عقب قرار حل التحالف الحزبي المُكون للحكومة الإسرائيلية الحالية واللجوء إلى الانتخابات المبكرة التي سُتعيد إنتاج الخريطة الحزبية الحاكمة داخل الأراضي المحتلة، تتجه الأنظار نحو انتخابات الكنيست القادمة المُزمع عقدها في شهر مارس من العام القادم والتي سيترتب عليها تشكيل حكومة جديدة في ظل الأوضاع المُحتقنة التي تجري على الأراضي الفلسطينية المحتلة بين المستوطنين والسكان الفلسطينين مع تنامي وتيرة العنف المتبادل بالإضافة إلى تصعيد ممارسات الاحتلال في القدس المحتلة.
لا شك وأن أحد الفاعلين في المشهد هم “فلسطينو الداخل” الذين يعيشون بالداخل الإسرائيلي وأحد المكونات الاجتماعية لدولة الاحتلال شاءت ذلك دولة الاحتلال أم أبت، فالبرغم من تنامي العنصرية تجاههم إلا أنه يقع عليهم مسئولية كبرى في ظل هذه الأحداث والمحاولات الإسرائيلية لطمس هويتهم عن طريق قوانين يهودية الدولة بأن يتشبسوا بحقوقهم الاجتماعية والسياسية في موطنهم المحتل، ولكن لفهم دور الفلسطينين في الداخل الإسرائيلي في قضية الانتخابات المُقبلة يجب التعرف أولًا على مكوناتهم السياسية وواقعهم الاجتماعي
– الحركة الإسلامية في الداخل:
تلك الحركة التي تكونت في الثمانينيات من القرن الماضي والتي تعتبر رافدًا من روافد حركة الإخوان المسلمين، تعتبر حركة اجتماعية مسجلة وفقًا للقانون تتركز جل نشاطاتها في العمل الاجتماعي ولها بعض الأنشطة السياسية المتعلقة بقضية القدس ودائمًا ما تصطدم مع الحكومة الإسرائيلية نظرًا لخوض بعض أعضائها الانتخابات البلدية العربية تحت شعارات إسلامية وهو ما تخشاه دائمًا الدولة الإسرائيلية تزامنًا مع الحديث عن يهودية الدولة، تشهد الحركة خلافًا قديمًا في قضية المشاركة بالانتخابات العامة “الكنيست” لكن لا شك أنها تمثل ثقل أيدولوجي داخل عرب 48.
– الحركة العربية للتغيير والحركة التقدمية للسلام والتي لها علاقات واسعة بالضفة وتمثل وزن نسبي موجود بالداخل الإسرائيلي.
– الحزب الديمقراطي العربي المُنشق عن حزب العمل وهذا الحزب مدعوم من منظمة التحرير أول حزب حقيقي معبر عن عرب 48.
– الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة المعروفة باسم “حداش”، وهي تيار يساري بالداخل الإسرائيلي له علاقة بالحزب الشيوعي بالداخل ودائمًا ما تدخل في تحالفات عربية إسرائيلية لخوض الانتخابات وسط معاناتها من أزمة القيادة.
بالطبع ليست هذه الأطياف كلها هي المعبرة عن العرب داخل الخط الأخضر، لكن هذه هي أبرز الحركات التي ظهرت عقب نكبة 1948 وعلى مراحل وأثناء تلك المراحل ظهرت حركات داخلية واندثرت أو انعدم تأثيرها مع الوقت؛ فالجبهة الشعبية التي تأسست عام 1958 وحركة الأرض التي أسسها القوميون العرب لحقت بها.
يخوض العرب داخل الخط الأخضر الانتخابات العامة الإسرائيلية منذ زمن بعيد، حيث شهدت أول مشاركة مبكرة لهم في عام 1949 بقوائم تعبر عنهم خاضت الانتخابات باسمهم، هذا في حين أنه لا يستطيع أحد أن ينكر كتلتهم داخل الأراضي المحتلة حيث يمثلون قرابة 20% من مجمل أعداد السكان في الداخل الإسرائيلي وهي معضلة كبرى تواجهها إسرائيل حيث لا يمكن تجاهل قرابة المليون ومائة ألف مواطن يعيشون بين الإسرائيليين.
لكن نقاط الضعف تأتي من قلب فلسطيني الداخل، حيث عدم الاتفاق على رؤية موحدة تجاه الأوضاع التي تتلاحق في التغيير وأمام الأزمات المختلفة التي تمر بهم في علاقتهم بدولة الكيان.
يعاني العرب داخل الخط الأخضر من تنامي العنصرية تجاههم مع محاولات حكومية دؤوبة لفصلهم عن المجتمع بشكل تدريجي بقوانين تكرس يهودية الدولة وتطمس أي هوية أخرى مقابلة لاسيما الهوية العربية.
