ترجمة وتحرير نون بوست
أبو حمادة، المهندس المدني البالغ من العمر 62 عامًا، والذي أتى من ضواحي دمشق هاربًا إلى مصر بعد أن بدأت الأزمة السورية، والذي – على حسب كلامه – لم يجن الكثير في حياته السابقة، إلا أنه ووفقًا لحساباته الخاصة، جنى أكثر من 1.5 مليون دولارا في الأشهر الستة الماضية، فقط عن طريق خط أكثر ربحًا بكثير من العمل (التهريب).
الخبر الذي انتشر بشدة مؤخرًا ليظهر اكتشاف سفينتين بدون قبطان “سفن أشباح”، تحمل مئات المهاجرين السوريين إلى إيطاليا، بشكل أكثر يأسًا من أي وقت مضى على الإطلاق، في محاولة منهم إلى عبور البحر المتوسط بأي طريقة، وسط ما اسمته المنظمة الدولية للهجرة أكبر موجة من الهجرة الجماعية في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الظروف هي التي جعلت من المنضمين الجدد إلى تجارة التهريب تلك، يجنون الذهب، فبالكاد وبعد عام واحد فقط من بدئه في العمل، أصبح أبو حمادة ملك المهربين الأكبر، لشبكة تهريب سوريين موجودة في مصر، وأصبح لزامًا على غالبية السوريين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط عن طريق مصر للوصول إلى إيطاليا، أن يستعينوا بإحدى شبكات سماسرة البشر التابعة له.
فمن مايو إلى أكتوبر، الفترة التي كان فيها الطقس مناسبًا لرحلات التهريب تلك، استطاع رجال أبو حمادة تنظيم متوسط رحلتين أسبوعيًا، محققين ربح لا يقل عن 30.000 جنيهًا إسترلينيًا للأسبوع الواحد.
العمل الذي يراه المعترضون أنه يستفيد من سوء حظ الشعب، غير مبال بمعاناتهم، بل وفي الكثير من الحالات يسببها لهم.
في أوائل سبتمبر الماضى، كانت هناك السفينة الشهيرة التي غرقت بالقرب من شوطئ مالطا؛ مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخصًا، ممن كان يُفترض بهم أن يكونوا زبائن أبو حمادة.
أسامة، أحد الأشخاص الذين يُفترض بهم أن يكونوا ضحايا تلك العصابات، والذي أُلقي القبض عليه – لحسن الحظ -،بينما كان ينتظر الصعود على متن السفينة المنكوبة، قال واصفًا أولئك الناس: “إنهم أسوأ أنواع البشر”، ثم أضاف: “إنهم لا يقدّرون أي شيء بغض النظر عن المال”.
ولكن وفقًا لما قاله في ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام، فيما أسماه أول مقابلة له، يرى أبو حمادة أنه الرجل الجيد هنا، “فما هو الخطأ أو المشكلة في تحقيق ربح؟”، يقول أبو حمادة بينما كان يجلس مع بعض مساعديه في حديقة شاي بأحد أحياء القاهرة الراقية: “فإذا كنت استطيع جني المال، بينما أساعد أبناء بلدى في نفس الوقت، ما هي المشكلة؟ أنا الشخص الوحيد الذي يمكن للناس أن يثقوا به في هذا العمل”.
الاتحاد الأوروبي من ناحيته بدأ في تحجيم عمليات الإنقاذ التي يشارك فيها في البحر المتوسط، على أمل أن انخفاض أعداد خفر السواحل الذين ينقذون الهاربين من الغرق، سيثني المهاجرين عن الخروج في تلك الرحلات التي أودت بحياة أكثر من 3000 شخصًا في العام الماضي فقط، ولكن يبدو أن مثل هذه الإستراتيجية لا تقلل من شأن الطلب المتزايد على المهربين مثل أبو حمادة، ففي العام الماضى فقط، نقل أبو حمادة ما يقدر بـ 10.000 شخصًا، الرقم الذي يبدو أنه سيتزايد هذا العام أكثر من ذلك بكثير.
