اعتقلت السلطات الموريتانية الشاب “محمد الشيخ بن محمد ولد امخيطير” في شهر يناير الماضي بتهمة الإساءة إلى الدين الإسلامي والاستخفاف بالرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – وذلك على خلفية مقال كتبه الشاب نُشر على عدة مواقع إلكترونية موريتانية.
المقال ضعيف البنية اللغوية بدا محاولة من كاتبه للفهم، إذ قارن بين تصرفات رآها متناقضة أوردتها كتب السيرة النبوية، فقارن بين تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هند بنت عتبة، ومع عبدها وحشيّ وكلاهما شارك في قتل حمزة بن عبدالمطلب، أو بين وحشيّ وبين خالد بن الوليد، كما قارن بين قتل النبي ليهود بني قريظة وعفوه عن مشركي مكة.
لاحقا كتب الشاب مقالاً “توضيحيًا” بعد الهجوم العنيف الذي لاقاه من المجتمع الموريتاني بعد نشر مقاله الأول أكد فيه عدم توجيه الإساءة للرسول – صلى الله عليه وسلم – وإنما الغرض من كلامه توضيح وقائع تاريخية حسب قوله.
وجاء في المقال التوضيحي على لسان الكاتب “لم أسيئ فيما مضى عن قصد أو عن غير قصد للرسول صلى الله عليه وسلم ولن أفعل مستقبلا، ولا أؤمن أن في هذا العالم من هو أكثر مني احتراما له صلى الله عليه وسلم.”
وتابع يقول “إلى الطيبين الذين أوصل لهم الخبر الملفق فقط: اعلموا أنني لم ولن أسيئ للنبي صلى الله عليه وسلم وأنني أتفهم جدا حجم غيرتكم للرسول الكريم والتي هي تماما كغيرتي وحبي له، وأننا جميعا في مستوى واحد للدفاع عن كل مساس بمقدساتنا.”
وفي 24 ديسمبر الجاري أصدرت محكمة مدينة نواذيبو حكمًا على ولد أمخيطير بالإعدام بعد توجيه الاتهام له “بالردة”، بينما أكد المحامون أعضاء لجنة الدفاع عن الشاب أنه أعلن توبته عن هذه الكتابات وأنه لم يقصد أي طعن في الدين فيما لم تأخذ المحكمة هذه التوبة بعين الاعتبار أثناء إصدار الحكم عليه.
هذا وينص القانون الموريتاني على عقوبة الردة صراحة “بالإعدام لكل مسلم رجل أو امرأة يتخلى عن الإسلام علنا أو عبر أفعال أو أقوال”، وهو النص القانوني الذي استندت إليه المحكمة في إصدار حكمها الأخير.
لاقى المقال هجومًا كبيرًا من المجتمع الموريتاني إلى الحد الذي خرجت فيه مظاهرات تطالب بمحاكمة الشاب بتهمة الردة، بل وخرجت تظاهرات عدائية تجاه من يتطوع للدفاع عن الشاب أمام المحكمة بعد إلقاء القبض عليه، وذلك حسبما صرح أحد المحامين الموكلين من قبل أسرة الشاب والذي تخلى عن الدفاع عنه في هذه القضية خشية أعمال عدائية تجاهه شخصيًا أو تجاه أسرته بعد حالة الاحتقان التي يشهدها الشارع الموريتاني ردًا على هذا المقال، الأمر الذي يؤكد أن القضية أخذت بُعدا شعبويا كبيرا، فقاعة المحكمة ارتجت فرحًا عقب إصدار حكم الإعدام على الشاب الذي أُصيب بالإعياء عقب سماعه النطق بالحكم.
وقد أُشيع أن داعية موريتاني قد أعلن عن مكافأة قدرها 4 آلاف يورو لمن يقتل الشاب “محمد بن الشيخ بن محمد” إذا لم يعلن توبته.
لا شك أن القضية بها بعض من مسحات السياسة التي أراد الشاب توضيحها فيما بعد، فالشاب أكد أنه ينتصر لطبقة المحكومين الذي يتعرضون لظلم من الطبقة الحاكمة باسم الدين عن طريق موروثات دينية قديمة مدخلة على الدين – هكذا كان رأي الشاب في مقاله المثير للجدل – أما الأمر الذي جعله لم يستطع الإفلات من الاتهامات الموجه له بالإساءة للنبي هو استشهاده بمواقف من السيرة تدلل على وجهة نظره حسبما أراد وهو أمر أدى إلى استثارة الجموع ضده.
كان للحكم أصداء دولية في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحقوقية، حيث اُستنكر اعتقال الشاب لمجرد تعبيره عن رأيه، هو ما نفته الحكومة الموريتانية، التي أكدت على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة أن اعتقال الشاب محمد جاء لحمايته من الغضب الشعبي العارم ضده، جاءت هذه التصريحات بعد توجيه اللوم لدولة موريتانيا في الأمم المتحدة بعد اعتقال الشاب مطلع هذا العام.
