بسبب الصدمة التي سببها الهجموم الذي شُن ضد مجلة شارلي إيبدو، سيصدق المتابعون أن سبب الحادث هو رسوم كاريكاتورية نشرتها المجلة قبل ست سنوات من الآن، وسينسى نفس المتابعون السبب الحقيقي والذي يتمثل أساسًا في أن فرنسا منخرطة رسميًا وبشكل علني في حرب مباشرة ضد تنظيم داعش، وسيغفلون عن أن الملثمين الذين نفذوا الهجوم لم يقتلوا رجلي الشرطة بسبب رسوم الكاريكاتير التي استهزأت بالرسول محمد – صلى الله عليه وسلم -، وإنما لأنهما “ينتميان لدولة معادية”.
وإن لم ينتظر معظم المسلمين هذه الحادثة ليعبروا عن رفضهم للإرهاب كفكرة وكتنظيمات، فإن خطورة الصدمة التي أصابت المسلمين وهم يشاهدون الجريمة التي ارتكبت باسمهم وباسم رسولهم ستجعلهم مجبرين ليس فقط على إدانة الإرهاب وإنما على الامتناع عن انتقاد مجلة “شارلي إيبدو”، بل إن نسبة جيدة من المسلمين انخرطوا في هاشتاغ #Jesuischarlie والذي يعني: “أنا شارلي”، وكأنهم نسوا كل ما رسمته المجلة ونسوا أنها ستعود بعد أيام لرسم ما هو أشد.
والأخطر من هذا هو أن الصدمة خدعت نسبة أخرى من المسلمين وجعلتهم يصدقون أن العملية هي فعلاً “انتقام لرسول الله”، وأنستهم أن العملية هي انتقام من المسلمين في فرنسا وفي الغرب والذين تنتظرهم أيام صعبة مليئة بجرائم الإسلاموفوبيا والكراهية من قبل فئة كبيرة من غير المسلمين الذين سيقعون تحت تأثير الصدمة وسيصدقون أن المسلمين يتبنون العملية وأن العملية كانت إسلامية وفق مبادئ الإسلام ولأجل الإسلام.
وعمليًا، وبعد ساعات قليلة من تنفيذ العملية، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية أنباء عن وقوع انفجار متعمد صباح الخميس أمام مطعم كباب بالقرب من مسجد في “فيلفرانش- سور- سون” في وسط شرق فرنسا، كما قالت مصادر قضائية إن عددًا من المساجد تعرضت منذ مساء أمس، الأربعاء، لهجمات في ثلاث مدن فرنسية في شكل ردود أفعال غاضبة على عملية شارلي إيبدو، وذلك عبر إلقاء ثلاث قنابل يدوية صوتية على مسجد في مدينة لو مان غربية فرنسا، وأُطلقت رصاصة على الأقل على مسجد في حي شعبي بعيد منتصف الليل، وفي بور – لا- نوفيل جنوب فرنسا، وأُطلقت رصاصتان على قاعة صلاة للمسلمين.
وبعد أن نجح اليمين المتطرف في التقدم في الانتخابات البلدية الأخيرة عبر خطابه المعادي للمهاجرين العرب والذي يحملهم مسؤولية تفشي البطالة والمشاكل الاجتماعية، يُنتظر أن تستثمر هذه الأحزاب عملية شارلي إيبدو وما سيليها من احتقان بين المسلمين وغير المسلمين لتحقيق مكاسب سياسية أكبر من تلك التي حققتها في انتخابات 2013.
وإن كان معظم المتحدثين قد أشاروا إلى أن العملية ستؤدي بشكل مباشر إلى زيادة الأعمال المعادية للإسلام والمسلمين وإلى زيادة شعبية اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين العرب وللمسلمين، فإن ما لم يُتحدث عنه هو أن العملية ستؤدي بشكل مباشر إلى زيادة الأعمال الإرهابية، فالاحترافية العالية التي تحلى بها منفذو العملية ودقة حركتهم التي تحاكي حركة خريجي المدارس العسكرية، ستبث الحماسة في الشباب الميال للعنف وستشعره بإمكانية أن يقوم بمفرده بعمليات مشابهة بشكل فردي.
وبين المنحازين لشارلي إيبدو والمنحازين لداعش والواقفين على الحياد، ظهر في الصفحات العربية والفرنسية رأي آخر يتضامن مع أهالي الضحايا ويدين العملية وداعش وشارلي إيبدو، ويرى أن شارلي إيبدو تعمدت الوصول إلى هذه النهاية عبر اعتمادها على “السخرية الجبانة” التي تبحث دائمًا عن أكثر الأشياء إثارة للحساسية وللتطرف، ويرى أن داعش – وإن رفعت شعار الانتقام لرسول الله – قد انتقمت من رسول الله وشوهت الإسلام وأضرت بالمسلمين.
وقد لجأ أصحاب هذا الرأي لاستخدام هاشتاغ “Jesuismohamed” والذي يعني: “أنا محمد” للتعبير عن موقفهم الرافض للصورة القبيحة التي رسمتها مجلة شارلي إيبدو سابقًا عن الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم -، والرافض أيضًا للصورة القبيحة التي رسمها الإرهابيون الذين نفذوا العملية، مشيرين كذلك إلى أنه سيكون من “السخيف” أن يقول مسلم: #Jesuischarlie بينما تصر المجلة على أسلوبها اللاأخلاقي في السخرية من المسلمين.
وبغض النظر عن حجم ردود الأفعال التي سيمارسها غير المسلمين ضد مسلمي فرنسا والغرب بعد هذه العملية، وكذلك عن إمكانية تفاقم هذه العمليات الإرهابية، سيبقى الحل العقلاني لهذه المشكلة متمثلاً في انتفاضة يقودها الحكماء من المسلمين وغير المسلمين في فرنسا وفي باقي دول أوروبا لقطع الطريق على المتطرفين من كلا الجانبين، وكذلك لقطع الطريق أمام طغاة الشرق الأوسط ومنعهم من انتهاز هذه العملية لتبرير الممارسات القمعية التي ينهجونها حيال شعوبهم.
فبينما تجاهلت مشيخة الأزهر الموالية لنظام الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر وكذلك جامعة الدول العربية ودولة البحرين والإمارات خبر مقتل أكثر من 40 مدنيًا في اليمن، قامت نفس هذه الكيانات بإصدار بيانات إدانة شديدة اللهجة لعملية شارلي إيبدو، الأمر الذي رأى فيه بعض المتابعين رسالة ضمنية مفادها أن الإرهابيين الذين نفذوا عملية شارلي إيبدو ينتمون لنفس التيار الذي تحاربه هذه المكونات في ميادين القاهرة وفي سجون الإمارات.