من المعروف أنه ليست هناك طريقة واحدة ثابتة لتهريب البشر عبر البحر المتوسط، فالأريتريون والسوريون والفلسطينيون وحتى المصريون هم من بين العديد من المهاجرين ذوي الجنسيات المتنوعة والذين يحاولون الهروب إلى أوروبا عن طريق مصر، فبمقابلة اثنين من المهربين الذين يعملون على الأرض، ثلاثة من أصحاب السفن وعشرات من المهاجرين؛ ستصل إلى أنه هناك العديد من المجتمعات المختلفة وشبكات مختلفة لكل مجتمع، وأن الأساليب والمصطلحات المستخدمة تتغير من بلد إلى آخر، مهرب عن مهرب، بل وحتى من أسبوع إلى الآخر.
ولا يوجد شخص واحد يتحكم في كل شيء، أو في كل جانب من جوانب الرحلة، فسماسرة أجانب مثل أبو حمادة ومساعده أبو عدي – قريبه – (كلا الاسمين أسماء مستعارة) يحتاجون إلى شركاء مصريين لتنفيذ بعض جوانب العملية، وخاصة الجوانب التي تتعلق بالبحر، ولكن أبو حمادة هو اللاعب المركزي في شبكته، الرجل الذي من خلاله يمر كل المال، والذي بدونه، ستتوقف كل الرحلات.
العملية تبدأ بعيدة عن البحر نفسه، حيث يذهب الراغبون في الهجرة فرادى إلى واحد من سماسرة أبو حمادة السوريين الموجودين في حيهم، ويتفقوا معهم على سعر.
“من السهل جدًا العثور على شخص ما، كل شخص هنا يعرف مهربًا أو اثنين”، يقول مهيار، لاجئ سورى يبلغ من العمر 23 عامًا والذي قام بالرحلة بنجاح العام الماضي، “في الواقع، قد لا تحتاج حتى للعثور عليهم، هم من سيعثرون عليك”.
رجال أبو حمادة يدّعون أن أسعارهم ثابتة 1900 $ للفرد (1250 جنيهًا إسترلينيًا) ولكن هذا ليس حقيقيًا، ففي الواقع يتقلب السعر للغاية، فالبعض قد يدفع مبالغ تصل إلى 3500 $ والبعض الآخر قد يدفع 1500 $ ،وكلما دفعت أكثر كلما حصلت على رحلتك في وقت أقرب.
تتدفق جميع الأموال بعد ذلك في نهاية المطاف إلى ما يشبه الصندوق المركزي، والذي يُسيطر عليه بالطبع أبو حمادة، والذي بدوره يدفع للسفينة، للطاقم وموظفيه، تكاليف النقل، وغيرها من النفقات المختلفة، ولكن أولاً يكون على الراغب في الهجرة أن يدفع المال إلى طرف ثالث موثوق به من قبل الجانبين، وبمجرد ما أن يصل المهاجر بنجاح إلى إيطاليا، يدفع الشخص الثالث المال إلى أبو حمادة.
إذا غرقت السفينة أو وصلت إلى اليونان بدلاً من إيطاليا؛ “فإننا نفقد كل المال”، يقول أبو عدي، المهندس هو الآخر مثل عمه في الحياة السابقة، “فمن الصعب عليك أن تصل إلى باقي أوروبا من اليونان”.
ولكن إذا وصل المهاجرون بأمان، فهناك الكثير من المال ينتظر الجميع، وليس فقط أبو حمادة، فكل قارب يحتوى على متوسط 200 راكبًا، يجنى من القارب كله حوالي 380.000 $، يُدفع نصفهم للقارب، وحوالي 70.000 $ على مختلف التكاليف التي تتعلق بايصال المهاجرين إلى البحر.
ثم عليه أن يدفع 30.000 ثمن تسكين المهاجرين في الأيام التي تسبق رحلتهم مباشرة، ويحصل طاقم القارب على 15.000 دولارًا، ويحصل على مثلها تقريبًا السماسرة الذين عثروا على أولئك المهاجرين، مع بعض التكاليف الإضافية، يحصل أبو حمادة في النهاية على صافي ربح قدره 45.000 إلى 50.000 $.
للوصول إلى القارب، يجب على المهاجرين أن يصلوا أولاً إلى ميناء الإسكندرية، المدينة الثانية في مصر ومركز شبكات التهريب على الساحل المصري، بعض المهاجرين يتم إيصالهم إلى هناك مباشرة، إلا أن زبائن أبو حمادة يتم إعطاءهم وقت ومكان اللقاء، ليصبح عليهم أن يصلوا بطريقتهم الخاصة إلى هناك.
