ترجمة وتحرير نون بوست
هذا العام، على الأغلب سوف يتأثر الإسلام السياسي العربي إلى حد كبير بالسياسات الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية، كما كان الحال عليه للسنوات الست الأخيرة منذ وصول إدارة أوباما للسلطة
في الواقع، فكما تعاظم دور الولايات المتحدة في المنطقة تزامنًا مع وصول أوباما إلى البيت الأبيض في 2009، فإن دور الإسلام السياسي العربي أخذ في الزيادة هو الآخر.
ولكن عندما رأت الأنظمة العربية المستبدة أن هذا الدور الأمريكي ونفوذ واشنطن في المنطقة بدأ في التضاؤل وأن السياسة الإقليمية للولايات المتحدة دخلت في حالة من التخبط والتعثر، استغلوا تلك الفرصة وشرعوا في قمع الأحزاب السياسية الإسلامية المحلية بدون رقيب مع إفلاتهم من المساءلة، على الرغم من الاحتجاجات الأمريكية المستمرة.
ارتباط السياسات هذا والذي من المتوقع أن يستمر في العام القادم، لا يبدو أنه يبشر بالخير على الإسلام السياسي، فتمامًا مثل العام الماضي، ستقوم الولايات المتحدة في العام الجديد 2015 بإيلاء مزيد من الاهتمام نحو دعم الأنظمة الاستبدادية العربية في حربها مع الدولة الإسلامية (داعش)، على حساب الأحزاب السياسية الإسلامية والتي ستظل في حالة قمع مستمر وسوء معاملة من الأنظمة العربية؛ الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة على المدى الطويل.
فمنذ منتصف عام 2013 وإدارة أوباما تركز على حاجتها التكتيكية إلى التودد للأنظمة الديكتاتورية من أجل استخدام تلك الأنظمة في مكافحة الجماعات الإرهابية؛ الأمر الذي جعلها تتخلى عن التزامها تجاه ارتباط سياستها بسياسات الأحزاب الإسلامية.
بمعنى آخر، فإن دعم أمريكا المتزايد للحكام العرب المستبدين، يعنى أن تتم التضحية بالإسلام السياسي في المقابل، على سبيل المثال، تبدو واشنطن الآن غافلة تمامًا عن الآلاف من الإسلاميين المعتدلين ونشطاء المعارضة الذين يقبعون في السجون المصرية.
هناك العديد من الافتراضات التي تدعم تلك النتيجة؛ أولاً، إن “الإسلام السياسي” ينطبق على الأحزاب الإسلامية السائدة والحركات السياسية التي رفضت العنف وقامت بعمل تحولات إستراتيجية نحو سياسات أكثر تشاركية أو ائتلافية، من خلال الدعم والمشاركة في الانتخابات الحرة.
الإسلام السياسي العربي عمومًا يشمل: جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن، حركة حماس في فلسطين، حزب الله في لبنان، حزب النهضة في تونس والوفاق البحرينية.
مصطلح “الإسلام السياسي” لا يشمل الجماعات المتطرفة أو المجموعات الإرهابية، مثل الدولة الإسلامية على سبيل المثال، أو تنظيم القاعدة في شبه الحزيرة العربية وشمال أفريقيا والعراق وسوريا، أو جماعات المعارضة المسلحة في العراق وسوريا واليمن وليبيا، كما أنه لا ينطبق على الجماعات الإرهابية في أفريقيا مثل بوكو حرام وحركة الشباب وغيرهما.
ولكن للأسف، فإنه في الثلاث سنوات الماضية، قام العديد من صانعي السياسات في الغرب وبشكل غريب في بعض الدول العربية بمساواة تيار الإسلام السياسي مع الجماعات الإرهابية المتطرفة.
هذا الربط الخاطئ والذي يهدف إلى خدمة مصالح شخصية بالأساس، قدم لواشنطن ورقة التوت التي تحتاجها تمامًا لتبرير إقامة علاقة حميمة مع الأنظمة العربية المستبدة وغض الطرف عن القمع الدموى الذي تمارسه تلك الأنظمة المستبدة في مواطنيها.
القمع يولد التطرف
كما أعطى أيضًا الذريعة للمستبدين العرب لقمع الأحزاب الإسلامية واستبعادها من العملية السياسية، في مقابلة صحفية أواخر الشهر الماضي، تعهد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بعدم دخول جماعة الإخوان المسلمين البرلمان المصري.
قوانين محاربة الإرهاب التي طُبقت مؤخرًا في مصر، والتي وافق عليها السيسي وغيره من الأنظمة الديكتاتورية العربية الأخرى، وفرت لهم غطاءً شبه قانوني لإسكات المعارضة كلها بما فى ذلك تيار الإسلام السياسي السائد.
الأنظمة التي استخدمت تعريفات فضفاضة وغامضة للإرهاب، بدأت بحبس أي شخص وتحويله للمحاكمة بدعوى أنه “يُضر بالوحدة الوطنية”، حيث يعتبر أي انتقاد للنظام أو للحاكم عملاً إرهابيًا يُعاقب عليه بالسجن لمدة طويلة.
في الثامن والعشرين من ديسمبر الماضي، اعتقلت السلطات البحرينية الشيخ على سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق البحرينية، في مثال آخر واضح عن التدابير الصارمة ضد التيار السلمي لأحزاب وقادة المعارضة في المنطقة، ومن المتوقع أن يستمر نظام القمع هذا في عام 2015 الجديد.
