يغلب على محافظة ديالى العراقية 57 كم شمال شرق بغداد، انتشار واسع ومكثف للمليشيات أو مابات يطلق عليها (الحشد) والتي لها دور واضح في عدم استقرار الوضع الأمني في المحافظة لاسيما في قضائي بعقوبة مركز المحافظة والمقدادية.
وبحسب أهالي ديالى فإن هذه المليشيات ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمسؤولين حكوميين داخل المحافظة وخارجها، وتلقى دعمًا كبيرًا من خزينة الدولة ودعمًا لوجستيًا من إيران، حيث يقود المعارك داخل ديالى جنرالات إيرانيون مثل قاسم سليماني والذي يظهر برفقة هادي العامري، كما وتتمتع المليشيات بصلاحيات تفوق صلاحيات الأجهزة الأمنية، بل إن الحكومة العراقية أعلنت عن تشكيل هيئة باسم الحشد الشعبي في العراق مهمتها تقديم المعلومات ومساندة الجيش في عملياته القتالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية والذي يتمركز في قرى المحافظة متخذًا من بعض بساتين ديالى مركزًا له بدعوى مقاتلة المليشيات.
في المقابل توجد أعداد من الفصائل المسلحة يكاد يكون وجودها معدومًا نظرًا لانعدام نشاطها وقلة دعمها وهذا ما تحدث به الباحث السياسي الأستاذ عبد الرحمن الجنابي لـ “نون بوست ” قائلاً إن ديالى لا تخلو من الفصائل المسلحة ولكن دورها محدود وأعدادها قليلة وهي منقسمة بين كتائب العشرين وصلاح الدين (جامع) وأنصار الشريعة وأنصار الإسلام وجيش العزة والكرامة (حماس سابقًا) والنقشبندية والجيش الإسلامي وتنظيم الدولة الإسلامية وهي أكثر انتشارًا وأكثر عددًا وهي الجهة الوحيدة التي تقاتل في المحافظة حاليًا، أما البقية عبارة عن أفراد يمثلون أنفسهم لا فصائلهم في القتال، كما أن أغلب الفصائل تركت السلاح بعد خروج المحتل الأمريكي وبعضها تم حلها مثل حماس إلى أن أُعيد تشكيلها قبل أكثر من عام تحت اسم جيش العزة والكرامة وبأعداد قليلة ومتواضعة، بينما تدعو القوى السنية في العراق لتسليح أبناء العشائر لمواجهة المسلحين للحفاظ على ممتلكاتهم وأرضهم وعرضهم.
وعن علاقة الفصائل بالصحوات، فقد أكد الجنابي على أن العلاقة كانت في بداية الأمر في بعقوبة لكتائب العشرين ثم حماس فيما بعد وصلاح الدين دخلوا باسم اللجان الشعبية لقتال القاعدة فقط، أما الصحوات المعروفة حاليًا فلا صلة للفصائل بها إطلاقًا.
وأوضح الجنابي على أهمية ديالى بالنسبة للمليشيات تكمن لأهميتها لدى إيران حيث تشترك معها بشريط حدودي من الكوت (بدره) إلى ناحية ميدان قرب السليمانية، وقد أعلنت إيران تحديد خط أحمر داخل العراق لا يمكن لتنظيم الدولة (داعش) أن يتجاوزه ولا شك في أن هذا الخط يشمل جزءًا من محافظة ديالى.
وتتنوع المليشيات ما بين بدر والعصائب وجيش المهدي (سرايا السلام) ولكن الصبغة العامة عن المليشيات في الوقت الراهن في ديالى هي للعصائب أو الحشد الشعبي وبقيادة ميدانية من، هادي العامري، المشرف على الملف الأمني في المحافظة، ومعلوم أن هادي العامري هو مسؤول فيلق بدر، وتعمل كل من بدر والعصائب بأجندات خارجية، أما سرايا السلام فإنها مازالت تؤتمر بأمر مقتدى الصدر وهناك مليشيا جيش المختار التابعة لرجل الدين الشيعي واثق البطاط والذي قتل في ناحية العظيم التابعة لمحافظة ديالى خلال إحدى المعارك بينهم وبين تنظيم الدولة، بينما تتمركز قوات البيشمركة الكردية في المناطق المتنازع عليها في ديالى.