بمجرد الوصول إلى الإسكندرية، يتم تسكين المهاجرين في شقق متهالكة ورثة في الضواحى مثل منطقة شاطئ النخيل وميامي.
وعلى الرغم من أن أسمائهم تبدو براقة للغاية وتُشعرك بأنها من أكثر الأماكن ازدهارُا، إلا أنها في الحقيقة غابات مظلمة من الكتل الخرسانية؛لذا يختارها أبو حمادة، ويحجز فيها عشرات الشقق كل صيف، لفترة الصيف كلها، ليستخدمها كأماكن تسكين لموكليه، حتى يستقلوا السفن ويغادروا.
“يصبح عليك بعد ذلك أن تمكث هناك يومين أو ثلاثة” كما يقول أسامة، أحد اللاجئين السوريين الذين حاولوا السفر مع أبو حمادة هذا العام، “ثم يأتون بعد تلك المدة ويضعوا مجموعات كبيرة في الحافلات”، تحت جنح الظلام، فإن هذه الحافلات تسير لعدة ساعات وتقل المهاجرين إلى مناطق نائية على طول ساحل البحر المتوسط.
إذا سار الأمر على ما يرام – وهو غالبًا ما لا يحدث -، يصل المهاجرون في النهاية إلى القوارب التي ستقلهم في نقطة ما على الشاطئ، ليستقلوا تلك القوارب للوصول إلى السفينة الكبيرة التي ستحملهم، آملين في الوصول إلى إيطاليا في أسبوعين بعد بدء التحرك.
ولكن قلائل فقط هم من يصلوا إلى السفينة في المحاولة الأولى، فالطقس السيء، الشرطة وخفر السواحل يمكنهم أن يُجبروا الحافلات على العودة إلى الإسكندرية مرة أخرى، لليلة ربما أو أكثر.
إحدى السوريات المهاجرات، قالت إنها حاولت حتى الآن ثلاثين مرة تقريبًا، عادت في كل مرة إلى الإسكندرية، وماتزال إلى الآن عالقة في مصر.
يتم تنظيم الحافلات من قبل شخص مصري – معروف في العمل باسم المنسق أو الدليل -، عند الوصول إلى هذه النقطة من الرحلة، فإن سيطرة أبو حمادة وأبو عدي تبدأ في التضاؤل، فلكونهما أجانب فإن علاقتهما مع السلطات المصرية ضعيفة.
ولكنهما يدعيان، أنه ومن أجل أن تصل بحافلات محملة بمهاجرين غير شرعيين إلى الشاطئ، ناهيك عن الوصول إلى المياه الدولية، فإن هذا يتطلب مستوى معين من تواطؤ الحكومة، النقطة التي يظهر فيها دور هذا المنسق.
يتقاضى هذا المنسق من أبو حمادة حوالى 220 جنيهًا إسترلينيًا على كل راكب، لينقل المهاجرين من الشقق السكنية إلى سفينة التهريب الكبيرة التي تقع على بعد عدة أميال قبالة الشاطئ، المبلغ الذي يبدو كثيرًا على مجرد رحلة بالحافلة، إلا أنه سيبدو قليلاً عندما تعلم أن هذا المنسق يقع على عاتقه التعامل مع أي مسئول حكومي قد يسبب المشاكل وتسوية الأمور معه.
“لا يمكننا أن نوصلهم بأنفسنا” يقول أبو عدي، والذي يتولى أغلب الحديث نيابة عن عمه؛ “لذلك نضطر إلى الذهاب إلى ذلك الوسيط المصري، والذي يأخذهم من الشقق إلى نقاط محددة في الشواطئ، وفقًا على اتفاقه مع الحكومة، ثم يأخذ الناس من الشواطئ على قوارب صغيرة إلى القارب النهائي الكبير”.
ولكن عندما تتحدث مع أولئك الوسطاء أو حتى أصحاب السفن، فإنهم ينكرون وجود أي علاقة بينهم وبين شرطة خفر السواحل.
