قدمنا في الجزء الأول من هذا المقال صورة موجزة عن الصحراء الغربية بين التاريخ والجغرافيا ناهيك عن تعداد أقطاب الصراع الصحراوي . وفي هذا الجزء، نلقي الضوء على مراحل الصراع في بعديه المسلح والدبلوماسي منذ اندلاعه إلى يومنا هذا.
تنويه: لطبيعة المقال الموجزة ، لا يمكن أن نأتي على كل التفاصيل التاريخية ، وبالتالي سنكتفي بالأحداث الكبرى التي قد تساعد غير المختص في تكوين إدراك عام حول هذه القضية ، وستكون لهذه التوطئة ما يليها بهدف التمكن من باقي التفاصيل.
مرحلة الصّراع المُسلّح
امتدّت فترة الصّراع المُسلّح في الصّحراء الغربيّة من سنة 1975 إثر توقيع اتّفاقيّة مدريد بين اسبانيا وموريتانيا والمغرب الى سنة 1988 سنة التوقيع على اتّفاق المبادئ بين المغرب و البوليساريو.
13 سنة من الصّراع المُسلّح حرّكتها مصالح الدّول الاستعماريّة (اسبانيا و فرنسا) , انطلقت بدخول المغرب و موريتانيا لأرض الصّحراء بهدف احكام السّيطرة عليها فسادت لغة الرّصاص و قصف المدافع خاصّة و البلدين يواجهان جيشا غير نظامي أذاق دولة عُظمى (مثل اسبانيا) الويلات في سنوات الحرب على المُستعمر.
جُغرافيّا , دارت أغلب المعارك في الجزء الموريتاني من الصّحراء اذ اعتمدت الاستراتيجيّة العسكريّة لجيش التحرير على ضرب الحلقة الأضعف في الحلف الموريتاني المغربي خاصة عبر بتنفيذ هجمات في نواكشوط على مرّتين , و هو ما أدّى تباعا الى دفع الجيش الموريتاني الى الانقلاب على نظام الحكم وقتها ثُمّ الانسحاب من الصّحراء سنة 1979.
بالاضافة لصراع البوليساريو مع موريتانيا الذي انتهى بانسحاب الأخيرة , دارت معارك على الجبهة المغربيّة مع جيش المملكة خاصّة في مناطق السماره، طانطان، بوكراع وبيرنزران. معارك لضراوتها دفعت المغرب الى بناء حائط عازل لحماية المثلّث المُفيد “المثلث المفيد” (السمارة-العيون-بوجدور) من هجمات البوليزاريو مُؤمّنا بذلك المناطق الصّحراويّة الغنيّة بالفوسفاط و المدن الصّحراويّة الكبرى و الأساسيّة .
معارك لم يقدر فيها أي طرف على حسم الصّراع لفائدته و هو ما دفع جميع الأطراف الى البحث عن الحلّ السّياسي ما أشّر لانطلاق فترة أخرى من الصّراع الدّبلوماسي بين أقطاب الصّراع الصّحراوي.
مرحلة الصّراع السياسي/الدبلوماسي
وهي مرحلة انطلقت من وقت انتهى الصّراع المُسلّح أي سنة 1988, و هي مرحلة تغيّرت فيها “الأسلحة” كما تغيّر فيها مشهد التّحالفات أيضا خاصّة بعد خروج موريتانيا من المعادلة و انشغال الجزائر بهمّها الدّاخلي في علاقة بأزمة الارهاب و أيضا تصاعد التّوتّر الحدودي بين المغرب و اسبانيا، مشهد عامّ تنضاف اليه نتائج حرب الاستنزاف التي تواصلت لأكثر من عقد من الزّمن ليتشكّل وعي عام لدى المُتخاصمين بضرورة التّسوية و البحث عن حلّ سلمي.
