ترجمة وتحرير نون بوست
كانت سنة 2014 سنة متعلقة بالصحة بشكل كبير، أو بالأحرى بالأزمات الصحية المتواترة، حيث خلّف وباء الإيبولا في غينيا وليبيريا وسراليون ما يتجاوز الـ 7000 ضحية؛ ما أدى إلى تفاقم المخاوف التي تصل إلى حد الهيستيريا في بعض المناطق من العالم.
تمركز انتشار الفيروس خصوصًا في الدول الثلاث الواقعة غربي القارة الأفريقية؛ مما تسبب في تدهور اقتصادهم كما أدى إلى تأجيل الانتخابات، والعجيب في الأمر هو أنه عوضًا عن الهروب من مناطق انتشار الفيروس، سارع العديد من العاملين بالمجال الصحي نحوها؛ مما جعل منهم شخصية العام لـ “مجلة التايم”.
ولايزال العالم يعج في سنة 2014 بالصراعات المسلحة والأزمات الأمنية، من الشرق الأوسط إلى أفريقيا مرورًا بأوكرانيا وصولاً إلى المكسيك؛ ففي أوكرانيا اندلعت حرب أهلية تطورت إلى نزاع إقليمي مع روسيا تسبب في ركود للاقتصاد الأوكراني.
وفي سوريا والعراق أيضًا لا يخفى على أحد ارتقاء داعش إلى هرم السلطة، باسطة سيطرتها على مساحات وأراض شاسعة بالبلدين كما سيطرت على اقتصادهم المحلي أيضًا، دون أن ننسى ختامًا العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة المحاصر، والذي دمر جل مقومات الحياة الاقتصادية بالقطاع؛ ما انعكس على العدو بالتالي بتوقف نمو اقتصاده.
كما كانت سنة مليئة بالتداعيات النفطية خصوصًا فيما يتعلق بالأسعار، حيث بلغ سعر برميل النفط الخام في يونيو/ حزيران سقف الـ 100$ ليتراجع في الآونة الأخيرة إلى حد الـ 60$، الأمر الذي اعتبره البعض مفاجأة فيما كان أمرًا منتظرًا بالنسبة للبعض الآخر، كانت النتائج الاقتصادية محسوسة من الولايات المتحدة إلى السعودية ومن روسيا إلى فينزويلا؛ الأمر الذي أسال الكثير من الحبر والتساؤلات حول سبب ودلالات هذا الانخفاض في الأسعار.
أما بالنسبة لسوق الأسهم لهذا العام فقد كانت سنة ارتفاع قيمة الأسهم الأمريكية والهندية، وتراجع قيمة الأسهم الروسية والألمانية، كما شهدت هذه السنة العديد من الرابحين والخاسرين الآخرين، فعكست تداولات الأسهم التفاوت العالمي في نمو اقتصاد الدول وتفاوت السياسات المالية التي من المُنتظر أن تستمر خلال 2015.
ومن جهتهم، يتّخذ محافظو البنوك المركزية حول العالم مختلف القرارات في سبيل إدارة أنظمتهم النقدية، كما يسعى السياسيون لإيجاد سبل جديدة لإعادة تنشيط نمو ميزانياتهم وتحقيق توازنها.
فيما اُعتبرت المسائل الثلاث السالف ذكرها بمثابة العاصفة المثالية بالنسبة لروسيا التي يعاني اقتصادها جرّاء العقوبات الدولية إثر تدخلها في الشأن الأوكراني إضافة إلى تراجع أسعار المحروقات، فإن ما زاد الطين بلة هو أن هذه المسائل تزامنت مع تراجع قيمة الأسهم الروسية؛ مما تبلور في أزمة عملة شاملة تجلت من خلال تدهور قيمة الروبل الروسي بحوالي 50% في سنة واحدة.
