في منتصف أكتوبر من العام الجاري كتب الدكتور “غازي صلاح الدين” مقالة تحت عنوان “ست عقبات حاكمة في طريق الحوار الوطني”، كانت بمثابة قراءة متأنية لما آلت إليه أحوال الحوار الوطني السوداني المُعلن منذ مطلع العام، وعدد الدكتور غازي صلاح الدين تلك العقبات في: “الاتفاق على مفهوم الحوار وغاياته، الواجب الحيادي لرئيس الجمهورية، شمول الحوار واستيعابه لجميع الأطراف، بناء الثقة، تأكيد مبدأ الانتقال، وضمانات تنفيذ الاتفاق”، وقدم العتباني تفصيلات للجوانب المتعلقة بتلك العقبات الست عدّها المراقبون ملاحظات موضوعية يمكن أن تُكسب الحوار قوة دفع وفاعلية، وهي ذات الملاحظات التي ظلت تحكم تفاعل حركة “الإصلاح الآن” مع ما يدور من نشاطات مُتصلة بعملية الحوار الوطني.
لكن رئيس القطاع السياسي في المؤتمر الوطني بدا متبرمًا من الملاحظات التي تبديها حركة الإصلاح الآن حول سير أعمال الحوار؛ فاتهمها بمحاولة تحريض الأحزاب المُشاركة في آلية الحوار، بل إن مصطفى عثمان قال: “إنّ وجود الحركة أصلاً مقصود منه إفشال الحوار، ولكن عندما لم تجد الاستجابة خرجت ثم عادت”، واستطرد قائلاً: “اعتقد أن أمام الحركة الخروج لوحدها أو مواصلة المسير”.
تصريحات المسئول السياسي في المؤتمر الوطني على هذا النحو الذي لا يجد خطرًا في مغادرة القوى السياسية لمائدة الحوار مهما افتقد الإجماع والشمول يعضد قراءة الدكتور غازي صلاح الدين بشأن المفهوم الذي يتبناه المؤتمر الوطني من خلال نظرته للحوار، إذ ذهب العتباني إلى أن موقف المؤتمر الوطني هو: “أن الحوار مبادرة سياسية تكميلية، ليس فيها وعد قاطع بالتجديد، يعقبه التغيير، وما يقوله بعض قادة المؤتمر الوطني، تلميحًا أحيانًا وتصريحًا أحيانًا أخرى، من أنهم هم من أطلقوا الحوار، وهو حوار مطروح للقوى السياسية الراغبة خلال قيد زمني محدد، فالانتخابات تقترب متسارعة وهي ستجبّ كل حوار، من الممكن أن يفسر بأنه فهم تكتيكي للحوار ليس معنيًا بالخيارات الإستراتيجية التي تحدد مصير السودان”.
وكان رئيس حركة “الإصلاح الآن” قال في تصريحات صحفية في وقت سابق: “لابد من قراءة دقيقة للمشهد حتى نتبين أمرنا من هذه العملية، إن مستقبل الحوار الوطني غير واضح رغم إجازة الجمعية العمومية لخارطة الطريق واتفاق أديس أبابا”، كما دعا د. غازي صلاح الدين إلى ضرورة الاتفاق على آليات تنفيذ البرنامج السياسي الذي يمكن أن يُتفق عليه: “لايمكن الاتفاق على برنامج سياسي دون الاتفاق على آليات تنفيذه وهو ما سنظل نطالب به”.
مثّلت هذه التصريحات الموقف المُعلن لحركة الإصلاح الآن من جملة عملية الحوار الوطني، لكن مصطفى عثمان إسماعيل قال بالأمس: “إنّ وجود الحركة أصلاً مقصود منه إفشال الحوار”، لكن عثمان لم يقدم شواهد على تلك الاتهامات سوى إشارة إلى أن حركة الإصلاح الآن ظلت تحرض الأحزاب من داخل آلية الحوار، لكنه قول لم يكن مشفوعًا بحثيات تؤكد ذلك، إذ اكتفى الرجل بإطلاق اتهاماته مُرسلة دون شواهد تؤكدها.
طول أمد التحضيرات لانطلاق الحوار أفقده مصداقيته لدى الجمهور، فقدّم رئيس حركة الإصلاح الآن حزمة من المقترحات اعتبرها صالحة لإعطاء الحوار قوة دفع جديدة تُخلصه من علله – التي عددها – وتُكسبه مصداقية بدأ يفقدها لدى الجمهور، واقترح د. غازي صلاح الدين في كلمة لم يُتح له تقديمها أمام الانعقاد الأخير للجمعية العامة للحوار “تفعيل اتفاق أديس أبابا وبدء التفاوض فورًا مع الحركات المسلحة حول مشاركتها في الحوار، والاتصال بالقوى السياسية الأخرى المُمتنعة عن الحوار ومفاوضتها حول مطالبها للمشاركة في الحوار، وذلك يقتضي بالضرورة استعادة حزب الأمة لمواصلة الحوار، وهو ما يعني ضمان عودة السيد الصادق المهدي للبلاد دون أي إجراءات تُتخذ ضده، بالنسبة للمقترحين 1 و2 تقوم لجنة 7+7 بتسمية لجنة فرعية لإجراء المفاوضات والاتصال إضافة إلى تكليف لجنة عقلاء تُمثَل فيها الحكومة وتضم شخصيات سياسية وصحفيين وقانونيين، ومن في حكمهم، لتحديد الثوابت الوطنية (وليس الخطوط الحمراء) التي يجب على جميع الأطراف احترامها، ثم إصدار بيان صريح بتأكيد أسبقية الحوار وقضاياه ذات الأولوية على قيام الانتخابات، ندعوا الجمعية العمومية لتبني هذه المقترحات الثلاث لإعطاء دفعة حياة جديدة لهذا الحوار.
كان الأمل أن يتسم مشروع الحوار لأول مرة بالشمول ويسعي لإيقاع الإجماع الوطني والتوافق السياسي العام، إلا أن عددًا كبيرًا من القضايا لاتزال عالقة مكتنفة بالخلافات، بل إن الخلافات حولها تعمّقت بأكبر مما كان أول الأمر؛ وهو ما جعل عملية الحوار الوطني تقعد عن تحرير الأجندات واختراق التباينات السياسية مهما تعقّدت الأزمات في السودان بما يملي ضرورة الاحتكام إلى كلمة سواء بين قواه المتدابرة، لكن من بعد عام على البداية توقعت آلية الحوار الوطني (7+7) انطلاق مشروع الحوار الوطني في يناير من العام 2015 بما أُتيح من قبول وإقبال بعض القوى السياسية، وهو ما يعني تجاوز الأخرى الرافضة، لكن الآلية أكّدت أن أملها لم ينقطع في الاتصال بالرافضين المُعرضين عن مائدة الحوار وهو ذات الموقف الذي لم يشهد تقدمًا طوال عام.