هذا التفكك والتشرذم بالداخل العربي داخل الخط الأخضر ألقى بظلاله على السياسة، فوجهات النظر تتباعد أحيانًا وتتقارب أحيانًا لكنها ليست موحدة تجاه قضايا السياسة الداخلية بإسرائيل؛ ما يفتت تلك القوة الكامنة في قلب الكيان الصهيوني.
مع اقتراب الانتخابات العامة القادمة أتت دعوات المشاركة في الانتخابات تحت مظلة واحدة أو على الأقل تحت مظلة أكبر عدد من الحركات والأحزاب لمواجهة الخطر المحدق الذي يحيط بالجميع خصوصًا مع النوايا الغير طيبة تجاههم التي بثتها آخر حكومة إسرائيلية.
حيث أُجريت استطلاعات للرأي بين أبناء الفلسطينين في الداخل أظهرت أن هناك أغلبية تؤيد التصويت للقائمة المشتركة إذا تشكلت، حيث صرح نسبة 72% عن عزمهم التصويت للقائمة المشتركة، حسبما أورد المركز العربي للأبحاث الاجتماعية التطبيقية في حيفا، كذلك وُجدت نسبة كبيرة مؤيدة للتواجد العربي داخل الكنيست ودعوات المقاطعة لا يوجد لها صدى في الآونة الأخيرة خاصة مع بدايات إرهاصات تشكل التحالفات والقوائم الانتخابية.
ولكن ثمة رأي آخر بين أبناء وقادة الحركات الفاعلة العربية في الخط الأخضر وهو الذي يعتبر أن العمل المجتمعي والمدني بديل عن العمل البرلماني السياسي والانخراط فيه مثمر باستخدام آليات الاحتجاج المباشر والعمل الحركي بين أبناء المجتمع، حيث يتبنى رافعو هذه الراية وجهة نظر تقيّم العمل البرلماني والتواجد فيه طوال الأعوام الماضية بأنه غير مجدي وغير ذي نفع، بينما يرد المؤيدون للعمل السياسي البرلماني ونسبتهم أكبر أن العرب الفلسطينين في الخط الأخضر في أمس الحاجة هذه الفترة لتوصيل صوتهم في الانتخابات العامة حتى لا يتم تهميشهم كما تريد الحكومة الإسرائيلية.
الجدير بالذكر أن الأبحاث التي أُجريت بهذا الصدد تشير إلى أن الاتجاه نحو التصويت للأحزاب العربية في الداخل الاسرائيلي تزايد منذ التسيعينيات من القرن الماضي حيث كانت نسبة التصويت للأحزاب العربية 47.7% أي أن 53.3% من العرب صوتوا لأحزاب إسرائيلية؛ مما يدل على فقدان للثقة في تلك الأحزاب العربية، ولكن أمر الثقة في الأحزاب العربية قد تزايد في السنوات التالية حيث ارتفعت نسبة التصويت لهذه الأحزاب والحركات العربية حتى وصلت لقمتها في عام 2009 بعد أن صوت 82.1% من العرب في الداخل لصالح النواب العرب في الكنيست تلا ذلك عام 2013 حيث بلغت نسبة التصويت 77.0%.
في هذه الأيام تخوض حركات ومؤسسات عربية في الداخل الإسرائيلي حملة لمحاولة لم الشمل قبيل الانتخابات المصيرية القادمة لتكوين قائمة عربية موحدة تمثل الفلسطينيين في المؤسسات المنتخبة.
في هذا الاتجاه خرج نداء “الحركة الأسيرة في الداخل” في بيان لها يحث القوى الوطنية في الداخل على خوض الانتخابات بقائمة عربية موحدة لحماية التأثير العربي بالخط الأخضر وأن يكونوا على مسؤولية الحدث، واختتمت الحركة الوطنية الأسيرة في الداخل بيانها بالقول: “إن تحالفًا انتخابيًا عربيًا من شأنه أن يضمن الوجود العربي في الكنيست ويعززه في مواجهة الصهيونية في يمينها ومركزها ويسارها، وفي ذات الوقت نضمن بقاء التعددية الوطنية والمجتمعية والأساس الذي نقيم عليه نهضتنا، وحدتكم ستُشعل لشعبنا وشبابه الضوء آخر نفق العنصرية، وستضئ لنا في كل زنزانة شمعة نطرد فيها السجن والسجان”.
ولكن يبقى الرهان على الوحدة لمجابهة العنصرية وهذا – كما يقول المحللون – ليس تكتيكًا انتخابيًا يستخدمه أبناء الداخل الأخضر، لكنه ضرورة فرضه الواقع عليهم حتى يتسنى لهم الوقوف أمام محاولات تهويد الدولة التي يعيشون فيها.