في الخامس والعشرين من يونيو الماضي قام الجنرال المصري عبدالفتاح السيسي بالقيام بأول زيارة خارجية بعد تنصيبه رئيسا للجمهورية. اختار السيسي الجزائر لتكون أولى محطاته.
ورغم أنه ليس من التقاليد السائرة أن تكون أول زيارة لرئيس مصري بعد انتخابه للجزائر، رأى العديد من المحللين أن الزيارة تأتي في إطار “رد الجميل” للجزائر إذ لعبت الجزائر دورا محوريا في حمل الاتحاد الإفريقي على الموافقة على رفع تجميد عضوية مصر التي تقررت بعد إطاحة الرئيس محمد مرسي.
أشارت صحف البلدين إبان الزيارة إلى أن الجزائر والقاهرة ستوقعان اتفاقية غاز تستبدل مصر بموجبها الغاز القطري بنظيره الجزائري مقابل أسعار تفاضلية. آخرون أرجعوا الأمر إلى التقارب المصري الجزائري وأطماع قائد الانقلاب العسكري في ليبيا والتي تقف الجزائر موقفا غامضا من التدخل العسكري المصري بها.
كان للزيارة أسبابها إذن، إلا أنه وراء الحدود الجزائرية مع جارتها المغرب كان للأمر تفسيرات أخرى، ظهرت عندما تفاجأ المغاربة ببث قوات تلفزيونية رسمية، ليلة أمس الخميس، تقارير في نشراتها الإخبارية تتحدث بدون وجود مناسبة سياسية لذلك عن “الانقلاب العسكري” في مصر، وانقلاب الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، على الشرعية متمثلة في “الرئيس المنتخب” محمد مرسي.
وبخلاف ما كان يُبث من قبل، ركزت القناتان الأولى والثانية، التابعتان للدولة المغربية، في نشرتهما الإخبارية، أمس، على الحديث عن تعطيل الانقلاب العسكري في مصر، الذي نفذه الجيش ضد حكومة مرسي، للعمل بالدستور، مشيرتين إلى آثار الانقلاب على المجتمع المصري.
وحمل التقرير الذي بثته القناة الأولى في نشرتها الإخبارية عنوان “الآثار السياسية للانقلاب العسكري في مصر”. وجاء في التقرير: “عاشت مصر منذ الانقلاب العسكري الذي نفّذه المشير عبد الفتاح السيسي عام 2013 على وقع الفوضى والانفلات الأمنِي، حيث اعتمد هذا الانقلاب على عدد من القوة والمؤسسات لفرضه على أرض الواقع، وتثبيت أركانه”.
تطرقت القناة في تقريرها إلى “الخروقاتٍ التي شابتْ الانتخابات” في مصر، من خلال إعلان فوز السيسي بنسبة 96 في المائة، بالرُّغم من حديث اللجنة العليا للانتخابات في البلاد عن مشاركة لمْ تتعدَّ 47 في المائة.
أما القناة الثانية المغربية “دوزيم” فعرضت في نشرتها المسائية ليوم أمس تقريرًا عن الوضع الاقتصادي في مصر بعد وصول السيسي إلى الحكم، مشيرة إلى أنه أصبح على رأس السلطة “عبر انقلاب”.
الأمر يُعد تحولا لافتا في الخطاب المغربي، فقد كان الملك محمد السادس قدْ هنأ في يونيو الماضي السيسي بـ”الثقة” التي حظي بها من قبل الشعب المصري في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو 2014.
وكان المصريون قد أعلنوا عن زيارة للسيسي إلى الرباط في العشرين من سبتمبر الماضي، إلا أن الزيارة لم تتم.
