تقرير من إعداد أميليا سميث لموقع “ميدل ايست مونيتور“
ترجمة عزام التميمي
تنعم إسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان هذه الأيام بتدفق السائحين عليها. فبفضل الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط آثر السواح، كما ذكرت صحيفة النيويورك تايمز مؤخراً، النأي بأنفسهم عن منتجعات البحر الأحمر في مصر والتوجه بدلاً من ذلك إلى أثينا بما فيها من آثار يونانية قديمة. فبعد أن عصفت أزمة ديون اليورو بهذه المنطقة ها هو الساحل الجنوبي للقارة الأوروبية يستمتع بجني فوائد إضافية يدرها عليه السواح اللاهثون وراء أشعة الشمس فيما تبقى من أيام الصيف.
كثير من السواح الذين كانوا يأتون للاستمتاع بالرحلات النهرية عبر النيل أو عبور الصحراء المصرية في سيارات الجيب أحجموا عن المجيء بسبب إجراءات القمع الدموية التي تمارس ضد أنصار محمد مرسي منذ خلعه في مطلع تموز (يوليو). لقد تمخضت الاحتجاجات المطالبة بإعادة الرئيس المنتخب ديمقراطياً إلى موقعه عن مقتل المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين منذ أن فض العسكر الميدان الذي كانوا يعتصمون فيه.
وهذه الأيام تنصح وزارة الخارجية البريطانية المواطنين البريطانيين بعدم السفر إلى مصر مالم يكن ذلك ضرورياً جداً، كما ألغى أو علق وكلاء السياحة والسفر في إيطاليا وفرنسا وروسيا كافة الرحلات السياحية التي كانت مقررة إلى مصر. وفي ألمانيا، ألغت وكالة “تي يو آي” كافة الرحلات السياحية إلى مصر حتى ٢٩ سبتمبر. وهذه كلها أخبار لا تسر بالنسبة لبلد شكلت السياحة حتى وقت قريب ١١٪ من اقتصاده. وقد تراجعت مصر هذا العام أحد عشر نقطة في معدل “التنافسية العالمي”، وباتت تحتل الآن الموقع الثامن عشر بعد المائة.
يقول محمد دهشان، الباحث في جامعة هارفارد والمقيم في مصر، في تصريح لـ “ميمو”: “علينا إدراك أن الاقتصاد المصري مرتبط بشكل كبير أكثر من أي اقتصاد آخر – ولعل ذلك بسبب اعتماده على قطاع الاستثمارات الخارجية والسياحة – بالوضع الأمني، والذي أخذ في التدهور بشكل متزايد منذ الإطاحة بالرئيس مرسي وانطلاق الاحتجاجات والاعتصامات المؤيدة له وما تبعها من تدخلات قمعية عنيفة للشرطة والجيش.”
في الأسبوع الماضي نشر “المونيتور” تقريراً مفاده أن دير سانت كاترين على سفح جبل سيناء أغلق أبوابه للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً بأمر من أجهزة الأمن المصرية. وقد أصبح حال البدو في المنطقة يرِثى له بسبب غياب السواح مما اضطر كثيرين منهم إلى بيع جمالهم لإطعام عائلاتهم. بدأت الأحوال المعيشية تتأزم هنا في عام ٢٠١١ إثر خلع مبارك من الحكم بسبب تدهور الأوضاع السياسية والأمنية ولكنها تفاقمت أكثر وأكثر منذ الانقلاب على الرئيس مرسي في مطلع تموز (يوليو).
يصعب معرفة ما إذا أصبح وضع الاقتصاد أسوأ بعد عزل مرسي، كما يقول دهشان، وذلك لأنه لم يمض على ذلك سوى شهران، وهذه مدة قصيرة قد لا تتوفر الإحصائيات المعبرة عن وضع الاقتصاد فيها. إلا أن دهشان يضيف: “انطباعي الشخصي أن الاقتصاد فعلاً تدهور أكثر منذ ذلك الوقت، ويؤكد صحة ذلك ما يشهد به الناس وما تخلص إليه بعض استطلاعات الرأي، ومنها استطلاع أجرى مؤخراً يفيد بأن ٤٧٪ من المستطلعة آراؤهم قالوا بأن الأوضاع الاقتصادية ساءت أكثر منذ انقلاب الثالث من يوليو (تموز).”
ومما فاقم من الأوضاع لجوء العسكر إلى فرض حظر على التجول في منتطف شهر آب (أغسطس). فالآن، تكاد تخلو شوارع القاهرة ما بين الحادية عشرة مساء والسادسة صباحاً تماماً من المارة، وفي أيام الجمعة، التي ينظم فيها عادة أنصار الإخوان المسلمين مسيراتهم الاحتجاجية ضد حكومة العسكر، يسري حظر التجول أربع ساعات أبكر، في السابعة مساء. ونتيجة لذلك بات كثير من أصحاب القهاوي والمطاعم والبارات التي كانت تعج بالرواد حتى ساعة متأخرة من الليل يعانون وهم يجهدون لتغطية تكاليفهم.
يقول دهشان: “أرى شخصياً بأن حظر التجول غير ضروري على الإطلاق ولا يخدم سوى إثبات أن الجيش هو سيد الموقف. لقد فاقم حظر التجول من المصاعب، ومن الواضح أن قدرة الإخوان المسلمين على تنظيم الاحتجاجات تقلصت بشكل كبير. إن إبقاء الحظر الليلي على التجول يؤدي إلى قتل عشرات الآلاف من الأعمال – بما في ذلك المطاعم والقهاوي والأندية والسينمات والمسارح وما شابهها من مرافق الترويح والتسلية – ويقيد السياحة. وعلينا أن نتذكر أننا في الصيف، موسم السياحة، التي انتهت تماماً.”
منذ أن أطيح بمبارك في عام ٢٠١١ برزت دول الخليج كمصدر أساسي لتمويل مصر. فابتداءً تعهدت قطر بثمانية مليارات دولار في عهد الرئيس مرسي ثم بعد أن أطيح به تعهدت كل من المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة بحزمة مساعدات مقدارها ١٢ مليار دولار. لكن مثل ذلك الدعم لا يتجاوز كونه إسعافاً سريعاً ولا يرقى إلى حل جذري لمشكة مصر المتفاقمة. ولا يتوقع أن يساعد ذلك على سبيل المثال المصريين الذين يقطنون سانت كاترين ولا يمكن اعتباره بديلاً عن الإصلاحات المطلوبة بإلحاح.
يقول دهشان: “حتى لو تلقت مصر ما يكفي من المساعدة فما لم تصحب تلك الأموال خطة لإعادة تشغيل الاقتصاد وتعويض العجز في الميزانية، فإننا سنعود لمواجهة نفس المشكلة خلال شهور قليلة حينما ينفذ المال، ويبدو أننا فعلاً نسير في هذا الاتجاه. وحينها لن يكون هناك حزمة مساعدات جديدة من ١٢ مليار دولار أخرى.”