ترجمة وتحرير نون بوست
تعمل الصين بدأب لتجعل من نفسها قوة مركزية في النظام الدولي، ولتجعل النظام الدولي أكثر ملائمة لمصالحها كقوة اقتصادية، وهو ما جعل الدبلوماسية الجديدة للرئيس الصيني “شي جينبينغ” متمركزة حول الاهتمام بالشراكات القائمة التي قد تعزز من قيادة الصين العالمية، مثل تجمّع بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، ومنظمة شانغهاي، والدفع نحو مبادرات جديدة مثل بنك البنية التحتية الآسيوي ومبادرة طريق الحرير الجديد.
لتكلل جهود الصين بالنجاح، فإنها بحاجة لشركاء ذوي نفوذ ليعززوا من دورها، لاسيما روسيا الصديق وعضو مجلس الأمن الدائم – وذلك على الرُغم من اختلاف أهداف بوتين الاستراتيجية تمامًا عن نظيره الصيني – وهو ما جاء واضحًا في خطاب شي في نوفمبر الماضي أمام مؤتمر العلاقات الخارجية الصيني، والذي تحدث فيه لأول مرة عن “قوى نامية كبرى” كما سمّاها، تضم روسيا، وتعتبر ذات أهمية للإستراتيجية الدبلوماسية الصينية.
الشراكة الحذرة
تعرف كل من روسيا والصين أنهما جزء من منظومة دولية لاتزال تحت هيمنة الولايات المتحدة، وإن كانت عداوة بوتين لهذا النظام أشد وأوضح من شي، لا تخشى الصين من رفع صوتها ضد الولايات المتحدة، ولكنها تعي جيدًا أنها استفادت كثيرًا من العولمة الاقتصادية، ومن النظام الأسيوي الذي أرسته أمريكا بعد الحرب العالمية، لتحقق نجاحاتها على مدار عقود، وهو ما يعني أن شي يرى لبلاده علاقة مختلفة وأكثر استقرارًا مع الولايات المتحدة، على عكس نظيره الروسي، لتتمكن بكين من خلق بيئة دولية مناسبة للتنمية الاقتصادية، خاصة وأن الاقتصاد هو أولوية الصين الرئيسية، في حين تطغى السياسة على علاقات موسكو وواشنطن وتجعلها أكثر توترًا.
لهذا السبب، لم نجد دعمًا واضحًا من الصين لاتجاهات روسيا الأخيرة بعد الأزمة الأوكرانية، والتي لا يبدو أنها تريح بكين، خاصة النبرة الواضحة المعادية للغرب في خطاب بوتين الأخير، وهي نبرة عدوانية غير مرحب بها في الصين وإن لم تبد ذلك بشكل واضح ولم تلمح له أيضًا في صحافتها.
في الوقت الذي تلتزم فيه بكين الحياد بين الطرفين، تستمر في التمتع بثمار شراكتها مع روسيا، خاصة التكنولوجيا العسكرية، حيث ذكرت وكالة الأنباء الروسية في نوفمبر الماضي استعداد موسكو لتزويد الصين بطيارات سو-٣٥ القتالية، وهو ما يعني استمرار تصدير السلاح المتطور، والذي تعطل لبضع سنوات بعد أن نجحت الصين في تعديل طيارات الصين وإعادة تصديرها.
في نفس الوقت، قام وزير الدفاع الروسي “سرجي شويجو” بزيارة بكين، وأعلن عن خطة جديدة لمناورات بحرية مشتركة في 2015، واحدة في البحر المتوسط وأخرى في المحيط الهادي، وهما اختياران يدللان على مدى اتساع الشراكة العسكرية بين البلدين في الساحة الدولية، بيد أن وزارة الدفاع الصينية كانت حريصة على التأكيد بأنها ملتزمة بمبدأ عدم مواجهة، أو التحالف مع، أي قوة، على حد قولها.
الصين وروسيا: ندان استراتيجيان
رُغم الشراكة العسكرية بين البلدين، قامت روسيا في الواقع خلال العام المنصرم بتدريبات عسكرية بدا أنها موجهة للصين نفسها، وهي تدريبات فوستوك 2014، وهو ما يعني أن بوتين ليس مطمئنًا بشكل كامل للعملاق الصيني الذي يُعَد حتى الآن واحدًا من أهم شركائه الدوليين.
في خطابه السنوي في ديسمبر، مر بوتين على منطقة أسيا والهادي مرور الكرام، وتحدث بشكل أكبر عن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والذي يُعَد في الحقيقة، ليس فقط محاولة لإعادة رسم مجال النفوذ السوفيتي في وجه توسع الاتحاد الأوربي والناتو، ولكن أيضًا محاولة لرسم خط أحمر للنفوذ الصيني المتصاعد في أسيا الوسطى، والذي يشهد مؤخرًا العديد من المبادرات المعروفة بطريق الحرير، والمُغرية لدول هذه المنطقة شديدة الفقر، والتي قد تفضّل اقتصاد بكين القوي على هشاشة الاقتصاد الروسي، لاسيما بعد هبوط الروبل أواخر هذا العام.
بالنظر للطموح الصيني المار من خورجوس على الحدود مع كازاخستان، مرورًا بطاجيكستان وأفغانستان وأوزبكستان وتركمنستان، وحتى إيران، لا يبدو أن روسيا ستسفيد من فكاك مجالها السوفيتي من قبضتها الاقتصادية وانفتاحها على الهيمنة الصينية، بل ستفقد تدريجيًا مساحاتها المشتركة مع جارها، لتصبح أكثر عزلة وضعفًا بين قطبين (الغرب والصين) يفوقانها قوة وحجمًا.
إن عاجلًا أم آجلًا، ستفقد تلك الشراكة المرحلية بين بكين وموسكو بريقها، وستصبح ثقة الطرفين في بعضهما البعض أضعف، وربما تتلاشى تمامًا كما الحال بين موسكو والغرب هذه الأيام.
المصدر: منتدى شرق آسيا