“الإرهاب والكباب” مصطلح عُرف في الوسط العربي عمومًا والمصري بصفة خاصة، بعد ذلك الفيلم الذي حمل ذات الاسم، ورغم سذاجة السينما العربية وقلة جودتها إلا أنه اتضح بعد عدة سنوات من حرب الحلف الدولي بقيادة ورعاية أمريكية أن اقتران الإرهاب والكباب – يُعد في مصر من الوجبات الفاخرة – هو الاقتران الأكثر تعبيرًا.
فالإرهاب لايظهر إلا في تلك المناطق الغنية بالنفط أو تلك التي تقع بمحاذاة طفل النظام الدولي المُدلل والغاضب دائمًا رغم المحاباة “إسرائيل”، ومن ذلك يتضح أنه حيث المصلحة لدول “الحضارة” ينشأ ويترعرع الإرهاب، وحيث لا مصلحة فإن السلام والديموقراطية يحلان وإن لم تتواجد أسبابهما، غير أن تلك العلاقة واضحة مباشرة يلحظها ذو البصيرة ولا تخفى على ذي البصر.
ولكن للمفاجأة كان عقل صانعي السينما المصرية أكثر وعيًا وإدراكًا من عقلهم الخاوي – أقصد الواعي -.
إذ إن عالمنا يعيش بقطب سياسي واحد لا يجد له منافسًا، ومرضى نفسيون بحب السيطرة يحيون بخرافات من خيالاتهم أو خيالات مرضى آخرين سبقوهم فأظلموا عليهم الطرق.
وجد الطرفان في الآخر شريكًا في اتفاقية صامتة تحملها عبارة “الإرهاب والكباب” بين ثنيات حروفها.
فمعسكر الأمم المتحدة “الدولجية” يصنع عدوًا مخيفًا غير منظم في معتقلاته ومعتقلات لاعبيه من الحكام وخصوصًا حكّام المنطقة العربية بما يمارس من أشكال التنكيل والتعذيب لأصحاب الرأي والوعي الغير نمطي في مناطق الثروات، وبالرغم من أنه لا دلالة على عملية أساليب التعذيب في استخلاص المعلومات أو إحباط المخططات فإنه مازال ديدن ذلك المعسكر.
فعلى سبيل المثال تقرير C.I.A والذي برر التعذيب للحصول على المعلومات حمل بين جنباته ما يهدم قضيته عن سرده لأمثلة تعرضت لتعذيب محاكاة الغرق أكثر من 40 مرة ولم تنهار، بل إن علماء النفس يؤكدون أن التعذيب يقود إلى الوهم والتضليل للخلاص وفقط، فلو كانوا حقًا يريدون الحقيقة لاتبعوا غير ذلك من أساليب الاستجواب التي تتبعها شرطتهم المدنية مع المجرمين منهم.
كما أن القضاء على مشاريع القوى المجتمعية الوسطية ذات أفكار اللاعنف رغم أنها على استعداد للعمل ضمن المنظومة الدولية وفي الأفلاك التي تسمح بها قوى الدولجية إلا أنها تشكل خطرًا على الشريك الداعم لأنها تخصم من رصيده وبالتالي تهدد وجوده وبالتالي تضعف أدواته ويختفي شبح “دون كي خوتيه”.
والبند الأخير المُلزم للطرف الدولجي هو تعيين وتسهيل ومباركة اللاعبين الديكتاتوريين على شعوبهم والمرتعدين من الشريك الآخر؛ وبالتالي يُصبح الشريك هو الأمل المخلص من الشرور في تلك المناطق؛ ومن ثم يظل دخله من الأفراد وافرًا، وبذلك يفي معسكر النظام الدولي بكافة التزاماته في الاتفاقية تجاه الطرف الثاني، وبالمناسبة هؤلاء اللاعبون على درجات قربهم وبعدهم لا يتعدون كونهم قطع شطرنج يُضحى بها ليحمي الملك مملكته.
