هل تتحسن العلاقات التركية المصرية؟

erdogan%20and%20aa

بدأ الخلاف التركي المصري منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي وحكومته التي كان الإخوان المسلمون جزءًا منها في القاهرة في يوليو عام 2013.

فقبل ما يربو على العام، وفي نوفمبر 2013، طلبت مصر من السفير التركي المغادرة، وصار التمثيل الدبلوماسي لكلا البلدين مقتصرًا على مستوى القائم بالأعمال، ومنذ ذلك الحين، هناك حرب كلامية شرسة بين البلدين، تحاول فيها تركيا بشكل مستمر أن تعزل عبد الفتاح السيسي وحكومته عن المجتمع الدولي.

حتى البابا فرانسيس، عندما زار تركيا في نهاية نوفمبر من العام الجاري، اضطر إلى الاستماع لكلمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي لامه  فيها، إذا قال أردوغان إن البابا لم يكن عليه أن يستقبل السيسي لأن الفاتيكان بذلك يعطي شرعية دولية للزعيم العسكري المصري.

لا يستند الموقف التركي من مصر على شعور سيء بين قادة كلا البلدين؛ فزعيميّ تركيا، الرئيس “رجب طيب أردوغان” ورئيس وزرائه “أحمد داوود أوغلو”، كلاهما يعتقد أن الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي قبل الربيع العربي كانت منتجات غربية، رفضت حق الجماهير في اختيار نظامها السياسي، والذي غالبًا ما كان إسلاميًا وديمقراطيًا.

هذا الاستنتاج تم التوصل إليه خلال سنوات طويلة قبل الربيع العربي، وظهر ذلك في كتابات داوود أوغلو عن العلاقات الدولية، وصف داوود أوغلو للحكومة الإسلامية كان قريبًا للغاية من شكل حكم حزب العدالة والتنمية التركي، ولكنه أيضًا كان شبيهًا بأفكار الإخوان المسلمين السياسية، بالنسبة لأردوغان وداوود أوغلو، فإن الإخوان يتمتعون بشرعية سياسية، في حين أن الزعماء المستبدين والأنظمة العسكرية لن يستطيعوا أبدًا جني مثل هذه الشرعية.

خلال السنة الأولى أو نحوها من عُمر الربيع العربي، بدا هذا الاستنتاج مقبولاً إلى حد ما، وربما إذا كانت الثورة السورية قد نجحت وتولت الأمور حكومة يقودها الإخوان المسلمون هناك، لظل الاستنتاج على قدر من القبول، لكن بحلول 2013، تُركت تركيا وحيدة مع قطر، كدولة صديقة وحيدة في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تعتبر جوهر السياسة الخارجية التركية.

كانت العلاقات وثيقة، وتضمن ذلك العديد من الزيارات المتبادلة بين أنقرة والدوحة، الأمير القطري الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” زار أنقرة في يوليو، في حين زار أردوغان الدوحة في سبتمبر، وفي 19 ديسمبر زار تميم تركيا مرة أخرى.

لكن التدفق المتبادل للزيارات الدبلوماسية بين تركيا وبقية الزعماء العرب جف تمامًا تقريبًا في 2014؛ ما يشير إلى أن تركيا، وبدلاً من تحقيق طموحها بأن تكون دولة رائدة للعالم العربي، كانت خارج تلك المنطقة بشكل سيء، خاصة منطقة الخليج والسعودية.

مستشارو أردوغان صاغوا تعبير “الوحدة الثمينة” لوصف فخرهم بالعزلة العربية.

علاوة على ذلك، كان للجمود في العلاقات المصرية التركية تكاليف خطيرة في عدة قطاعات أخرى، أحد تلك التكاليف الأكثر وضوحًا هو زيادة التعاون بين مصر وألد أعداء تركيا الإقليميين “قبرص اليونانية”، بخصوص التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في قاع البحر شرق المتوسط، وإنشاء خطوط أنابيب وطرق نقل جديدة.

هذا الموقف يقوض محاولات تركيا لتأكيد حقوقها في قاع البحر كقوة ساحلية رئيسية في شرق المتوسط، وحقوق القبارصة الأتراك أيضًا، كما أنه يخلق احتمالاً غير سار من الاضطرار إلى التعامل التركي مع تحالف غير رسمي من قبرص ومصر وربما إسرائيل، عند محاولة حل قضايا الطاقة الإقليمية، أو حتى قضايا أخرى.