“بالطبع نحن لا نفعل ذلك، فالأمن المصري حريص جدًا لمكافحة هذا النوع من التجارة “، يقول أحد المهربين المصريين والذي يُطلق على نفسه اسم الكابتن حمدي.
“لا يوجد تنسيق مع خفر السواحل، والناس الذين يقولون عكس ذلك يكذبون”، يقول أحد الصيادين الكبار في إحدى البلاد الساحلية المعروفة بوجود المهربين فيها بكثرة، وأضاف: “والدليل على ذلك، أن هناك 10 محاكمات تجرى حاليًا لأشخاص متورطين في عمليات التهريب”.
المتحدث باسم وزارة الداخلية المصرية، اللواء هاني عبد اللطيف، نفي هو الآخر هذا الاتهام بشدة.
فالمهرب هو “خارج عن القانون الجنائي، والذي يريد فقط أن يحتال على الناس، ليأخذ أموالهم، ولا يكترث مطلقًا إذا مات أولئك الناس أم عاشوا”، يقول عبد اللطيف للجارديان، “هل تنتظر مصداقية من شخص كهذا؟”، “لقد اعتقلنا بالفعل العديد منهم إلى الآن، وسيتم ضبط الآخرين واعتقالهم قريبًا”، كما يضيف.
ولكن أبو عدى يبدو أنه لا يتفق مع هذا، فهو يُصِر على أن في شبكته على الأقل، يكون عمل هذا المنسق هو ضمان تواطؤ المسؤولين الحكوميين المعنيين، ويضيف: “نحن نستعين بهم لرعاية شيء واحد فقط .. التعامل مع السلطات”.
في مقابل السماح للمهربين بمغادرة نقطة معينة، يدّعى أبو عدي أنه يدفع عن طريق المنسق ما يصل إلى 100.000 جنيهًا مصريًا (حوالي 8900 جنيهًا إسترلينيًا) في الرحلة الواحدة.
فبالاتفاق مع المهربين، تصل الشرطة غالبًا بعد أن يتمكن أغلب المهاجرين من مغادرة الشاطئ، عند هذه النقطة، يتم القبض على المهاجرين المتبقيين، ثم يتم نقلهم للحجز بضعة أيام في زنزانات الشرطة، للحفاظ على الادعاء بأن مصر تلعب دورها في القضاء على تجارة التهريب.
“من الطبيعى اذا أردت تهريب 300 مهاجرًا غير شرعيًا ” يقول أبو عدي، “فإن السلطات ستُلقي القبض على 50 وتترك 250 يرحلون، لإظهار أنهم يفعلون بعضًا مما عليهم أمام الإيطاليين”.
المهاجرون الناجون يحكون قصصًا مشابهة، فثلاثة لاجئين سوريين، أسامة، لؤي، وطارق، تم نقلهم من قِبل عصابة أبو حمادة إلى الشاطئ في أغسطس من العام الماضي، أولئك الذين وصلوا إلى الشاطئ مبكرًا، وصلوا إلى السفينة، وبعد ذلك ماتوا في عرض البحر، أما الذين وصلوا متأخرين، تم اعتقالهم بمجرد وطئهم لرمال الشاطئ، أشخاص مثل أسامة، لؤى، وطارق.
في مقابلات منفصلة معهم، ادعى الثلاثة أن الرجال الذين ساعدوا الشرطة في القبض عليهم، كانوا نفس الرجال الذين اقتادوهم إلى المياه.
في وقت لاحق، خلال الاستجواب في مركز الشرطة، ذكر أسامة الذي قبض عليه، المهربين بالاسم؛ بعدها بساعات قليلة، تلقى مكالمة من أبو عدى، كان من الواضح أن الشرطة أخبرت المهربين أن أسامة وشي بهم.
عميل آخر لأبي حمادة، وهو لاجئ سوري والذي طلب منا أن نطلق عليه اسم أحمد، اُعتقل بطريقة مماثلة بعد واقعة أسامة بعدة أيام، وأثناء احتجازه ادعى أن ضابط خفر السواحل أكد له خلال التحقيق وجود علاقة بين المهربين والسلطات.
