حفزت فكرة ازدهار النفط الصخري منظمة أوبك، أقوى منظمة في العالم، لتشن نداء استغاثة، فعلى الرغم من تكرار الخبر على عدد لا يُحصى من وسائل الإعلام، دوّن المحللون على مدى الأسابيع القليلة الماضية فكرة أن المواجهة تُحتدم بين النفط الصخري والشيوخ العرب للسيطرة على نسق الإمداد العالمي للنفط لبضعة أسباب قيّمة، حيث تسعى القيادات السعودية للحفاظ على نسق ضخ الأوبك للنفط باعتبارها ضربة مباشرة من الرياض لغريميها الجيوسياسيين المكبلين، روسيا وإيران، الذين يضطلعان في مساندة الديكتاتور السوري “بشار الأسد” وفي حيك عدة مكائد جيوإستراتيجية بالمنطقة، والتي باتت تشكل تهديدًا صارخًا للأمن السعودي أكثر مما يشكله التنافس على كسب السوق العالمية مع المنقِبين الأمريكيين.
السعودية تقوم بتخفيض أسعار النفط، تتأثر روسيا وإيران سلبًا، ويُصرح بعض المسؤولين الأمريكيين أن السعودية تقدم خدمة العمر للولايات المتحدة، في حين تخسر أيضًا أمريكا الكثير من شركاتها للتنقيب عن النفط الصخري.
هذه الفقرات التي تحوي الكثير من مصطلحات الاقتصاد والجغرافيا والجغرافيا السياسية، كثيرًا ما تتكرر في العديد من مقالات الصحف ووكالات الأنباء، بلا أي تفاصيل علمية عما هو النفط الصخري أو كيف يتم استخراجه وإنتاجه، هذا الموضوع مقدمة لذلك.
يعتقد العديد من الباحثين ومحللي النفط أننا وصلنا إلى النقطة التي انخفضت فيها الكمية المُتاحة من النفط التقليدي في جميع أنحاء العالم، وهذا ما يسمى ذروة النفط، وذلك لأن النفط يعتبر موردًا غير متجددًا، وذو إمدادات محدودة، إلّا أن هذه الفكرة لا يتفق عليها الجميع، فالبعض مازال يعتقد بأننا لازلنا بعيدين عن الوصول لهذه الذروة بقرن أو أكثر، وعلى اعتبار أننا أصبحنا نعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا التي تعمل بالمنتجات البترولية، فقد بدأ البحث بشكل جدي عن مصادر غير تقليدية من النفط الخام، وقد تبين أن هناك واحدًا من أكثر الاحتياطيات الواعدة من النفط الذي لم يتم استغلاله تجاريًا بعد، وهو النفط الصخري، وهو في الأساس النفط الذي يوجد بصورة صلبة داخل الصخور.
منذ حوالي مائة مليون سنة مضت، فصلت رقعة واسعة من البحر قارة أمريكا الشمالية إلى جزأين شرقية وغربية، ومع انخفاض مستويات سطح البحر، تراجعت هذه القطعة البحرية، مخلفةً وراءها بحارًا داخلية ومراعٍ خصبة، كما أدت إلى موت الكائنات التي كانت تعيش عليها وتحولها إلى حفريات متحجرة، وبعد مرور ملايين السنين، أدى تعرض هذه البقايا لدرجات حرارة عالية وضغط الجاذبية، إلى تحولها لبترول، إلّا أن الظروف التي أدت لخلق البترول السائل في مناطق أخرى من العالم، لم تكن تتوافر في هذه المنطقة مما أدى إلى تشكّل النفط الصخري (غير السائل)، الذي يمكن اعتباره مماثلاً للنفط الخام السائل في جميع مراحل تكونه، ماعدا الجزء الأخير الذي يحوله إلى سائل، لذلك فإن الأمر متروك لعلماء الطاقة حتى يقوموا بإنهاء العملية.