بحسب الباحث زاكي عبدالصمد فإن ثلاثة استفزازات للمغرب حدثت في عهد السيسي، كان أولها زيارته للجزائر، إذ أثارت هذه الرحلة مخاوف لدى المغاربة، من إمكانية حدوث تقارب مصري جزائري، شبيه بالذي حدث في حرب الرمال 1963، وهي الحرب التي اتحد فيها النظامان المصري بقيادة جمال عبد الناصر، والجزائري تحت زعامة أحمد بن بلا، ضد الملك الحسن الثاني. حيث خشي المغاربة أن يؤدي التقارب المصري الجزائري إلى اعتراف مصري بما يسمى بالبوليساريو.
أما ثاني الاستفزازات المصرية للمغرب بحسب عبدالصمد، فحدث نتيجة زيارة وفد إعلامي مصري لمخيمات تندوف جنوب الجزائر، وظهرت في الجرائد المصرية عدة مقالات حول الموضوع. والاستفزاز الثالث، فقد كان في الصورة التي جمعت بين محمد بن عبد العزيز، رئيس جبهة البوليساريو والسيسي، في القمة الإفريقية التي عقدت في غينيا الاستوائية.
الناشط المصري المقيم في المغرب محمد بشير والشهير بـ”جيمي هود” حمّل السلطات المصرية المسؤولية كاملة عن تدهور العلاقات المصرية المغربية، وقال إن الإهانة المصرية المستمرة للمغاربة، بالإضافة إلى الأسباب التي ذكرها الباحث زاكي عبدالصمد، هي ما أدت إلى الموقف المغربي الحالي.
وكانت صحيفة المصري اليوم القاهرية قد أجرت حوارا في يوليو الماضي مع أمين عام جبهة البوليساريو وصفته فيه بأنه “ رئيس دولة جمهورية الصحراء الغربية” والتى يعترف بها الاتحاد الأفريقى منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضى، وبالتالى فإنه بروتوكولياً -بحسب الصحيفة- يُعد “من أقدم الرؤساء الأفارقة”
ومضت الصحيفة في حوارها مع محمد عبدالعزيز الذي وصف “المقاومة السلمية” للصحراويين ضد السلطات المغربية للحصول على “الحق في تقرير المصير”.
المصري اليوم لم تكن الوحيدة، فقد قامت مجلة روز اليوسف بنشر حوار مع عبدالعزيز عنونته بتصريح لأمين عام البوليساريو قال فيه أنهم “مستعدون لاستئناف الحرب ضد المغرب فى أى وقت!”
التقرير الذي أذاعته القنوات الرسمية المغربية يأتي في وقت تستضيف فيه اسطنبول التركية الملك محمد السادس وعائلته الذي يقضي عطلة نهاية السنة في تركيا.
ومن المعلوم أن حكومة أنقرة هي الوحيدة التي لا تزال تتخذ موقفا حادا من الانقلاب العسكري في مصر، ورغم أن وسائل الإعلام أو الحكومتين المغربية والتركية لم تعلن عن أي محادثات رسمية بين الرئيس التركي أو رئيس وزرائه وبين الملك المغربي، إلا أنه من المهم رصد التقارب المغربي التركي في إطار التحول تجاه الموقف المصري.
وكان رئيس الحكومة المغربية “عبدالإله بن كيران”، والذي ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية ذي الخلفية الإسلامية، قد أعلن رفضه للانقلاب العسكري في مصر، وهو الموقف الرسمي الذي يتخذه الحزب والحركة المؤسسة له “التوحيد والإصلاح”.
ورغم التقارب المغربي الخليجي، وخاصة مع المملكة العربية السعودية، التي يتهمها الكثير من المصريين بالوقوف وراء الانقلاب العسكري، والتي دعمته بعدة مليارات دولار منذ الثالث من يوليو 2013 وحتى الآن، إلا أن الموقف المغربي يبدو كرد فعل على الاستفزازات المصرية المتواصلة، ويتوقع مراقبون أن تلعب دول الخليج دورا في تهدئة الأوضاع لاحقا بين البلدين، وهو ما قد ينعكس على الخطاب المصري تجاه الرباط.