وأكد الجنابي على أن ديالى من المحافظات السنية، وبما أن السنة في ديالى يشكلون 75% على أقل تقدير لابد إذن من تفعيل دور الميلشيات للسيطرة على المحافظة فضلاً عن المؤسسات الأمنية الحكومية والرسمية التي يسيطر عليها ضباط ومراتب من المكون الشيعي، مبينًا أن لتحجيم دور المليشيات فإن الأمر يتطلب إحداث توازن في الأجهزة الأمنية وإعادة التجنيد الإلزامي.
وأضاف الجنابي أن تنوع الميلشيات ليس للقضاء على السنة فقط وإنما لتوازن القوى بين الأحزاب الشيعية أيضًا، فالكل يهدد الكل خصوصًا عند توزيع المناصب ومعلوم اتحادهم جميعًا ضد سنة العراق، معتبرًا أن المليشيات لا يمكن التصدي لها، حيث إن القوات الأمنية المتواجدة في المحافظة تدين بالولاء لحكومة المركز في بغداد، وهذا ما أكده لـ ” نون بوست” ضابط في الجيش العراقي والذي رفض الكشف عن اسمه قائلاً إن أغلب القيادات أو المنتسبين في الأجهزة الأمنية داخل ديالى يدينون بالولاء للمليشيات أو أنهم منخرطون أصلاً ضمن تشكيلاتها بمختلف المسميات، وذكر الضابط أن المليشيات في ديالى أصبح لها عنوانًا رسميًا ومراتبًا مما يمكنها من العمل جنبًا إلى جنب مع القوات الأمنية، حيث تم استحداث مديرية الحشد الشعبي التابعة لوزارة الداخلية ويحمل قادة المليشيات مراتب فخرية كـ لواء وعميد وعقيد وكل حسب أهميته ونفوذه، مبينًا أن عناصر المليشيات يعرفهم القاصي والداني.
مؤكدًا على وجود خلافات بينهم تصل إلى الاقتتال أحيانًا فكل منهم يبحث عن نفوذ ومناصب وسلطة ومال، ويدعي كل منهم أنه الأفضل من المجموعة الأخرى لكنهم جميعًا يجتمعون في محاربتهم ضد مكون معين، وتساءل الضابط لماذا يتم تعيين بعض المدراء والمسؤولين في المحافظة وهم قادة في المليشيات وكل منهم له وحسب وصفه (عصابة) لا تختلف روآها ولا طريقة تنفيذها عن الميلشيات المعروفة! معربًا عن قلقه من تغلل هؤلاء في دوائر الدولة وإساءتهم استخدام السلطة سواء كانت دائرة عسكرية أو مدنية.
عمل الميشيات في ديالى أصبح أمرًا واقعيًا ومجابهتها يتطلب اتخاذ قرارات من الطرف المقابل، وهذا الطرف يقف مكبلاً أمام حجم ودعم هذه المليشيات إلا إن مواجهتهم والقضاء عليهم ليس أمرًا مستحيلا وإن كان ليس سهلاً، هذا ما قاله أبو سالم لـ “نون بوست” وهو أحد المتطوعين للدفاع عن قريته الواقعة في ناحية دلي عباس التابعة لقضاء الخالص، مبينًا أن ما تقوم به المليشيات لا يقل جرمًا عما يعرف بـ “داعش”، بل إنهم أكثر بشاعة؛ فهم يقومون بالخطف والاغتيالات وملاحقة السجناء الذين يتم الإفراج عنهم وقنصهم وقتلهم قبل حتى أن يصلوا إلى منازلهم، فضلاً عن سرقتهم لبيوت النازحين وتخريبها وحرق بعضها، ويضيف أبو سالم “لن أخرج من قريتي وسأبقى أدافع عنها حتى ألقي ربي”، وحول سؤاله عن عدم انخراطه مع تنظيم الدولة الإسلامية أوضح قائلاً إن “هذا الأمر مستحيلاً ما لم يكن هناك مقاومة حقيقية من داخل المحافظة وليست قوة خارجية، وقد انضم إلى الفصائل المسلحة إذا ما تم إعادة تشكيلاتها ونشاطها من جديد فهي الجهة الوحيدة التي يمكنني الوثوق بها”.