قبل أسبوع، بدا الأمر وكأن جمود السياسات التركية و”الوحدة الثمينة” ستستمر للسيطرة على السياسة التركية تجاه الشرق الأوسط بشكل عام ومصر بشكل خاص، ومع ذلك، فقد نمت تحذيرات حول تكاليف هذه السياسة في الأسابيع الأخيرة، حيث أبدى عدد من كبار الدبلوماسيين الأتراك المتقاعدين قلقًا متزايدًا ودعوا لتغيير اتجاه تلك السياسة للدفاع عن المصالح القومية التركية.

هؤلاء الدبلوماسيون لم يكونوا الوحيدين، فخلال آخر زيارة للشيخ تميم إلى أنقرة، أفهم القطريون الأتراك على انفراد أنهم سيلتزمون بالخط السعودي الخليجي تجاه مصر.

لم يكن التحول في موقف قطر مفاجئًا تمامًا، ففي سبتمبر، طردت قطر عددًا من قيادات الإخوان المسلمين، لكن أردوغان أجاب بإعلانه أن المنفيين سيكونوا موضع ترحيب في تركيا، ولاحقًا تم تأسيس تجمع سياسي من المصريين المنفيين في تركيا.

لكن هذه الخطوة القطرية تترك تركيا أكثر عزلة من أي وقت مضى.

في الأسبوع الماضي، كانت هناك علامات أولية على ذوبان الجليد التركي تجاه مصر، في 20 ديسمبر، قال “بولنت أرينج” نائب رئيس الوزراء التركي والذي يُعرف بتفكيره المستقل، في تصريح للجزيرة “إنه من الضروري بناء علاقات تركية مصرية على أرضية صحية”، لكنه أضاف أن “على مصر أن تتخذ الخطوة الأولى”.

لم يعلق أردوغان ولا داوود أوغلو حتى الآن، لكن يوم 24 ديسمبر، تحدث وزير الخارجية “مولود تشاووش أوغلو”، هل كان يدعو أيضًا لإذابة الجليد؟ لم يكن الأمر واضحًا تمامًا، فقد بدت كلماته عرضًا لتقديم بعض التنازلات الكبرى للمصريين، لكنه ألمح إلى أن تركيا تريد تحسين العلاقات، مشكلة تركيا، بحسب تشاووش أوغلو، ليست مع الشعب المصري، لكنها مع حكومة السيسي والقمع الذي تمارسه، ذوبان الجليد غير ممكن ما لم تتحرك مصر نحو الديمقراطية وتنهي انتهاكات حقوق الإنسان.

هذا بالضبط هو نوع التعليقات التي يستاء كثيرًا أردوغان عندما يوجهها أحد من الأسرة الدولية إلى تركيا، وبعد وابل الإهانات التي تبادلها السيسي مع أردوغان، لا يبدو واردًا احتمال تراجع مصري لإرضاء تركيا.

ربما ستنظر أنقرة في تخفيف الإجراءات ضد بعض قيادات الإخوان السجناء الذين تحتجزهم مصر كخطوة أولى، لكن ماذا بعد ذلك؟ من غير المحتمل أن ترد تركيا بإيقاف أنشطة المصريين على أراضيها، والذي يكاد يكون مؤكدًا أنه سيكون الطلب الأول للقاهرة.

المشكلة من وجهة النظر التركية هي أن أنقرة لن تتحسن علاقتها بمعظم دول العالم العربي، حتى تبدأ في التفاوض مع القاهرة، هذا المأزق الدبلوماسي يضر بشدة هيبة الحكومة التركية داخل البلاد وكذلك على الصعيد الدولي.

لذلك كبديل، قد تجرب أنقرة بدء تبادل دبلوماسي وراء الكواليس وإيقاف حملات السب المتبادلة، على الرغم من أن أردوغان نادرًا ما يتراجع بشأن المسائل التي يشعر فيها بالقوة.

سياسة تركيا الخارجية تجاه مصر منذ الانقلاب كانت عنيفة بحيث صارت حفرة يصعب الخروج منها، حتى لو اعتقد صُناع السياسة الأتراك أن الوقت قد حان للقيام بذلك.

المصدر: ميدل إيست آي / ترجمة عربي 21