تعتبر عملية استخراج النفط الحجري مشابهة لعملية استخراج النفط السائل، ففي عملية استخراج النفط يخرج النفط إلى السطح نتيجة لضغط الغازات، وبعد أن يتم التخفيف من هذا الضغط، تبدأ المراحل الثانية والثالثة التي تعتبر أكثر صعوبة في التنقيب عن النفط، ففي بعض الحالات، يتم ضخ المياه لتخفيف ضغط النفط، وفي بعض الأحيان الأخرى يتم إدخال الغازات لإعادة ضغط حجرة النفط، وفي كثير من الحالات، يُترك النفط المتبقي لاستخراجه في المستقبل عند توفر المزيد من المعدات المتقدمة، إلّا أن استخراج النفط الخام من الصخور يعتبر أكثر صعوبة، حيث يجب التنقيب عن الصخر الزيتي بالحفر تحت الأرض أو بتلغيم السطح، كما وأنه بعد الحفر، يجب إخضاع النفط الصخري للتقطير، وهذه العملية تتضمن تعريض الصخر المستخرج إلى عملية انحلال حراري، أي تطبيق حرارة شديدة عليه بدون وجود الأكسجين، مما ينتج تغيّر كيميائي، حيث إنه بين درجة حرارة 650 و700 فهرنهايت، يبدأ الكيروجين – الوقود الأحفوري الموجود داخل الصخور – بالسيلان وينفصل عن الصخر، وعندها يمكن أن يتم تكرير تلك المادة الناتجة الشبيهة بالنفط لإنتاج المزيد من النفط الخام الاصطناعي، والجدير بالذكر أن عملية استخراج النفط الصخري ومعالجته فوق سطح الأرض، تسمى عملية التقطير السطحي.
تكمن المشكلة بأن هذه العملية تضيف خطوتين إضافيتين لعملية الاستخراج التقليدية التي يتم فيها ضخ النفط السائل ببساطة من الأرض، فبالإضافة إلى التعدين، هناك أيضًا عملية التقطير والتكرير من الكيروجين لإنتاج النفط الخام الاصطناعي، كما أن استخراج النفط الصخري يطرح تحديات بيئية أيضًا، حيث إن إنتاج برميل واحد من النفط الصخري السائل يتطلب استخدام برميلين من المياه، وبدون تطوير تكنولوجيا لمعالجة المياه، فإن المياه الناتجة عن تكرير النفط الصخري سوف تزيد من ملوحة مياه المحيطات؛ مما سيؤدي إلى تسمم المناطق المحلية المحيطة بها، كما أن هناك مشكلة أخرى تتمثل بالصخور، حيث إن كل برميل من النفط المنتج من النفط الصخري ينتج عنه حوالي 1.5 طن من الصخور، وعلى الرغم من أن هناك مشاريع تتطلب استخدام الصخور الحرة (الدبش)، ولكن الطلب على هذه المادة قد لا يتوافق مع العرض، كون العرض سيفوق الطلب بالتأكيد.
عرضت شركة النفط رويال داتش شيل (Royal Dutch Shell Oil Company) حلاً لبعض المشاكل التي يمكن أن تنتج عن تكرير النفط الصخري، وتدعو الشركة هذا الحل بعملية التحويل في الموقع (ICP)، حيث تقوم هذه الخطة على إبقاء الصخر مكانه، فبدلاً من استخراج الصخور من الموقع ومعالجتها، يتم حفر ثقوب في الصخور التي تحتوي على احتياطي النفط، ويتم إنزال سخانات حرارية في الأرض، وبعد سنتين أو أكثر، ستبدأ حرارة الصخر الذي يحتوي على النفط بالارتفاع ببطء، ويبدأ الكيروجين بالتسرب خارجًا، وبعد هذا يتم جمع النفط الناتج في الموقع وضخه إلى السطح، وبذلك يمكن الاستغناء عن عملية استخراج الصخور من الأرض، والتقليل من التكاليف التي يمكن أن يتم صرفها، كما ويضم تصميم شل أيضًا جدار تجميد، وهو في الأساس عبارة عن حاجز يتم وضعه حول موقع النفط الصخري حيث يتم ضخ السوائل المبردة في باطن الأرض، ويعمل هذا الجدار على تجميد أية مياه جوفية يمكن أن تدخل إلى الموقع ويمنع المواد الضارة مثل الهيدروكربونات من التسرب.
بسبب العقبات التي لاتزال موجودة حتى الآن، لم يتم البدء بإنتاج النفط الصخري تجاريًا على نطاق واسع، فهو لايزال أكثر تكلفة من الوقود الأحفوري التقليدي، وأكثر ضررًا بالبيئة، ولكن مع انخفاض موارد النفط الخام وارتفاع سعره، سيصبح النفط الصخري – وخاصة في ظل خطة شل – الهدف القادم بلا شك، ففي الفترة التي كان فيها العالم يعاني من أزمة نفطية رئيسية في سبعينيات القرن الماضي، أمرت إدارة الرئيس “جيمي كارتر” بتمويل بحوث النفط الصخري، ولكن عندما عادت أسعار النفط لتنخفض مرة أخرى، تضاءلت الإمدادات التي يتم تكريسها لبحوث الوقود الغير تقليدي، ولكن مع عودة أسعار النفط لترتفع مرة أخرى، فإن النفط الصخري سيعود ليكون نقطة جذب مرة ثانية.