“هل تعتقد أن المهربين يستطيعون المغادرة بدون أن نعلم؟!” كان هذا ما يزعم أحمد أن ضابط خفر السواحل قاله له، “نحن نعرف عن كل رحلة تحدث من المهربين أنفسهم، فنترك البعض ونمنع البعض الآخر، فقد قلنا لهم قبلاً، نحن نقبض على 80% ونسمح لـ 20% بالذهاب”.
في كل رحلة، يصل حوالي 300 مهاجرًا إلى قوارب الصيد الضخمة، والتي تكون كامنة عدة أميال داخل البحر، هذا القارب الضخم، ينتمى إلى أبي حمادة، والذي في كل رحلة يتوجب عليه الدفع لشركائه المصريين والذين يكونون في الأغلب صيادين مصريين، يُطلقون على أنفسهم ألقابًا مزيفة، مثل الحوت أو الدكتور أو غيره.
ولكن أبو حمادة، السوري الفلسطيني، لا يستطيع إدراج القارب باسمه، لأنه ليس مصري الجنسية، وبالتالي فإن هذا القارب في عين القانون مازال ينتمي إلى المصري الذي اشترى أبو حمادة القارب منه.
أبو حمادة لا يرى السفينة أبدًا، ولا يختار طاقمها حتى – الذين هم في العادة صيادون خارج العمل -، ولا حتى يختار ميعاد أو مكان الرحلة. لكن بالتنسيق مع المنسق، مالك القارب القديم هو من يقرر من أين تبدأ الرحلة تمامًا.
“فالسوري يدفع المال للقارب، ولكن أنا من يتعامل مع كل شيء آخر”، يقول أحد ملاك السفن المصريين والذي يتعامل مع عصابات التهريب السورية، “فأنا أذهب وأجد القبطان، وأدفع له، وأجد القارب المناسب، وحتى وثائق القارب تكون كلها مسجلة باسمي”.
ما يعنيه هذا هو أن أبي حمادة الذي يستغل المهاجرين، يتم استغلاله هو الآخر؛ فمقابل 380.000 $ تقريبًا يتلقاها في كل رحلة، فإنه يُنفق حوالي نصفها على ما يعتقد أنه قارب جديد مصنوع من الصلب الجيد، بينما يُريه مساعدوه صور السفينة الحديثة البراقة.
ولكن ما يحدث في الواقع، هو أن الصياد المصري في العديد من الأحيان يقوم باستخدام القوارب الخشبية القديمة والمعيوبة بدلاً من ذلك.
ففي مقابلة مع أحد بائعي القوارب المستعملة قال إن المهرب المصري سيشترى منه أي قارب مهما كان نوعه أو مواصفاته، لأنه لا يهتم بنوعيته من الأساس.
حتى لو تم شراء قارب جديد، فإن البحارة الذين من المفترض بهم أن يقلوا المهاجرين، غالبًا ما لا يفضلون الذهاب بقوارب جديدة إلى إيطاليا، لأنه في الأغلب تلك القوارب يتم احتجازها بمجرد وصولها إلى المياه الإقليمية الإيطالية؛ لذلك يُفضل المهربون القيام بالرحلة باستخدام السفن المستهلكة.
هذا يعنى قيام البحارة أحيانُا بإجبار المهاجرين على الانتقال من القوارب الجديدة إلى قوارب أقدم وأصغر حجمًا، في الأيام الأخيرة من الرحلة، وهو الإجراء المخيف والخطير والذي يهدد بإثقال سفن متهالكة بالفعل.
الناجون من الكارثة التي حدثت في سبتمبر الماضي، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 300 شخصًا قبالة سواحل مالطا، قالوا إن الحادث وقع بعد أن طلب المهربون من المهاجرين تغيير القوارب.
في الشهر الماضي، ظهر تكتيك جديد أكثر قسوة ولا إنسانية، حتى يتجنب المهربون إيقافهم من قِبل السلطات الإيطالية، فإنهم يقومون بتقديم سفينتهم أو التعريف عنها بوصفها كيان قانوني له حق التواجد في ذلك المكان، حتى تقترب السفينة للغاية من سواحل إيطاليا، ثم يقوم الطاقم الذي يقود السفينة بالنزول والعودة، وترك المهاجرين لتنقذهم السلطات الإيطالية.