2014، كانت أيضًا سنة الانتخابات ذات الخلفيات الاقتصادية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، البرازيل، والهند، حيث كان الفوز من نصيب “ناريندرا مودي” في الانتخابات الهندية نظرًا لتطلعات الشعب الهندي لبرنامجها الرامي إلى إنعاش اقتصاد البلد، كما أُعيد انتخاب “ديليما روسيف” كرئيسة للبرازيل رغم جمود اقتصاد البلد، في حين استولى الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ الأمريكي رغم تحقيق نمو سليم بنسبة 3% في ظل حكم الرئيس أوباما.
ومؤخرًا، فاز الوزير الأول “شينزو آبي” بالانتخابات البرلمانية المبكرة باليابان للمرة الثانية ليثبت أن الشعب الياباني مازال يؤمن بفلسفة آبي الاقتصادية.
وشهدت سنة 2014 اضطراًبا على صعيد التكنولوجيا العالمية، حيث حصل موقع “علي بابا” الصيني للتسوق عبر الإنترنت على أكبر “طرح أولي عام” بالعالم ليبلغ ارتفاعًا بقيمة 25 مليار دولارًا في بورصة نيويورك.
كما حققت شركة خدمات التاكسي الأمريكية “أوبر” أرباحًا بقيمة مليار دولارًا لتصبح الشركة التكنولوجية الأكثر رواجًا بعد الفيسبوك، ولكن بعض الأخبار لم تكن مُفرِحة، حيث وقع إقصاء “اوبر” في مدن من ديلهي إلى لاس فيغاس بعد مواجهة موجة من الانتقادات حول ممارساتها، في حين خضعت شركات أخرى رائدة في مجال “الهاي تاك” إلى فحص دقيق من قِبل أولائك الذين يسنون القوانين بأوروبا، حيث أُثيرت مسألة وجوب إنهاء احتكار التكنولوجيات المتقدمة.
وفي المجال الرياضي، كانت هذه السنة كذلك سنة الساحرة المستديرة (أي كرة القدم)، التي لاقت استحسانًا كبيرًا لما وفرته بطولة كأس العالم من متعة في شتى أرجاء المعمورة، لكنها لم تلاق استحسان البعض في بلد عشاق كرة القدم الذين طالبوا بصرف الأموال الطائلة على تحسين الخدمات العامة بالبلاد على حساب استضافة كأس العالم.
في حين تسبب إسناد الفيفا لكل من روسيا وقطر شرف تنظيم دورتي المونديال القادمتين في طرح العديد من التساؤلات وفتح التحقيقات في الفساد، وكان من تبعات ذلك فسخ العديد من الشركات لعقود الرعاية التي تساوي مئات ملايين الدولارات مع الفيفا.
أما بالنسبة لعالم المال والضرائب، كشف ما يسمى بـ “تحقيق تسريبات لوكس” من قبل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين عن العديد من الاتفاقيات الضريبية السرية التي أبرمتها شركات بلوكسمبورغ، حيث ناقشوا أخلاقيات الضرائب المثلى عبر الشركات متعددة الجنسيات، وبشكل أشمل، بادر الخبير الاقتصادي الفرنسي “توماس بيكيتي” بالمناظرة الاقتصادية عبر كتابه “الرأس مالية في القرن الـ 21” الذي يقول فيه إن ارتفاع التفاوت في الدخل بشكل متزايد يعيق العالم من تحقيق أي تقدّم.
وفي النهاية نشير إلى أن سنة 2014 كانت أيضًا سنة الرجوع بذاكرة التاريخ إلى واقعة سقوط جدار برلين منذ 25 سنة والذي أدى إلى تفكك الاتحاد السوفياتي وإلى الترابط الاقتصادي بين أوروبا الشرقية والغربية، ورجوعًا إلى مئة سنة مضت حين زجت أوروبا بنفسها في أولى الحربين العالميتين، منهية عصر العولمة، محولة الاقتصاد الأوروبي إلى اقتصادات حرب، يمكن أن نطرح سؤالاً ملحًا: “هل تؤول الأوضاع إلى تكرار تلك الحروب؟”.
المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي