاسية، كونه كان “أهون الشرين”، وذلك بالمقارنة مع أحد أزلام النظام المخلوع “أحمد شفيق” رئيس وزراء نظام مبارك السابق، والذي رشّح نفسه لمنصب الرئاسة في مواجهة مرسي، لذا لم تجد الجماعات غير الإسلامية منفذًا سوى دعم مرسي للفوز بانتخابات الرئاسة.
كما ذكر هيلر أن الخلاف ما بين المعسكر الثوري والإخوان لم يقتصر على هذين الموقفين، بل استحكم العداء ما بين الطرفين في الكثير من المواقف الأخرى، فمنذ بدء الاضطرابات السياسية في مصر ووصولاً إلى مرحلة الإطاحة بمبارك في فبراير/ شباط عام 2011، كان الثوار يدعمون الدستور المعدّل، حيث كانوا يأملون أن يؤسس هذا الدستور لبداية جديدة للبلاد، عن طريق إدخال إصلاحات هيكلية رئيسية على نظام الحكم، وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية ومسائلة الحكومة، كما أن أغلب الثوار غير الإسلاميين رفضوا أن تتم عملية التحوّل السياسي من خلال المؤسسة العسكرية، أما الإخوان فقد انتهجوا نهجًا مخالفًا تمامًا، فقد اختاروا التماشي مع العسكريين الذين تولوا السلطة بعد الإطاحة بمبارك، حيث أيّد الإسلاميون خارطة الطريق التي تتضمن التعديلات الدستورية التي اقترحتها المؤسسة العسكرية، وذلك أملاً منهم بأن يستطيعوا تدريجيًا إدخال أنصارهم ضمن المستوى الأعلى من مؤسسات الدولة، بدون الحاجة لاستبدال هذه المؤسسات بشكل تام، وبالفعل، ظهرت نتائج خطط الإخوان المسلمين بفوز مرسي بالرئاسة، وحينها قاوم الإخوان إصلاح القطاع الأمني، الذي كان إصلاحه جزءًا لا يتجزأ من مطالب الثورة التي أدت أساسًا إلى تقلّد الإخوان لرئاسة مصر.
ويرى الكاتب أن ما بين عامي 2012 و2013 كانت رؤية الثوار للمرحلة المقبلة من الثورة تتمثّل في إجراء إصلاحات شاملة لمؤسسات الدولة – بما في ذلك الشرطة والجيش -، أما بالنسبة لجماعة الإخوان فكانت رؤيتهم للمستقبل تتمثل بتعيين أنفسهم أو أنصارهم محل رجالات النظام القديم، أوعلى الأقل، هذا ما يعتقده الثوار، وحينها انتهت علاقة الحب قصيرة الأجل ما بين الإخوان والثوار، فبعد خمسة أشهر فقط من استلام مرسي لدفة الحكم، خذل الأخير حلفاءه الثوريين عندما أصدر مرسومًا رئاسيًا يقضي بوضع قراراته فوق القانون، وفوق أي مراجعة قضائية، كما تسرّع مرسي بإصدار الدستور المعيب الذي اعتوره العديد من الأخطاء، وعقب ذلك، تمادى الرئيس الجديد إلى أبعد حد، عندما قام بإلقاء القبض على بعض الثوار الذين أيّدوه في الانتخابات بتهمة الاحتجاج ضد قراراته.
وأضاف أنه ومنذ ذلك الحين، بدأ القمع السياسي ووحشية الشرطة والعسكر بالظهور والتعاظم، هذه الممارسات المدعومة من النظام الجديد المؤيد برجالات نظام مبارك القديم، وفي هذه المرحلة يجد الإخوان أنفسهم بذات خندق الثوار تبعًا لمحاربتهم بالقانون الذي يقيّد بشدة الحق في التظاهر والاحتجاج، تمامًا كما كان الوضع عليه في أيام مبارك، حيث تجد نشطاء حقوق الإنسان اليساريين يقضون أيامهم جنبًا إلى جنب في سجون النظام مع الإسلاميين، ولكن هل هذا يعني أنه من الممكن للثوريين والإسلاميين أن ينبذوا خلافاتهم واتباع سياسة عفا الله عما مضى؟
ويقول هيلر، أنه منذ الاطاحة بمرسي على يد الجيش، حاول الإخوان أن يشكلوا ائتلافًا مناهضًا للانقلاب على الشرعية “كما يسميه الإخوان”؛ مما ساعد على إنشاء مجموعات مثل (المجلس الثوري المصري)، الذي يُعتبر بمثابة مجموعة ضغط (لوبي) تركّزت جهودها – في الغالب – بالضغط على الحكومات الغربية للتشهير بالنظام المصري الجديد وحلفائه من غير الإخوان، ولكن جهود هذه المجموعات باءت جميعها بالفشل، حيث لم يستطع الإخوان كسب أي تأييد لحملتهم سوى من الشخصيات المؤيدة لمرسي من الإسلاميين بشكل عام والإخوان على وجه الخصوص؛ لذا أصبح الجمهور المصري ومعظم المجتمع الدولي ينظر للاحتجاجات التي قام بها هؤلاء المعارضون منذ 18 شهرًا وحتى الآن، على أنها احتجاجات مناصرة لحكم الرئيس المخلوع مرسي، بدلاً من وصفها بأنها احتجاجات مطالبة بالديمقراطية.