ويأتي الآن وقت استيفاء مكاسب المعسكر الدولي الأمريكي، وكما عودنا فهم مفاوضون بارعون مكاسبهم دائمًا أكبر من تنازلاتهم ، أي أنه حان وقت “الكباب”، فغالبية نفط العالم يقع تحت نطاق سيطرة النظام الدولي والذي تعاني معظم دوله فقرًا نظير حاجاتهم منه، أضف الى ذلك بسط قواعد الهيمنة واستخلاص أكبر مساحات النفوذ لتقليص مساحات المناورة للخصم الشرقي الإستراتيجي والذي يعاني من تدهور حاد.
يُضاف إلى ذلك المكسب الأكبر وهو فرض خيار الدولة المؤسسة كحل منفرد إجباري للوقاية من خطر همجية هؤلاء السفاحين، فالدولة وإن لم تؤد الغاية من وجودها ستظل الحصن والملاذ الآمن لجموع الناس مما يعني اندحار دعوات تطوير المنظومة والهيكلة المجتمعية والتي القليل يفطن لتلك الحقيقة لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وهذا بالتبعية يجعل بقية من القليل يجابه عوار ذلك الهيكل المجتمعي هو من معسكر الشر الإرهابي.
أضف إلى ذلك رضا لوبيات الرأسمالية لأن اقتصاد الحرب هو الضامن الأساسي لدعم جماعات الضغط الاقتصادي لمعسكر الدولجية وهو كفيل بالتراضي في الخلافيات الفرعية كون الحرية قبل الرأسمالية أو حقوق الإنسان قبل مصلحة المؤسسات، وبذلك يحصد الطرف الدولجي امتيازات هائلة مقارنة بالتزاماته.
ويتحقق بند “الكباب” لمعسكر “الإرهاب” بأن يجمع لهؤلاء من الحشود من يعبدهم حق العبادة فيحللوا ويحرموا كيفما شاءوا بغطاء مرقع من الدين، فهو ترضية لمرض حب السيطرة لدى هؤلاء، كما أن هؤلاء تجار حرب يبنون أمبراطوريات اقتصادية من الصحيح أنها أقل تطورًا من سابقتها كونها تكون منعزلة إلا أن نمو قطيعهم يعني نمو اقتصادهم بالتبعية، وإن كان معسكر الدولجية هو راعي “الحريات” في قطيعه الغافل، فإن معسكر “الإرهابجية” راعي “رد المظالم” في بلاد المظالم والظلام، إلا أنه هو الآخر يوفي بالتزامات تجاه شريكه الأقوى حاليًا، فرؤوس قياداته دائمًا أحد ضحايا إنجازات معسكر الدولجية لإثبات كفاءته.
كما أنه وتبعاً لمفردات الأحداث تتأثر تمدداته وانحسراته بمصالح الشريك وحاجته لظهوره كون الدولجية هم الشريك الأقوى.
وكمثال بسيط على ذلك رغم تمدد موجة “الإرهابجية” حاليًا ووصلها إلى مناطق ملامسة لـ “إسرائيل” إلا أنها تجاوزت تلك النقطة من الخريطة لتستكمل توسعها في أفريقيا وكأن تلك النقطة غير موجودة، وذلك دليل واضح على التزام قواعد اللعبة بالرغم من فرضية كون إسرائيل العدو الأول لأصحاب تلك الأيدلوجيات.
ويجب على الوافدين الجدد لمراكز صناعة القرار في هذا المعسكر أن يكونوا أكثر مغالاة من سابقيهم، فسابقوهم مرتجأة وربما سيصبحون هم للقادمين مرتدين أو خوارج.
وكعادة الاتفاقات فلابد لها من مصاحبات هي أن يظل الطرف الأضعف لا يرقى لهزيمة الأقوى، وأن لا يسحق الأقوى الأضعف لأنه يضعف بدون وجوده.
وبالرغم أن معامل الدولجية تعمل على دقيق الحسابات حتى لا تزول تلك المصاحبات، إلا أن العلم لم يكتمل كماله وربما يطغى الوحش على سيده، ويظل فريق الحل الثالث غائبًا فاشلاً في تحويل وصفاته الورقية إلى أطباق في مطابخ السياسة الدولية والتي يحتاجها العالم حاليًا لتشكل بديلاً للمعادلة القائمة .