في نظرة أولية لكل من يحمل فكر التطرف الموجود في الساحة الحالية وتنظيم الدولة مثال، نجد أنه تغير فكري ناتج من مدارس السجون، فالذي يعرف إبراهيم عواد (البغدادي) يعرف أنه صُنع في سجن (بوكة) وهذه حقيقة يدركها العراقيون، فهناك الآلاف الذين دخلوا السجون بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وهم أصحاب تدين واعتدال خرجوا بفكر تكفيري تطرفي جعل منهم أشخاص مختلفين عما كانوا عليه بدرجة قد لا يصدقها البعض!
لعل النفس البشرية وطرق غسل الدماغ هي المفتاح لزرع التطرف، فالسجون تجعل المتلقي يأخذ الكراهية بشغف لاعتبارات نفسية تتعلق بكونه يشعر بالظلم وأنه الآن مقيد، لكن في حال سنحت له الفرصة ونال حريته سينتقم من الجميع، وهذا بداية مدخل التطرف ونقطة التحول من إنسان طبيعي التفكير معتدل إلى متطرف لا يقبل غير القتل كحل لمشاكل الحياة جميعها.
إن أهم التنظيمات المتطرفة صُنعت في ظلمة السجون وقسوتها، في حالة وجود شخصية داعية لهذا الفكر في السجن فإنها تؤثر بشكل كبير جدًا على الموجودين؛ فتجعل المرارة التي يشعر بها المسجون وقود لنار الكراهية التي يغذيها بشكل يومي دون وجود ما يوقف هذه التغذية لتصبح غول ينطلق بعد خروج السجين إلى العالم الخارجي.
إن ما يفعله اليوم تنظيم الدولة في المدن الموجودة تحت سيطرته هو إعادة صناعة التطرف، ولكن بسجن كبير يجعل المدينة تفكر بعقل جمعي يقودها إلى نفس فكر التنظيم ولكن كيف يتم ذلك؟
في نظرة تفحصيه على ما يقوم به تنظيم الدولة في الموصل ندرك تلك الحقيقة .. فما الذي يقوم به التنظيم في الموصل؟
بعد سيطرة التنظيم على مدينة الموصل في 10/ 6/ 2014 أصدر مجموعة أوامر جعل الموصل عبارة عن سجن كبير يقوم هو فقط بالتحكم في خروج ودخول كل فرد؛ فقد منع التنظيم أي شخص من أهالي المدينة من المغادرة إلا بإذن من قِبله ومنع دخول الإعلاميين أو الصحافة، ثم قام التنظيم بقطع الاتصالات في المدينة لمنعها من الاتصال بالعالم الخارجي ومنع أي شركة اتصالات من العمل في المدينة، كذلك منع أي تجمعات أو ندوات او دروس في المدينة إلا بأمر منه أو بمشاركته.
بعد أن جعل المدينة أشبه بسجن كبير وأسكت كل الأصوات التي لا تخدم فكرته، قام بالخطوة الثانية وهي تغذية الناس بما يريده من أفكار متطرفة؛ حيث أصدر خطب جمعة موحدة لصلاة الجمعة ويتم عزل كل خطيب لا يلتزم بقراءة الخطبة كما هي، ثم قام بعمل نقاط إعلامية تنشر الخطب والمقاطع العسكرية والأناشيد المحفزة لها وتقديمها لكل من يريد وهذه النقاط منتشرة في كل أرجاء المدينة ،ثم اكمل التنظيم بث الفكر بعمل مجموعة من الاستعراضات العسكرية، إضافة لعمل بعض الفعاليات مثل قرعة للذين قدموا اسمائهم لغرض تفجير أنفسهم في المعارك؛ وهذا يجعل المشاهد في حالة من الهيجان العاطفي سيقوم التنظيم بتوجيهها وفق ما يريد.
كل هذا جعل الأمر في المدينة وكأنه مدرسة من مدارس السجون التي ستنتج جيل متطرف يفكر بعقلية انتقامية لا يقبل الآخر ولا يتعامل معه، يقتل على الخصومة، ويقف بجانب سلاحه إلى الرمق الأخير.
الأمر لن يقف عند هذا الحد سيحاول التنظيم تضييق الخناق بمنع أجهزة الستلايت والإنترنت بغرض قطع المدن عن العالم الخارجي بشكل تام يسمح له حين إذن أن يشكل العقل الجمعي للمدن المسيطر عليها كيفما يحب ويقودها إلى التطرف الأعمى ولن يسلم العالم كله إن وصل الأمر إلى هذه النتيجة .