عقب إسدال الستار عن قضايا الفساد التي لاحقت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “إيهود أولمرت” فيما عُرف بقضية “الأرض المقدسة” وأُدين فيها السياسي الإسرائيلي وحُكم عليه بالسجن مدة 6 سنوات، الأمر الذي لم يتوقف عند هذا الحد بظهور تطورات جديدة للقضية بعد أن أُضيف “إيهود باراك” وزير الدفاع في حكومة أولمرت السابقة إلى قائمة المتهمين بتهمة تلقي رشاوى من صفقات السلاح التي تُبرمها وزارة الدفاع الإسرائيلية.
تأتي هذه الأيام قضية فساد جديدة تناولتها الصحافة العبرية عن تقاضي مسؤولين حكوميين في الدولة العبرية رشاوى مقابل اعتمادات من الميزانية لإقامة معاهد ومؤسسات، أبرز المتهمين في هذه القضية هذه المرة ينتمون لحزب “إسرائيل بيتنا” الذي يتزعمه وزير الخارجية الإسرائيلي “أفيجدور ليبرمان”.
طالت التحقيقات شخصيات مقربة من ليبرمان أبرزها شخصًا يُدعى “موشيه ليئون” أحد المرشحين لتولي حقيبة وزارية في الحكومة الإسرائيلية عقب الانتخابات القادمة، الأمر الذي طاردت فيه الشبهات ليبرمان؛ ما جعل الصحف الإسرائيلية تبحث في ملفات وزارة الخارجية التي يقودها ليبرمان في الحكومة المنحلة.
تعيش الأوساط الإسرائيلية في وابل من قضايا الفساد السياسي والمالي والاجتماعي النابع من شخصيات سياسية بالدولة تنتمي لمختلف التيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ ففضيحة رئيس الدولة السابق “موشيه كتساف” لازالت عالقة بالأذهان بعد اتهامه بمحاولة اغتصاب عدد من الموظفات اللاتي يعملن معه، وكذلك اعتقال رئيس السلطة الضريبية على خلفية تهم فساد طالت أكثر من 20 مسئولاً إسرائيليًا بتهمة تلقي رشاوى، واتهامات وزير المالية الأسبق “أبراهام هيرشيزون” بالسرقة، واتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “شارون” بتلقى الرشاوي، وكذلك استقالة “عيزر وايزمان” ومن قبله الرئيس الإسرائيلي السابق على خلفية تهم فساد وتهرب من الضرائب.
كل هذه القضايا تُعد مثالاً يُعطي صورة حقيقية عن وجه الداخل الإسرائيلي الغير متدوال كثيرًا في الأوساط الإعلامية؛ وعلى هذا أصدر البنك الدولي تقريرًا اعتبر أن نسبة الفساد في إسرائيل وصلت لمعدلات فاقت النسب العادية في البلاد المُتقدمة حيث وصلت قرابة 8.8% في مؤسسات الدولة الرسمية.
هذا الوباء يعتبره بعض المحللين الإسرائيليين أخطر على وجود الدولة من قنبلة طهران النووية ومن شأنه أن يأكل كل مكتسبات السنوات الماضية في الدولة بعد أن أصبح ظاهرة ضربت بجذورها في المجتمع.
هذا ويرى أكثر من 77% من المجتمع الإسرائيلي أن مساعي الحكومات المتعاقبة للقضاء على الفساد ومحاربته لا توجد لها جدوى أو أثر في أرض الواقع، في حين أن المؤسسات الحكومية تعج بالرشاوى من أجل الحصول على امتيازات غير قانونية.
يُرجِع باحثون الأمر في إسرائيل إلى عدم تجانس المجتمع الذي تسيطر عليه لغة رأس المال والسياسة والحكم والبيروقراطية التي تأصلت في تعاملات الجهاز الحكومي للدولة الإسرائيلية، كما اُتهم الإعلام بمحاباة البعض كنوع من الفساد أيضًا؛ وهو الأمر الذي جعل الإعلام مجرد أبواق لمن يدفع دون القيام بدوره في كشف عمليات الفساد.
تدخّل الكنيست الإسرائيلي لمحاولة وضع حد لهذه الظاهرة التي تنتشر كالسرطان في جسد الدولة؛ ما أدى إلى إدانة عدد من المسؤولين في مواقع حساسة داخل الحكومة الإسرائيلية في أكثر من مرة، لكن المفاجأة الكبرى أنه اُكتشف أن عدد لا بأس به من البرلمانيين الإسرائيليين متورطون في قضايا فساد وعلى رأسهم عضو الكنيست عن حزب شاش “رافائيل بنحاسي” الذي أدانه القضاء الإسرائيلي بتهمة نقل وتحويل أموال بطرق غير مشروعة في أحد أبرز قضايا الفساد البرلماني في إسرائيل، وأعضاء آخرين عن حزب الليكود وغيرهم من الذين أُدينوا بتهمة تقديم رشاوى انتخابية.
كانت صحيفة التايمز البريطانية قد نشرت مقالًا يفيد بأن ثمة مجهودات مبذولة من حكومة نتينياهو في هذا الصدد لتحسين الصورة قبل الانتخابات، حيث شنت الشرطة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة عدد من المداهمات لمجموعة من السياسيين على خلفية اتهامهم في قضايا فساد واُعتبر ذلك كله محاولات للحد من تذمر الناخبين الإسرائيليين الذي سيدلون بأصواتهم في مارس المقبل في الانتخابات العامة.
هذا وقد تتم هذه المحاولات الحكومية لاستعادة ثقة الناخب على خلفية مؤشرات ظهرت تُبرز فقدان الإسرائيلين للثقة في الحكومة الإسرائيلية بنسبة تفوق 70% وأن 75% منهم يعتقدون بوجود الفساد داخل أورقة الجهاز الحكومي.
قضايا الفساد في إسرائيل تدق ناقوس الخطر الداخلي والخارجي، حيث أعربت هيئات دبلوماسية إسرائيلية بالخارج أن ثمة سمعة سيئة طالت إسرائيل بشأن ملف الفساد المستشري بها ناهيك عن الأزمة الداخلية التي أصابت نسيج المجتمع الإسرائيلي الذي عبّر عن حاله كاتب إسرائيلي بقوله “إن إسرائيل دولة يقودها بضعة مستوطنين فاسدين”.