ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
وجه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، رسالته الثانية بمناسبة العام الجديد إلى مواطنيه يوم 31 ديسمبر، ويبدو أنه سعي إلى ابتكار عادة جديدة، حيث كان محتوى الخطاب هذه السنة أقل أهمية من المكان الذي أُلقي فيه والمتمثل في مكتب “جين بينغ” والذي من خلاله صرح للمشاهدين أن الصين تقدمت على طريق الإصلاح منذ الاثنى عشر شهرًا الماضية، وحلت العديد من المشاكل الصعبة وبدأت في إدخال إصلاحات تمس مصالح المواطنين.
وبحسب موقع “شنغهانيست” أنه لا يمكن للعامة عمومًا الوصول إلى فضاء عمل الرئيس، ولدرجة أن هذا الأمر غير معتادين عليه، مرّ الإعلام الصيني ومستخدمو شبكة الإنترنت عبر هذا المكتب بحذر شديد بدون أن يحملوا حواسيبهم، ملقين اهتمامهم بصفة خاصة على الصور المزينة للمكتبة والتي وضعت منذ السنة الفارطة خاصة منها صور عائلة الرئيس واللقاءات مع المواطنين العاديين.
مبدئيًا، ليست هناك أشياء معبّرة من هذه التفاصيل، فبصفته سياسيًا ليس من الغريب أن يريد إبراز حبه لعائلته وأنه مهتم بأناس كغيره، ولكن بالنسبة لقائد صيني تبقى هذه التفاصيل الإنسانية ملحوظة، فمنذ نهاية العصر الماوي والإفراط من عبادة شخصيته، أراد مسؤولو الحكومات الصينية المتعاقبة نقل القيادة الجماعية للحزب قبل السمة الفردية لقادته.
وفي سنة 1980، قامت الإدارة المركزية بدعوة صريحة إلى “أقل دعاية ممكنة للأشخاص”، ومنذ السنة الماضية تمت تحية رئيس الوزراء السابق السيد “تسو رانجي” على هذا التركيز على التوحيد وعلى الشجاعة التي أبداها بإبراز شعره الرمادي في مؤتمر الحزب، خاصة وأن أغلبية المواطنين يصبغون شعرهم باللون الأسود.
وخلافًا لأسلافه، تم محو جاذبيته لكرة الطاولة ورقص هوجينتاو من سيرته الذاتية حالة تقلده مسؤولية زعيم الحزب وذلك إثباتًا لقوة شخصيته، كما يحب جين بينغ المزاح مع الصحفيين والسخرية بكل لطف من نفسه، وفي العام الماضي كان التأثّر شديدًا نسبيًا عندما زار مقهى في بكين ووقف في الصف ودفع من جيبه البسيط ثمن شريحة خنزير رافيولي، وتم تمثيل هذا في صور متحركة لطيفة، رغم المراقبة الصارمة على مواقع الإنترنت، كما يُتحدث عنه غالبًا بـ “خالي” أو “أبي” جين بينغ.
وفي خطاباته وظهوره العام، يظهر مرتاحًا أكثر، الشيء الذي لا يكون فيه سالفه “هو” و”حلمه الصيني”.
المغنية التقليدية، بانغ ليوان، هي زوجة جين بينغ، حيث كانت شخصية مشهورة قبل أن تصبح سيدة الصين الأولى، واليوم تعتبر أيقونة الموضة والأزياء، ومن خلال زواجهم تم استلهام أغنية تحت عنوان “بابا جين بينغ، ماما بانغ”.
