دخل محمد سلطان، المعتقل المصري الأمريكي في السجون المصرية، والذي لقبه نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بـ “عميد المضربين”، أمس يومه الـ 345 في إضرابه عن الطعام بعد اعتقاله عقب فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013.
محمد سلطان لم يكن الوحيد، لكنه كان الأكثر إصرارا في المعركة مع النظام المصري، هو وعشرات المضربين عن الطعام الذين قرر بعضهم إنهاء الإضراب عن الطعام بعد تحقق مطلب عددهم. المضربون عن الطعام يقاومون الاحتلال أو الأنظمة القمعية حينا، ويصمدون أمام أنفسهم أحيانا، في هذا الموضوع نحاول أن نرصد بشكل علمي أثر الإضراب عن الطعام على جسد المضرب.
غالبًا ما يستخدم الإضراب عن الطعام كوسيلة لجذب الانتباه إلى قضية معينة، ولكنه غالبًا ما يعيث فسادًا في أجسام الأشخاص الذين يقومون به، فعلى الرغم من أن الذين يقومون بالإضرابات قد يعيشون لأكثر من شهرين دون طعام – حيث استطاع أحد أعضاء الجيش الجمهوري الأيرلندي (بوبي ساندز) البقاء على قيد الحياة وهو مضرب عن الطعام لمدة 66 يومًا في السجن قبل أن يموت في شهر آذار من عام 1981 – إلّا أن آثار الإضراب عن الطعام على الجسم تبدأ بالظهور على الفور تقريبًا.
معظمنا يعرف الشعور الذي ينتج عن البقاء لوقت طويل بدون تناول وجبة من الطعام، حيث إنه بعد مضي بضعة ساعات من دون تناول أي نوع من الأطعمة، يبدأ الجسم بإحراق الكثير من إمداداته المتاحة من الجليكوجين، وهو أحد أهم مصادر الطاقة المخزنة التي يستطيع الجسم الوصول لها بسهولة، والتي توجد في معظمها في الكبد والعضلات، فإذا لم يتم تناول الطعام على مدى يومين أو ثلاثة، فإن معظم الأشخاص يستخدمون كامل الجليكوجين المتاح في أجسامهم، وخلال الأيام القليلة الأولى، تكون الأعراض خفيفة، تتمثل في آلام الجوع، وصعوبة في التنفس، وصداع، وشعور بالإرهاق، وفي حين أن آلام الجوع – التقلصات القوية التي تحدث في المعدة – تنتهي عادة خلال الأيام القليلة الأولى، فإن الآثار الحقيقية للإضراب عن الطعام تبدأ بعد 72 ساعة.
في الأيام التي تلي ذلك، تبدأ أجسام الأشخاص المضربين عن الطعام باستهلاك الطاقة التي توجد في الدهون والعضلات، التي تبدأ بتفكيك نفسها من أجل البقاء على قيد الحياة، ويبدأ الجسم باستهلاك أي مخزون متاح للطاقة بهدف تشغيل الدماغ، وعندها تبدأ العضلات بالضمور، وتبدأ مستويات العناصر الغذائية الهامة مثل الفوسفور والمغنيسيوم بالنضوب، وبالرغم من أن الأسبوعين الأولين من الإضراب عن الطعام تسبب كل هذا الآثار الضارة، إلّا أن جميع هذه الأعراض عمومًا لاتزال غير مهددة للحياة، بل في الواقع، يمكن أن يقوم بعض الأشخاص بالصيام بهذا النوع من الصوم الطويل أحيانًا لأسباب صحية.
بعد ذلك يبدأ الجسم غالبًا بالاستقرار ويدخل في نوع من القبول، حيث يتوقف عن استخدام الجلوكوز كوقود ويتحول عنه إلى استخدام طاقة جديدة يتم الحصول عليها من الأحماض الدهنية التي تسمى الكيتونات، ويبدأ عندها الجسم باستهلاك نفسه بدقة غير عادية، وقد يكون الخطر الأكبر من الصيام في الأسابيع الأولى هو انخفاض ضغط الدم الذي يمكن أن يسبب الإغماء والتعرض للسقوط وإصابة الرأس بصدمة بالغة الخطورة.
بمجرد مرور فترة الأسبوعين، تبدأ قصة مختلفة، فالأعراض المرتبطة بالجوع الكبير مثل الدوخة والإرهاق وعدم القدرة على الوقوف، غالبًا ما تبدأ في إحداث خسائر فادحة بشكل جدي، فضمور العضلات يمكن أن يتطور بشكل خطير في هذه المرحلة، والسيطرة على تلك العضلات يمكن أن يصبح بالغ الصعوبة؛ مما يؤدي إلى الإصابة بحالة من التشنج في المشي وفقدان التحكم في الحركة، كما أن ضربات القلب تبدأ بالتباطؤ، ويصاب الشخص المضرب عن الطعام بحالة معروفة باسم تباطؤ القلب، كما أن العديد من المضربين عن الطعام أفادوا بأنهم كانوا يشعرون بالبرد بشكل مستمر، وهذا يحدث جراء نقص مادة الثيامين لديهم؛ مما يُضر بالعضلات بشكل كبير وغالبًا ما يسبب حالات من القيء وصعوبة في الرؤية.
هذا النقص في مادة الثيامين هو سبب المشاكل التي تحدث بعد أربعة أو خمسة أسابيع من بدء الإضراب عن الطعام، والتي يمكن أن تشمل الدوار، وحركات العين التي لا يمكن السيطرة عليها، والرؤية المزدوجة، أما بعد ستة أسابيع، فإن الأعراض الناتجة عن الإضراب عن الطعام تصبح مهددة للحياة بالنسبة لمعظم الأشخاص، حيث تختل وظائف الدماغ العليا بشدة؛ مما يجعل الشخص غير متماسكًا ومشوشًا معظم الوقت، كما وقد تم الإبلاغ عن حالات من فقدان السمع والعمى، وبالإضافة إلى ذلك فإن الأشخاص الذين يستمرون في الإضراب عن الطعام لفترة أكثر من ستة أسابيع، يصبحون معرضين لخطر الموت نتيجة لفشل القلب، وقد يحدث أيضًا تراكم للسموم في الجسم؛ الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تعفن الدم، وعدوى الدم، على الرغم من أن هذا يحدث في حالات نادرة فقط.
إذا ما استمر الصيام عن الطعام إلى مرحلة استهلاك الجسم كامل مخزونه من الفيتامينات والمعادن، فقد يُصاب الشخص عندها باليرقان أو الاسقربوط، والقيء المراري الأخضر، وقد يصاب أيضًا بآفات في جميع أنحاء جهازه العصبي، وقد يعاني من النزيف الجلدي، ولا تعود خلاياه قادرة على أداء وظائفها الأساسية نتيجة لفقدانها للطاقة الضرورية لذلك، كما وتبدأ الأنظمة الأساسية في جسمه بالتحطم.
وبعد أن قام العديد من المضربين عن الطعام بإنهاء إضرابهم، استمر عدد منهم في المعاناة مع أمراض تتعلق بكفاءة وظائف الجسم المختلفة.