قبل يومين، قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتصعيد مجددًا تجاه السلطة الفلسطينية برام الله وذلك بقرار تجميد نحو 130 مليون دولارًا أموال ضرائب مستحقة للسلطة الفلسطينية تجمعها إسرائيل للسلطة وتشكل تقريبًا نصف ميزانية الخزانة، جاء هذا التصعيد الإسرائيلي عقب إعلان انضمام السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية، هذا القرار الإسرائيلي حظى على تأييدٍ أمريكي تجاه خطوة الانضمام للجنائية الدولية التي تؤرق إسرائيل، حيث صرحت الخارجية الأمريكية أن قرار السلطة الفلسطينية له تبعاتٍ مالية، يأتي هذا كنوع من الضغط والابتزاز الإسرائيلي الأمريكي المُمارس تجاه السلطة الفلسطينية بسبب إصرارها المضي في خطوات الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية.
وعلى الجانب الآخر، في رد فعلٍ فلسطيني على هذا القرار صرح “صائب عريقات” عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أن إسرائيل تقوم بعملية قرصنة على أموال الشعب الفلسطيني وما تفعله يعد “جريمة حرب” بحق الشعب الفلسطيني.
مسلسل التهديدات الإسرائيلية الأمريكية ليس بالجديد؛ فالأمر يظهر دائمًا على السطح عند بروز اختلافات بين الإدارة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية في رام الله، ولكن ربما لا يُطبق بالشكل الجدي في كل مرة لأن إسرائيل ترى من مصلحتها العليا التعامل مع السلطة الفلسطينية التي تشغل حيزًا كبيرًا في السياسة الفلسطينية الداخلية، مهمشةٌ دور حماس أو منافسة له، وإذا اختفت السلطة من الصورة فبالطبع لن تتوانى حركة حماس في شغل الحيز الذي ستتركه السلطة إذا ما رحلت أو تفككت هو ما لا تفضله إسرائيل على أية حال.
تأتي تهديدات مقابلة من رام الله على تل أبيب مستغلة القلق الإسرائيلي من حماس، فالتقارب الفتحاوي الحمساوي قد تستخدمه السلطة كنوعٍ من التهديد لإسرائيل، كذلك التلويح بحل السلطة الفلسطينية ورقة ضغط أخرى بيد السلطة تلقيها في وجه إسرائيل كل حين، وهو ما يعني تحمل إسرائيل لمسؤوليتها كاملةً كدولة احتلال، كما أن التلويح القادم من رام الله دائمًا بإيقاف التنسيق الأمني بين السلطة في رام الله ودولة الاحتلال في تل أبيب يعتبر من ضمن سياسة “ليْ الأذرع”، خاصةً وأن دولة الاحتلال تعتمد على هذا التنسيق في إيقاف أي نشاط مقاوم في الضفة والقدس والأمر أصبح ذا أهمية خاصة تحديدًا في الآونة الأخيرة بعد ازدياد الاحتقان وعمليات الدهس التي ينفذها فلسطينيون بحق المستوطنين.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الحليف الأول لإسرائيل والشريك الاستراتيجي لها ترسل نحو 600 مليون دولارًا سنويًا للسلطة الفلسطينية كمساعداتٍ لاستكمال البنى التحتية ودعم قطاع الأمن وذلك بالطبع حماية للجانب الإسرائيلي.
الإسرائيليون في الداخل يدركون جيدًا أنه ليس ثمة أي مصلحة لإسرائيل من هذا القرار الذي اتخذه “بنيامين نيتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بتجميد أموال السلطة في رام الله لأنه – على حسب تعبيرهم – قرار فقير وخلال أيام قليلة ستضطر إسرائيل للعدول عنه، لأن قرار مثل هذا من شأنه تدمير السلطة الفلسطينية وهو ما سيعرض حياة كل مواطن إسرائيلي للخطر حسب تعليق “زهافا جالؤون” رئيسة حزب “ميرتس” على القرار.
بينما يؤكد فريق نيتنياهو الداعم لقرار التجميد أن السلطة الفلسطينية اختارت المواجهة وذلك بعد سلسلة من القرارات أحادية الجانب أولها الاتفاق مع حماس، ثانيها التوجه للجنائية الدولية؛ لذلك يجب محاسبة القادة في السلطة الفلسطينية على هذه الخطوات مؤكدين أن إسرائيل لن تسمح بمحاكمة جنودها وجيشها أمام محكمة العدل في لاهاي، كما أضافت حكومة نيتنياهو أن هذه ما هي إلا خطوات أولية سيتبعها مزيدًا من العقوبات الرادعة للسلطة الفلسطينية.
في الوقت نفسه نقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن مصدر بالحكومة الإسرائيلية قوله: “لا ننوي فقط الدفاع عن أنفسنا في الساحة الدولية أمام التصرفات الفلسطينية، وإنما سنقوم بالهجوم ولدينا ما يكفي من الذخيرة”.
إذن تنوي دولة الاحتلال الاستمرار في هذه الحالة من التصعيد تجاه السلطة ولكن ليس هناك بديل واضح لها، حتى الآن، فخيار التخلي عن الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” الذي تنزف شعبيته هو وسلطته مطروح لكن لم يلح في الأفق بديل له حتى الآن سوى حماس الخيار الأسوء لدولة الاحتلال.
كذلك على الجانب الآخر فإن محمود عباس وسلطته يلجأون لإجراءات من شأنها استفزاز الجانب الإسرائيلي في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في شعبيتهم داخل البيت الفلسطيني، فالتقارب مع حماس على مضمض ما هو إلا محاولات لرأب الصدع أمام الشارع الفلسطيني كذلك الإجراءات الدولية المُتخذة هي كذلك محاولات لإثبات أن السلطة مازالت على قيد الحياة ولها فاعلية بينما يُعلن البعض موتها إكلينيكيًا.
لكن التهديد الفلسطيني الأبرز”بحل السلطة” ردًا على العقوبات الإسرائيلية الأخيرة وتحميل إسرائيل المسؤولية الأمنية والمدنية للداخل الفلسطيني يمكن أن يشكل خطر من المنظور الإسرائيلي لكن ما مدى إمكانية تطبيقه من المنظور الفلسطيني؟
القضية ليست بالسهولة التي يتصورها المسؤولون في السلطة لأن الجانب الفلسطيني القائم على السلطة – على الأقل – ليس على قلب رجل واحد، وربما إذا أقدم محمود عباس على حلها قام جناح دحلان بملئ هذا الفراغ وقطع الطريق على حركة حماس لكسب موقف إستراتيجي، وهو بالفعل يبحث عن هذه الفرصة وهذا ما تبحث عنه إسرائيل الآن بتجهيز البديل لمحمود عباس وسلطته لكنه لم يظهر حتى الآن أو لم يصبح بالقوة الكافية.
فأمر حل السلطة الفسلطينية قد يكون مجرد تلويح أو ضغط من الجانب الفسلطيني دون أن يأخذ الجدية الكافية لأن السلطة الفسلطينية وأفرادها قد لا يستطيعون تحمل تبعات هذا الأمر وأن ثمة تهدئة برعاية أمريكية ستحدث لتسكين الأمور مؤقتًا.