أوّل المُؤسّسات الدّوليّة التي تناولت هذا الموضوع هي مُنظّمة الوحدة الافريقيّة (هيئة اقليميّة) التي بادرت بمُحاولة ايجاد حلّ لهذه الأزمة خاصّة في مؤتمرها التّاسع عشر سنة 1983 في أديس أبابا , الّا أنّها أفشلت مُبادرتها بالتّسرُّع في الاعتراف بالجمهوريّة العربيّة الصّحراويّة رغم عدم نُضج الموضوع و هوما دفع المغرب الى الانسحاب منها سنة 1984 مُعلنا عجز الهيئة القارّيّة عن التّعاطي مع هذا الملف.
الجهود الدّوليّة تواصلت بدخول الأمم على الخطّ بعد عقد كامل من الاحتراب , و مضت في مجموعة من الاجراءات و المُشاورات (خاصة لقاءات مانهاتن) التي أفضت الى 3 توجّهات كُبرى :
- تطبيق الاستفتاء الذي نصّت عليها خطّة تسوية صيغة سنة 1988
تعود فكرة الاستفتاء الى القرار 40/50الذي اتخذته الجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة في ديسمبر / كانون الأوّل الذي ينُصّ على تكليف الأمين العام للمنظّمة (خافيير ديكويلار ) بايجاد حلّ يرضي الطّرفين المُتنازعين فاقترح الاستفتاء سنة 1988 و قد لاقى قبولا أوّليّا بأن تمّ الاتّفاق على وقف اطلاق النّار بشكل كلّي منذ سبتمبر / أيلول 1991 ثم بتشكيل بعثة أمميّة تسهر على تنظيم الاستفتاء أطلق عليها اختصارا “المينورسو” الا أن هذا المسار انتهى الى طريق مسدود بالغاء تاريخ الاستفتاء المُعزم تنظيمه في 6 ديسمبر/ كانون الأول 1998. بعد عدم الاتّفاق على سجلّ المُشاركين فيه.
- الحل الثالث
بعد الفشل الذي وصلت اليه مُبادرة الاستفتاء , أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1309 في 25 يوليو/تموز لسنة 2000 بناء على مُبادرة أمريكيّة فرنسيّة تقضي بمنح الأقاليم الصّحراويّة حُكما ذاتيّا مُوسّعا مع البقاء تحت الحكم المغربي لمدّة 5 سنوات ثُمّ يتم تنظيم استقتاء 1988 (المذكور أعلاه)
ويقترح مشروع “الاتفاق الثالث” أن تكون الجزائر وموريتانيا بمثابة شاهدتين عليه وفرنسا والولايات المتحدة بمثابة ضامنتين لتعزيز التسوية وتنفيذ الاتفاق. وقد قبل المغرب الحل الثالث ورفضته البوليساريو والجزائر.
- التقسيم
ينُصّ اقتراح التٌّقسيم على منح المغرب اقليم السّاقية الحمراء (⅔ الصّحراء) و ترك اقليم وادي الذّهب (⅓ الصحراء) للبوليساريو أين يثقيم دولته المُستقلّة و هواقتراح لم يُلاقي قبول الطّرفين.
تواصل الجهد الأممي عقيما اثر ذلك و وصل الأمر بالأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ، كوفي انان ، بأن طالب بإنهاء عمل البعثة الأممية لفشلها في إيجاد حل بالنظر لتشبث كل طرف بمواقفهم وتراوحت القرارات الأممية منذ 2003 إلى الأن بين إحياء أحد الحلول الثلاث السابق ذكرها أو بعض القوانين البروتوكولية حول حقوق الإنسان وما إلى ذلك من هذا القبيل دون إيجاد حل نهائي.
وقد تعاقب على رئاسة بعثة الأمم المتحدة للصحراء (المينرسو) 4 مبعوثين و هم السويسري جوهانس مانس و الباكستاني يعقوب خان و الأميركي جيمس بيكر و فولفغانغ فيسبرود فيب.