ساعدت الحربان العالميتان في تقييد نقل وإنتاج النفط، لكن الشركات الأمريكية المحلية – التي كانت تُنتج معظم نفط العالم في ذلك الوقت – والشركات الدولية التي كانت تسعى إلى السيطرة على التجارة العالمية احتاجت آليات جديدة للحدّ من إنتاج وتوزيع الطاقة.
طورت هذه الشركات في مسعاها ضوابط للأسعار وقوانين تحدّد حصص الحكومة في الولايات المتحدة، وترتيبات تنظيمية للسيطرة على تسويق وتوزيع النفط في العالم، واتفاقيات دولية للحدّ من عمليات اكتشاف جديدة للنفط في الشرق الأوسط، وأجهزة سياسية للتصدي لتهديد مُعارضي نظام شركات النفط في الشرق الأوسط وفي العالم.
ساهمت هذه الضوابط في تشكيل منظومة شركات النفط العابرة للحدود، والتي ظهرت كآليات تحافظ على تزويد النفط عن بُعد، وعندما بدأت كميات كبيرة من النفط تتدفق من الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، أُضيفت آليات جديدة للحد من هذا التدفق وإبقائه تحت السيطرة.
وفي الوقت الذي بدأ فيه تطوير آليات للحد من إنتاج النفط في الشرق الأوسط، ظهرت آليتان جديدتان حوّلتا نظام الطاقة الوافرة إلى نظام إمدادات محدودة، كانت الآلية الأولى هي المفهوم الجديد لـ “الأمن القومي” وقت السلم.
منحت الحرب العالمية الثانية شركات النفط الأمريكية الفرصة للتقليل من إنتاجها في الشرق الأوسط أو إيقافه، وفي عام 1943، حينما طلب ملك السعودية “عبد العزيز آل سعود” تعويضات عن الخسارة في عوائد النفط، أقنعت شركات النفط الحكومة الأمريكية بتمديد قروض الإيجار للمملكة العربية السعودية، قُدّمت هذه القروض للحد من إنتاج النفط على أنّها ضرورة للأمن القومي الأمريكي.
مثّلت هذه القروض بداية لسياسات ما بعد الحرب التي تعاونت فيها الحكومات المحلية في الحد من إنتاج النفط ومن العداء للولايات المتحدة من قبل أولئك الذين حاولوا زيادة الإنتاج، وانتظمت هذه الحكومات في منظومة لحماية المورد الثّمين.
كانت الآلية الثانية للحدّ من تدفق الطاقة بناء أسلوب معيشة في الولايات المتحدة يتبلور حول استخدام كميات هائلة من الطاقة، في كانون الثاني/ يناير 1948، ناقش وزير الدفاع الأمريكي “جيمس فوريستال” مع رئيس شركة سوكوني فاكيوم (إكسون موبيل الآن) كيف ستضطر شركات صناعة السيارات الأمريكية إلى تصنيع محركات صغيرة الحجم (4 سليندر) خلال السنوات الخمس القادمة، إذا لم نتمكن من الوصول إلى نفط الشرق الأوسط.
عملت شركات السيارات الأمريكية في السنوات التالية على استبدال المحركات ذات الست أسطوانات بمحركات جديدة ذات ثماني أسطوانات V8، لتكون حلم كلّ عائلة من الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ضاعفت قوة محركات سيارات الركاب الأمريكية في أقل من عشر سنوات.
وفي الوقت الذي تحدّث فيه وزير الدفاع الأمريكي، كانت شركة موريس موتور البريطانية تحضّر لتحدّي سيارة فولكس فاجن بيتل بمحرك ذي أربع أسطوانات بسيارة موريس ماينور بمحرك ذي الأربع أسطوانات، كما أنتجت شركة سيتروين الفرنسية سيارة 2CV بمحرك بأسطوانتين، وصنّعت شركة بي أم دبليو الألمانية أول سيارة ركاب بعد الحرب Isetta 250 المزودة بمحرك من أسطوانة واحدة.
بيعت السيارات الأوروبية بكميات أكبر وكانت أكثر عملية من السيارات الأمريكية ذات الهندسة الرديئة، لكنّ السيارات الأمريكية ساهمت في تحقيق رؤية أكبر بكثير، فقد أنتجت نماذج حياة الكربون الثقيل (carbon-heavy life) للطبقة الأمريكية الوسطى، التي ساهمت إلى جانب الترتيبات السياسية الجديدة في الشرق الأوسط، في مساعدة شركات النّفط على الحدّ من إنتاج النفط بدرجة كافية للسيطرة عليه والسماح بتدفق أرباحها.
المصدر:
Mitchell, Timothy, “Carbon Democracy: Political Power in the Age of Oil”, Verso, London, 2011, pp 41-42