ثانيًا، وعلى الرغم من أن المنظمات الإرهابية تشكل تهديدًا للمنطقة بما فيها الإسلام السياسي نفسه والدول الغربية على حد سواء، إلا أنها على المدى البعيد تعتبر جيدة بالنسبة للاستقرار الداخلي والأمن الإقليمي، كما أنها تخدم مصالح القوى الغربية في المنطقة.
والتاريخ الحديث يخبرنا بأن الإقصاء والقمع غالبًا ما يؤديان إلى التطرف، حيث قام بعض الشباب في هذه الأحزاب بالتخلي عن فكرة السياسة التشاركية ليعتنق سياسة المواجهة أو الصدام وينتهج العنف، الظاهرة التي من المتوقع أن تنتشر للغاية في عام 2015، كلما ازدادت الأنظمة قمعًا للإسلام السياسي وجعلت من قمعه أمرًا أكثر انتشارًا ومنهجية.
ثالثًا، فإن الأخطاء الجسيمة لجماعة الإخوان المسلمين بمصر أو النهضة بتونس والتي ارتكبوها في السنة الأولى لهم في الحكم، يجب ألا تكون أمرًا مفاجئًا للغاية، نظرا لأن كليهما يفتقر إلى تجربة الحكم وبالتالي لا يملكان الخبرة الكافية.
ومثل هذا الأداء الضعيف لا ينبغى أن يُستخدم كذريعة للإطاحة بهما بشكل غير قانونى مبطلاً العملية الديموقراطية، كما فعل الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي في مصر عام 2013.
وعلى الرغم من أن الأحزاب السياسية الإسلامية فازت بالانتخابات الأولى وخاصة بعد إسقاط الأنظمة الديكتاتورية، إلا أن اختبار الدعم الشعبي الحقيقي لهم يكمن في نجاحهم في الانتخابات، وانتخابات ما بعد الربيع العربى في تونس هي خير مثال على ذلك.
وعندما يتم توفير فرصة للمواطنين العرب للمشاركة في انتخابات حرة ونزيهة، عندها يُصبح المواطنون قادرون على انتخاب الحزب الذي سيخدم مصالحهم بالشكل الأكبر، بغض النظر عما إذا كان ذلك الحزب إسلاميًا أو علمانيًا.
فلو كان المشير السيسي ترك الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي في عام 2013 وسمح لهم بالبقاء في السلطة حتى الانتخابات التالية، لخسروها حتمًا، وفقا لاستطلاعات الرأى في ذلك الوقت، ولكن السيسي ومجلسه العسكري لم يكونوا ملتزمين حقًا بتحول ديموقراطي حقيقي في مصر.
الآن، وفقًا لتقارير منظمة مراقبة حقوق الإنسان، فإن الحالة في مصر هي أسوأ بكثير مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
الولايات المتحدة والإسلام السياسي
ومع توليه منصبه، فهم الرئيس أوباما أن الخلافات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، ومع الإسلاميين خاصة، تتسبب فيها سياسات محددة، وليست قيم الحكم الرشيد التي قد يتفق عليها الجميع. كما أنه من العوامل الرئيسية التي تسببت في حدوث هذه الخلافات، هو التصور عند الإسلاميين الذي ظل رائجًا لفترة من الزمن وعلى نطاق واسع، أن حرب أمريكا على الإرهاب هي حرب على الإسلام.
كما أدركت إدارة أوباما أيضًا أنه في حين أن نسبة ضئيلة جدًا من المسلمين هي التى تشارك في أعمال العنف والإرهاب، فإنه يجب على الولايات المتحدة أن تجد طريقة لإشراك الـ 1.6 مليار مسلم الموجودين في جميع أنحاء العالم، كان هذا ما دفع الرئيس أوباما في وقت مبكر من توليه منصبه، منح المقابلات الإعلامية للمذيعين العرب، وإلقاء خطابه التاريخي في جامعة القاهرة في يونيو 2009.
إلا أنه باستمرار حربين جاريتين في العراق وأفغانستان، واستمرار سقوط ضحايا مدنيين بغارات الطائرات بدون طيار في اليمن وأفغانستان وأماكن أخرى، أصبح المزيد من المسلمين أكثر تشككًا في التزام واشنطن بعلاقة صادقة مع العالم الإسلامي.
ولكن الانتفاضات العربية التي بدأت في عام 2011 والمعروفة أيضًا باسم ثورات الربيع العربي، والتي أدت إلى سقوط الديكتاتوريين العرب، دفعت الولايات المتحدة إلى دعم دعاوى الحرية والإصلاح السياسي والكرامة والديموقراطية، وأعلنت حينها واشنطن أنها ستتعاون مع الأحزاب الإسلامية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين وحزب النهضة، طالما التزما وكل الأحزاب الإسلامية الأخرى بالتغيير السلمي ومبادئ التعددية والانتخابات والديموقراطية.
هذه الحالة الغير متوقعة من الانفتاح المفاجئ؛ عززت من حظوظ الإسلام السياسي العربي بشكل كبير، وأيضًا أثرت الحالة السياسية الشاملة في العالم العربى، إلا أن ذلك التقارب مع الإدارة الأمريكية لم يدم أكثر من سنتين.
المصدر: ميدل إيست آي