كما ذكر أنه وفي حال تمت إعادة تأسيس أواصر الارتباط ما بين الثوار والإخوان، فإن جماعة الإخوان ستكون قادرة على تغيير هذه النظرة التي رسمها لهم المجتمع المصري والدولي، كون التعاون ما بين هذين القطبين يمكن أن يزيد الضغط الدولي تجاه القضية المصرية، كما أنه سيوجّه رسالة موحدة لوسائل الإعلام، وهذا التعاون سيؤتي بثماره بالنسبة للثوار كونهم سيستفيدون من آلية التعبئة الجماهيرية التي يمتلكها الإخوان، وهي الآلية التي لم يتمكن المعسكر الثوري من إنتاجها خلال الفترة الطويلة الماضية، وعلى الرغم من أنه من غير المعروف حاليًا فيما إذا كان الإخوان مازالوا يتمتعون بهذا الزخم الجماهيري الحاشد والفعّال عقب الحملة العسكرية القاسية التي تعرضوا لها على يد الجيش على مدى الستة أشهر الماضية، ولكن بجميع الأحوال فإن آلية التعبئة الجماهيرية مازالت موجودة لدى الإخوان، ويمكن الاستفادة منها بالمستقبل لتنشيط الاحتجاجات أو لتعبئة الناخبين في الانتخابات.
وعلى الرغم من ذلك فإنت الكاتب رأى أن هناك العديد من العقبات التي ماتزال في طريق السعي نحو ذلك التعاون، فقد أشار إلى وجود محاولات عديدة من جماعة الإخوان لتصحيح صورتها، فقد أصدرت عددًا من البيانات التي تعترف فيها بأنها ارتكبت بعض الأخطاء ما بين عامي 2011 و2013، ولكن فئة قليلة فقط من الثوار هم من اقتنعوا بصدق هذه التصريحات، واعتبروها تعبيرًا عن أسف الجماعة عن اتخاذ قرارات تكتيكية خاطئة، مثل الثقة بالمؤسسة العسكرية لتدعيم حكم الرئيس المخلوع مرسي، ولكن الفئة الأكبر من المعسكر الثوري شككت بنوايا الإخوان، كونها تعتبرهم غير قابلين للإصلاح أو التغيير، وهذه الفئة العظمى تشير إلى أن هناك خلافات أساسية ما بين الإخوان والثوار متعلقة باختلاف وجهات النظر في الدين وسيادة القانون والحاجة إلى الإصلاح الهيكلي والتقدمية، فالثوار يدعون لمجتمع يتميز بقضاء مستقل، وأجهزة أمنية تحترم حقوق الإنسان، ويشككون بأن الاهتمام الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين هو السيطرة على هذه المؤسسات وجعلها تابعة وداعمة لحكمهم.
كما أضاف أن الإخوان قد أشاروا في أحد بياناتهم بأنهم ليسوا الحزب الوحيد الذي أخطأ، حيث وجّه الحزب أصابع الاتهام إلى الطرفين عن الأخطاء المرتكبة ما بين عامي 2011 و2013، مشيرين بذلك إلى أن المعسكر الثوري هو الذي هلل أساسًا في يونيو 2013 لانقلاب الجيش على الحكم الشرعي للرئيس مرسي، وهذا السلوك أدى إلى تنظيم احتجاجات ضخمة أدت إلى استلام العسكر لحكم مصر، (علمًا بأن هذا الاتهام ليس دقيقًا، كون معظم القوى الثورية دفعت باتجاه تخلي مرسي عن الرئاسة قبل انتهاء مدته الرئاسية، سواء عن طريق إجراء انتخابات مبكرة أو عن طريق الاستقالة، وهم بالواقع لم يدفعوا باتجاه الإطاحة بالحكم العسكري، وعقب خلع مرسي من الرئاسة على يد قيادة الجيش وإصدار تصريحات بأن الجيش سيتدخل مباشرة لفض الاحتجاجات، فترت حماسة العديد من المجموعات الثورية تجاه الاحتجاجات، على الرغم من أن الثورة اندلعت أساسًا لترفض تقييد الحق بالاحتجاجات).