كما طالبت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين في بيان السلطات الموريتانية بإطلاق سراح الشاب المدون، وقد صرح شريف منصور منسق اللجنة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط بأن الاتهامات الموجهة للمدون تعود إلى عصر محاكم التفتيش وأنه على الحكومة الموريتانية الإفراج الفوري عنه.
ولكن رد الفعل الداخلي للحكومة جاء على غير ذلك، فبعد اندلاع التظاهرات المُطالبة بمحاكمة الشاب محمد خرج الرئيس الموريتاني في بيان يؤكد فيه عزمه على الدفاع عن الإسلام والنبي – محمد صلى الله عليه وسلم -.
ويبدو أن الشاب ينتمي لفئة “تنويرية”، كما تحب أن تُطلق على نفسها، تثير جدلاً واسعًا في البلدان العربية والإسلامية هذه الفترة، فكتابات الشاب ليست الأولى أو الأخيرة في هذا الصدد لكنها كانت دائمًا مصادر جدل وبلبلة بين رجل الشارع العادي في كافة المجتمعات لاسيما التي تُصنف بالمجتمعات المحافظة كالمجتمع الموريتاني.
بعض الموريتانيين على فيسبوك أطلقوا صفحة للمطالبة بإعدام الشاب، رغم أن تساؤلاته ومقاله التوضيحي أكدا على وجهة نظر قد يتبناها مسلم متدين.
أثار الحكم ضجة واسعة في الأوساط الموريتانية لاسيما الشبابية منها حيث تباينت الآراء حول الحكم بالرغم من ارتفاع أصوات المنادين بتطبيق حد الردة عليه، ظهر هذا التباين على مواقع التواصل الاجتماعي التي رصدت الحدث وتفاعلت معه سريعًا حيث انطلق هاشتاج عن الحادثة يحمل اسم #موريتانيا_ضد_المسئ ، وكانت التعليقات على الحادثة والحكم متباينة حيث يرى فريق أن الشاب لا يستحق الإعدام وأن الفكر يواجه بالفكر لاسيما أن الشاب وضح مقصده من كلامه، بينما يرى الفريق الآخر أن الشاب قد تجاوز في حق الرسول وشكك بشكل مباشر في سيرته ويجب تطبيق الحد عليه لقطع دابر تلك الأفكار في موريتانيا – حسب تعبير البعض-.
#موريتانيا_ضد_المسيء
بعد حكم الإعدام سوف تنتفض مؤسسات إعلامية و منظمات غربية و حتى ملاحدة عرب ينددون بالحكم و يدعون إلى حرية العهر الفكري
— أبو لـُجين إبراهيم آل دهمان (@abulojain1) December 27, 2014
#موريتانيا_ضد_المسيء
لكل مسيء عقابه فإذا لم يعاقب على فعلته يفتح باب التهاون على فعلته
— mutaz Al-msalha (@MsalhaMutaz) December 27, 2014
كمّ الاحترام في المقال الاعتذاري، بالتناسب مع الاستخفاف بمقام النبيّ في المقال السابق، تدعو للضحك، للشماتة. لا للإعدام. #موريتانيا_ضد_المسيء
— الفيّاض (@AlFayad13) December 26, 2014
ياليت نطبق دا القانون ، كان مالقينا احد يتطاوا ع الله ورسوله عليه الصلاه والسلام #موريتانيا_ضد_المسيء
— زُوز . (@zo_a15) December 26, 2014
ما حدث لولد أمخيطير يطرح تساؤلات كثيرة حول الثقافة والسلطة، وعما إذا كانت التفسيرات الشعبوية للنصوص التاريخية أو النصوص المقدسة، والتي يدعمها الكثير من الشيوخ، وتدعمها السلطة أيضا، هي التفسيرات المقبولة الوحيدة في إطار الأفكار الإسلامية. التساؤلات تمتد أيضا لتصل إلى ماهية دور رجال الدين، والقضاء، والسلطة السياسية في مقارعة الأفكار المختلفة.
وتشهد موريتانيا حاليا حالة من الحراك الفكري بين تيارات إسلامية متشددة وبين مجموعات ليبرالية عدة. إذ عرفت البلاد على مدار العام الماضي حركات ضد الإباحية تطالب بمحاكمة “الشبكات الإلحادية”، ومجموعات سلفية تدعو لمنع الاحتفالات بالعام الميلادي الجديد، وفي المقابل مجموعات ليبرالية تبدأ حراكا لرفض “الفكر الظلامي”.
دعوات التكفير، وما يوازيها من صرخات إلحادية في موريتانيا لا ترتقي إلى مستوى الحراك الفكري الحقيقي، حسب محمد المهدي ولد محمد البشير، الباحث في الحديث والتشريع الإسلامي.
وبحسب تصريح له في بداية العام الجاري، رأى ولد محمد البشير بأن ما يجري مجرد إرهاصات “طفولية” اقرب إلى الفقاعات أو عمل “المراهقة الفكرية” ما دامت لم تحرك الساحة الثقافية من خلال تأليف كتب أو مقالات أو بحوث ترد على التكفيريين أو تبرهن على كفر خصومهم، حسب قناعته.