يتم ذكره أكثر من أسلافه
ويبقى هذا تافهًا مقارنة بعدة زعماء آخرين، لا تنتظروا مثلاً أن ينافس جين بينغ جزء من الخليج المعجزة ككيم جونغ، أو أن يظهر في الصور عاريًا مثل فلاديمير بوتين (بالفعل لأن مراقبي الإنترنت صارمون عندما يتعلّق الأمر بوزنه)، وهذا الانجذاب الذي يثيره جين بينغ بعيد كل البُعد عن نظيره ماو ببطاقاته التي لا حصر لها وكتبه الحمراء الصغيرة، بيد أن الدراسة التي صدرت هذا الصيف من جامعة هونغ كونغ تبيّن أنه خلال الأشهر الـ 18 الأولى من رئاسته، ورد اسمه أكثر من الضعفين من أسلافه في نفس الفترة، ووفقًا لهذه الدراسة، يعتبر جين بينغ أول رئيس يثير هذا الاهتمام الشخصي منذ ماو و”هوا غوفانغ”.
ويعتبر التركيز الفردي الذي أُقيم على جين بينغ متميزًا في وقت شهد البلد تعزيزًا للسلطة لم يسبق لها مثيل، ففي أكتوبر، تمت مساءلة حوالي 75.000 عضوًا من الحزب الشيوعي في إطار الحملة الكبرى ضد الفساد التي أطلقها جين بينغ، وحسب الصحيفة اليومية للشعب، أسفرت الدراسات الاستقصائية عن 27% تلقوا أحكامًا جزائية، ويعتبر الإقصاء من الحزب هو أسوأ عقاب يمكن أن تقرره لجنة مكافحة الفساد، ولكن إذا تم تحويل هذه القضايا إلى العدالة الجنائية كما يحدث غالبًا؛ يُحتمل أن تكون مجموعة العقوبات الصادرة على المسؤولين الصينين أوسع بكثير مما نعتقد ويمكن أن تصل إلى الإعدام.
في نفس الوقت تستهدف حملة مكافحة فساد جين بينغ “الذباب”، أي صغار المسؤولين المحلّيين والجهويين بتهمة قبول رشوة النبيذ مثلاً، أمّا “النمور” فهم أعلى شخصيات الحزب، وفي الوقت الراهن، تم إيقاف أكبر النمور وهو “زو يونغكاغ” الرئيس السابق للأمن الوطني الذي اعتقدنا أنه لا يمكننا المساس به، كما يعتبر شانغ كوشنغ، مساعد وزير الخارجية، آخر النمور الذين تم المساس بهم في هذه الحملة بعد أن اشتبه فيه بأنه “ينتهك الانضباط”؛ مما أدى إلى فصله من منصبه، كما اضطر لوائين آخرين إلى الاستقالة، وحسب خبير من الصين يخضع الجيش إلى سيطرة متزايدة من الرئيس جين بينغ.
حملة مكافحة الفساد أم تطهير؟
يعتبر الجو بين المراقبين بعيدًا كل البعد عن التوافق، إذ إن البعض يعتقدون أن هذه الحملة ليست بدافع رغبة حقيقية للحد من الفساد، وأن أثره على النمو الاقتصادي في الصين، كما يرى البعض الآخر في هذا التطهير أنه يرمي إلى تعزيز سلطة جين بينغ ودائرته المقربة.
وهذان الطرفان غير متعارضين، فإلى جانب هذه الحملة المناهضة للفساد يعتبر جين بينغ متضلعًا في توطيد سلطته في البيروقراطيات الصينية الكبيرة عبر إدارة العلاقات الدولية والأمن القومي، حيث تبدو مراقبة الدولة للإنترنت في تصاعد واضح خاصّة مع منع موقع “جيميل”، ومعاقبة الصحيفة العالمية بلومبرغ التي أجرت تحقيقا حول الثروة الشخصية لجين بينغ في 2012.
وفي هذه الساعة، تقترب الولاية الرئاسية من سنتها الثالثة، ومن الواضح أنّ جين بينغ ليس لديه نية الانتقال، حيث استطاع الاستفادة من غضب الشعب ضدّ الزعماء الفاسدين لدعم سلطته مع الاهتمام الشديد لصورته لدى العامة، وفي إطار نظام يُفضل عادة إعطاء الأولوية للحكم الجماعي، يبدو أنه يميل إلى تسليط الضوء على إنجازاته الفردية.
المصدر: سليت الفرنسية