أحد ملاك السفن من المصريين والذي يشارك في عمليات التهريب، قال للغارديان إن بعضًا من رفاقه استخدموا تقنيات مماثلة، وكثيرًا ما تركوا السفن في أيدي أشخاص غير مدربين، والذين لا يعرفون أصلاً كيفية الإبحار.
“يكون لديهم GPS فقط”، يقول مالك السفينة والذي طلب من الغارديان أن تعرف عنه باسم أبو خالد، وهو من ميناء على الساحل الشمالي المصري، ثم يكمل: “لذا فإن السائق لا تكون عنده أي معرفة بالإبحار أكثر من هذا، مجرد أنه يتبع السهم، فنظام تحديد المواقع أو الـ GPS هو الكابتن”.
أبو حمادة نفي بشدة أنه يستخدم ذلك التكنيك، كما ادعى أن ما يحدث في البحر هو أمر خارج عن إرادته، وأعرب عن أسفه لمقتل بعض زبائنه في سبتمبر الماضي.
“لماذا يهاجمنى الجميع؟” يتسائل أبو حمادة، “يجب عليكم أن تهاجموا أصحاب السفن، وإن أردتم أن تُطلقوا عليهم لقب تجار الأرواح، فأنتم على حق”.
ولكن الطريقة التي يعامل بها فريق أبو حمادة زبائنه، في الواقع ليست أفضل كثيرًا، فالعديد من المهاجرين انتقدوا عصابة أبو حمادة، ووصفوا العملية بالمُرهقة والمُهينة حتى أثناء ذهابهم إلى شاطئ المغادرة.
فكل ليلة، يتم تكديس أولئك المهاجرين في حافلات صغيرة، لتسير بهم تلك الحافلات لساعات حتى تصل إلى الشاطئ الذي من المُفترض أن يتم الرحيل منه، لكن تلك الرحلة غالبًا ما تكون بلا جدوى، إما لأحوال الطقس، أو لإجبار الشرطة المهربين على إلغاء الرحلة.
إذا وصلت الحافلات في النهاية، يظل هناك القليل من الوقت فقط للرحيل، عادة المهاجرين الذين يصلون في الأول، هم المهاجرون الذين مازال معهم بعض المال ليرشوا المهربين، أما الباقي الذي يصل متأخرًا فإنه عادة ما يتم القبض عليه أو يتم إعادته مرة أخرى إلى الإسكندرية، بل وأحيانًا يُرغمون على البقاء في الحافلة حتى مساء اليوم التالي لتكرار المحاولة.
“لقد قمنا بهذه الرحلة أربع أو خمس مرات كل يوم، بدون الرجوع إلى الشقة في كل مرة”، يتذكر أسامة.
العديد من المهاجرين أبلغوا عن تعرضهم للضرب على أيدي المهربين، بينما ادعى البعض الآخر تعرضهم للسرقة من المهربين، بينما قال ثالث إن حافلتهم بالكامل تعرضت للسرقة من قِبل رجال القبائل البدوية عند اقتراب الحافلة من أحد الشواطئ البعيدة النائية.
“لقد كان شهرًا كاملاً من الأحداث المؤسفة”، يقول أسامة ،”لقد رأينا أشياءً لم نرها في حياتنا من قبل، حتى في سوريا”.
بريطانيا لم تعد قادرة على فعل شيء إلا أن تسحب دعمها لبعثة الإنقاذ التي يقودها الاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط، في اعتقاد منها أن دوريات الإنقاذ البحرية تشجع المزيد من المهاجرين على محاولة العبور، اللإستراتيجية التي قللت من شأن جشع المهربين ويأس المهاجرين.
ولكن على الرغم من المخاطر وعلى الرغم من قسوة المهربين، يقول اللاجئون السوريون إنهم سيحاولون مرة أخرى، ومرة أخرى لعبور البحر المتوسط، وبمساعدة أشخاص مثل أبو حمادة.
فالأهوال التي لاقوها في سوريا، والتحيز والفقر اللذان يواجهونهما في بلدان مثل مصر، لم تترك لهم حقًا أية خيارات أخرى.
“لماذا نستمر في المحاولة عن طريق البحر؟”، يقول أحمد، “لأننا على ثقة في رحمة الله أكثر من رحمة الناس هنا!”.
المصدر: الغارديان