ويرى الكاتب أنه وكرد على تصريح الإخوان أشار الثوار إلى صدق نية المعسكر الثوري، حيث كان الثوار غير الإسلاميين وأنصارهم من جماعات الحقوق المدنية من بين أشد المدافعين عن حقوق الإنسان، حين بدأ الجيش وقوات الأمن بحملاتهم الساعية لسحق جماعة الإخوان المسلمين وأنصار مرسي، ويشدّد الثوار على أن معارضة التنكيل بالإخوان المسلمين وبأنصار مرسي لم تكن مجرد دعم خطابي لحقوق الإنسان، كون الجماعات المؤيدة لمرسي وبعض أعضاء الجماعات الثورية اتصلت مع بعضها البعض إما عن طريق أطراف ثالثة أو عن طريق طلاب الجامعات الذين عارضوا ممارسات الحكومة الحالية من خلال احتجاجاتهم في حرم الجامعة.
ولكن الكاتب رأى أن هذا الدعم لم يحصل على نطاق واسع، نتيجة لرفض جماعة الإخوان للمطالبات المتكررة من الثوار والتي تهدف إلى إصدار اعتذار كامل من قبل الإخوان لممارساتهم خلال عامي 2011 و2013 مع ضمانات بعدم تكرار هذه الممارسات، وخاصة الممارسات العنيفة التي قاموا بها ضد المعارضين والتحريض الطائفي والسياسات الإقصائية التي اتبعوها خلال تلك الفترة، وعلى الرغم من ظهور مجموعة دعت نفسها بمجموعة (شباب الإخوان المسلمين) التي اتجهت إلى الاعتراف بجميع الأخطاء التي ارتكبها الإخوان خلال الفترة الماضية، وليس فقط الاعتراف بالأخطاء التكتيكية البسيطة التي تعترف بها جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن قيادة الإخوان رفضت الاعتراف بهذه المجموعة.
وشدد الكاتب على أن إعادة تشكيل الحلف الثوري – الإخواني قد يحمل مخاطرًا لكلا الطرفين، كون هدف الإخوان من التحالف يتمثل بتعزيز تماسك التحالف المناهض للانقلاب، وهذا الهدف لن يتحقق فيما لو استمر الإخوان برفض تلبية المطالب الثورية عبر إنكارهم للأخطاء التي ارتكبوها خلال الفترة الماضية، كما أن الارتباط ما بين الثوار والإخوان قد يخلق انشقاقًا في الصفوف الثورية في حال لم يتم إصلاح وضع حزب الإخوان المسلمين، وهذا سيعزز حملة التشويه التي ستقودها وسائل الإعلام المصرية ضد المعسكر الثوري، خاصة في ظل أن حزب الإخوان المسلمين هو حزب محظور قانونًا في مصر، وهذا يعني أن الشراكة معه تحمل مخاطر قانونية قد يكون الثوار بغنى عنها.
وعن رأيه في الفكر السياسي الحالي لكلا الجماعتين، أشار الكاتب إلى أن الإخوان مقتنعون (على عكس معظم المراقبين) بأن غالبية الشعب المصري لايزال يدعمهم، وبالتالي فإنهم ينظرون إلى الحكومة الحالية على أنها على فراش الموت، لذا فإن الإسلاميين يرون بأن أي تحالف مع المعسكر الثوري سيسرّع من انهيار النظام، على الجانب الآخر، يدرك معظم الثوار أن النظام السياسي الجديد مازال في أوجه، ومع ذلك، يتساءل العديد من الثوار”سرًا” عن مدى قدرة المشير الذي تحول إلى رئيس (عبد الفتاح السيسي) على إكمال ولايته بالنظر إلى التحديات الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها البلاد، وبالنسبة لهؤلاء فإن هذه التحديات قد تفسح المجال أمام الانفتاح السياسي على المدى الطويل.
وختم الكاتب مقاله بالتنويه إلى أن تشكيل أي جسم سياسي صحي مصري يتطلب التعايش المشترك ما بين جميع مكونات الشارع المصري، مؤكدًا على أن يكون فيه الإسلاميون وغير الإسلاميين وأنصار الثورة وخصومها جميعًا جنبًا إلى جنب، وهذا يصعب تحقيقه بدون إجراء تغييرات جوهرية على هيكل هذه الجماعات داخليًا، وعلى الخط السياسي العام الذي ينتهجونه، كما أنه يصعب على جميع هؤلاء الفرقاء العمل – ضمن الوضع الحالي – على قضية مشتركة تسعى لتحقيق أهداف تقدمية حول سيادة القانون ومساءلة الحكومة ومرعاة حقوق الإنسان الأساسية والحقوق المدنية في مصر.