في انتظار جودو، الرواية التي كتبها الكاتب الأيرلندي صامويل بيكيت، والتي تحكي قصة رجلين يجلسان في انتظار الشخص الذي لن يأتي (غودو)، ظنًا منهما أنه الشخص الذي سيغير حياتهما إلى الأفضل.
أخيرًا، وبعد انتظار دام لأكثر من عام ونصف العام، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات بمصر عن موعد الانتخابات البرلمانية المصرية في مؤتمر صحفي قامت فيه بتحديد تفاصيل العملية الانتخابية المزعم إجراؤها في شهري مارس وأبريل القادمين.
الموعد الذي طال انتظاره بعد تأجيل الانتخابات لأكثر من مرة، لأسباب متفرقة في كل مرة.
في الثالث من أكتوبر لعام 2013، بعد ثلاثة أشهر من تولي الرئيس المؤقت، عدلي منصور، حكم مصر، وفي لقاء له مع جريدة الشرق الأوسط، صرح الرئيس عدلي منصور أن الانتخابات البرلمانية ستسبق الانتخابات الرئاسية التزامًا بخارطة الطريق الموضوعة، وقال بشكل واضح إنه لا نية لتغيير ذلك.
الأمر الذي لم يحدث بالطبع، وتم تغيير خارطة الطريق في السادس والعشرين من يناير 2014، حيث صرح منصور أن الانتخابات الرئاسية ستجرى قبل البرلمانية بخلاف ما كان مقررًا بعد عزل الرئيس محمد مرسي، لينتهي الأمر بتولي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر في الثامن من يونيو لعام 2014.
بعد تولي السيسي الحكم بشهر تقريبًا، قرر تشكيل “العليا للانتخابات البرلمانية” على أن تنتهي من إجراء الانتخابات بحلول شهري أكتوبر ونوفمبر من نفس العام كما نص عليه الدستور الجديد، والذي يحدد مدة ستة أشهر بعد الإقرار عليه لإجراء انتخابات برلمانية.
الأمر الذي لم يحدث هو الآخر، حيث تأخرت اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية في إعلان جدول زمني محدد للانتخابات، وساد صمت المسؤولين فيما يخص ذلك الموضوع، بينما تعالت الأصوات المعارضة من الجهات الغير حكومية والتي حمّلت المسؤولية عن التأخير للجهات الحكومية وخاصة وزارة الداخلية واللجنة العليا للانتخابات البرلمانية .
يجب إسناد عملية الانتخابات “لجهات قادرة على تحمل المسؤولية وأن يكون لدى القائمين عليها من الذكاء والحنكة ما يمكّنهم من الإعداد لتلك الانتخابات”، كما قال القيادي بالجمعية الوطنية للتغيير، أحمد دراج، في تصريح صحفي سابق.
في 20 سبتمبر عام 2014 وبعد مرور شهرين على تشكيلها، أعلنت اللجنة العليا عن أول جدول زمني للانتخابات البرلمانية، على أن تجرى الانتخابات كما نص الدستور، في منتصف شهر أكتوبر الذي يليه، عندها سيتم فتح باب الترشيح لمدة أسبوعين، ثم يتم تخصيص شهر للدعاية الانتخابية، ثم تبدأ عمليات الاقتراع، لتُعقد أولى جلسات المجلس في الربع الأول من عام 2015.
بحلول شهر أكتوبر من عام 2014، صرحت بعض المصادر القريبة من الحكومة، أن هناك اتجاهًا قويًا داخل الحكومة لتأجيل الانتخابات حتى مارس من عام 2015، متحججين بما وصفوه بالتقارير الأمنية الصادرة من وزارة الداخلية والتي أوصت بتأجيل الانتخابات البرلمانية.
شهدت عندها الساحة السياسية حالة من السخط العام، فيما وصفوه بالمخالفة القانونية والسياسية الجسيمة ولا يتوافق مع ما نص عليه الدستور الجديد.
أحمد إمام، المتحدث الإعلامى باسم حزب مصر القوية، أعلن استهجان الحزب لما وصفه بمخالفة خارطة الطريق المتفق عليها، خصوصًا وأنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها التأجيل، ينما اعترضت بعض الأحزاب السياسية الأخرى على هذا التأجيل، لأنه يُعطي الرئيس فترة أطول يكون فيها قادرًا على الجمع بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية؛ مما يعوق بالتأكيد فرصة مصر في أن تشهد تحول ديموقراطي.
صحت توقعات تلك المصادر فعلاً، أول أمس الخميس، أعلن المستشار أيمن عباس، رئيس اللجنة العليا للانتخابات، أن الانتخابات ستجري على مرحلتين، تبدأ أول مرحلة يومي 22 و23 مارس المقبل، بينما ستجرى المرحلة الثانية يومي 26 و27 أبريل الذي يليه.
لا يستطيع أحد أن يجزم الآن تمامًا هل ستتم الانتخابات في هذا الميعاد الأخير أم لا، لكن ما يمكن الجزم به هو أن القوانين التي تم سنها الفترة الماضية بدون رقابة تشريعية شعبية حقيقية، ستقيد العملية الانتخابية القادمة، وستُعيد على الأغلب رجال الحزب الوطني المنحل وبعض رموز النظام السابق المتهمين بالفساد، بينما سيتم إقصاء كل أحزاب المعارضة وخصوصًا الأحزاب الإسلامية والتي تشهد كبوة سياسية حقيقية وسط عمليات القمع المستمرة والصمت التام عن التجاوزات التي تحدث لهم.