ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
انخفض سعر الذهب الأسود خلال ستة أشهر من 115 إلى أقل من 55 دولارًا للبرميل، والسؤال المطروح الآن هو كيف يمكن التصدي لهذا الانهيار الذي فاجأ الدول غير المُنتجة للنفط وكان كالكابوس بالنسبة للدول المُنتجة للنفط التي هي في طور النمو؟
هذا السؤال يُطارد المسؤولين في دول العالم الثالث والتي من بينها دول تراكمت سلبياتها: ثقل ديمغرافي (نيجيريا بـ 174 مليون ساكنًا، روسيا بـ 140 مليون ساكنًا، إيران بـ 79 مليون ساكنًا) واقتصاد غير متوازن يتمحور أساسًا حول المحروقات (فينزويلا، الجزائر)، كلها أحست بتأثير هذه الأزمة.
فالجزائر التي تريد أن ترد الفعل، توفر 95% من مداخيلها من العملة الصعبة و60% من ميزانية الدولة من بيع المحروقات ومن الضريبة النفطية، ومنذ سنوات تبني الجزائر العاصمة ميزانيتها على أساس 37 دولارًا للبرميل، والوضعية الأكثر أريحية تتمثل في صعود سعر البرميل إلى أكثر من 100 دولارًا؛ إذ إن الفائض يتم استغلاله لتعديل الموارد المخصصة لتغطية العجز في الميزانية وتمويل المشاريع التنموية.
ومع تراجع الأسعار تقلص فائض التعديل ليصل إلى أقل من 55 مليار دولارًا بعد أن كان يبلغ 70 مليار دولارًا سنة 2013، وفعليًا تحتاج الميزانية الجزائرية إلى أن يكون سعر البرميل 100 دولارًا لتحافظ على توازنها.
المسؤولون يسكنهم هاجس عودة سيناريو الصدمة النفطية التي حدثت سنة 1986، فسعر برميل الذهب الأسود انهار – بأتم معنى الكلمة – إلى مستوى السعر الذي كان عليه قبل صدمة 1973، وقد احتاجت الجزائر العاصمة آنذاك إلى 10 سنوات كاملة لتستعيد عافيتها من هذه الأزمة التي تسببت في زيادة ديونها وفي لجوئها إلى صندوق النقد الدولي، والتي لم تكن بعيدة جدًا عن انفجار غضب الشباب في أكتوبر 1988 رغم أن البطالة و”الأرواح الشريرة” (كما يُقال في الجزائر العاصمة) لم يكونا السببين الوحيدين لخروج تلك المظاهرات.
لا يمكن للجزائر العاصمة أن تطرح إمكانية أن تعيش كابوسًا آخر، حتى لو أن الظروف مختلفة، حيث تمتلك الجزائر حاليًا مخزون عملة صعبة هام بلغ حوالي 193 مليار دولارًا في يونيو 2014، أي ما تحتاجه لتغطية مصاريف ثلاث سنوات من الاستيراد.
وتتمنى الجزائر لو أن كبار منتجي منظمة الأوبك وعلى رأسهم السعودية يقبلون بالتخفيض في نسبة إنتاجهم، حيث قال وزير الطاقة الجزائري، يوسف يوسفي، يوم 28 ديسمبر: “الأوبك عليها أن تتدخل لتحد من عدم التوازن الذي يشوب السوق”، كما اقترح تخفيض فائض النفط إلى 2 مليون برميل في اليوم، فكان رد وزير الطاقة السعودي: “هذا لن يكون أبدًا.. حتى لو وصل سعر البرميل إلى أقل من 20 دولارًا”، مع العلم أن الرياض لا ترى مطلقًا أي ضرورة لعقد قمة استثنائية لمنظمة أوبك.
الخليج لا يريد تعريض هيمنته للخطر
لماذا كل هذا العناد من السعودية والإمارات؟ السبب الأول هو الرغبة في إعاقة إيران، المنافس الرئيسي للمملكة في المنطقة، إيران تدعم ماديًا وعسكريًا كلاً من بشار الأسد والشيعة الذين يحكمون بغداد ضد حلفاء السعودية السنة، والسبب الثاني هو التخفيض في مردودية النفط الصخري، أكبر منافس للذهب الأسود السعودي، وفي الأثناء سيساهم انخفاض الأسعار في إعاقة روسيا حليفة سوريا.
وبصرف النظر عن هذه الحسابات الإستراتيجية فإن دول الخليج، وليس ذلك من غير سبب، ترى بأنه لو تم التخفيض في الإنتاج؛ فإن الدول الغير منتمية للأوبك ومصنّعي الطاقة الصخرية الأمريكيين سيغطون هذا التراجع، وهذا ليس خطأ، فالخليج لا يريد تعريض هيمنته للخطر.
الجزائر إذن مقتنعة بأن انخفاض أسعار النفط سيدوم سنوات عديدة، حتى لو عبر يوسف يوسفي عن تفاؤله قائلاً: “سعر البرميل سيكون بين 60 و70 دولارًا سنة 2015 ويتجه نحو 80 دولارًا في 2016”.
ومن أجل الخروج من هذه الأزمة وضعت الجزائر خطة ذات محورين:
الأول: أن تعمل الحكومة على انتهاج سياسة أكثر صرامة، وذلك عبر خارطة الطريق التي تقدم بها رئيس الوزراء، عبد الملك سلال، للوزراء والولاة ومديري الشركات الوطنية لدعوتهم إلى مزيد من ترشيد المصاريف بكل الطرق الممكنة، بما في ذلك التقليل من الواردات، فالشركات الجزائرية لابد أن يتم تفضيلها على الشركات الأجنبية، وطلبات العروض يجب أن تكون بالاتفاقات المشتركة، وقد تم إقرار إيقاف الانتداب في الوظيفة العمومية، وتخفيض نفقات التشغيل وتأخير مصاريف شراء المعدات التي لم يُشرع في صرفها أو غير المُلحّة، وكذلك تم تأجيل إنجاز الطريق السريعة للهضاب العليا وخطوط “الترام” للمدن الكبرى، ووحدها حصة الدعم المخصصة للمواد الأولية لن يتم المساس بها لأن الحد منها سيفجر الوضع السياسي.
مدخرات هائلة من الغاز الصخري
المحور الثاني: رفع نسبة استهلاك الغاز الصخري بأسرع من المتوقع، فالصحراء تحوي مخزونًا هائلاً من الغاز الصخري القابل للاستخراج، ووزارة الطاقة الأمريكية قدرت المخزون الجزائري من هذا الغاز بـ 19800 مليار مترًا مكعبًا، ما يعادل 5 مرات حجم المدخرات المثبتة من الغاز الطبيعي لنفس البلد (4000 مليار مترًا مكعبًا)، في حين قالت الجزائر إنها تريد الحفاظ على هذه الثروة للأجيال القادمة بعد سنة 2050. كما قدرت شركة “سوناطراك” أن بدء استغلال هذا المخزون سيكون انطلاقًا من 2022.
وربما يجب على الجزائر العاصمة أن تتساءل: هل حان الوقت لتكون الجزائر أكثر حكمة وأن تبدأ في إصلاحات هيكلية لاقتصادها (الصناعة، الفلاحة، البنوك…) من أجل توفير التشغيل للشباب؟ وإلا، فإن الغاز الصخري سيضر الجزائريين أكثر من المحروقات التقليدية، وهنا نتحدث عن مشروع يتطلب نفسًا طويلاً.
المصدر: لو بوانت