وسط صرخات الكثيرين – وأنا منهم – التي تطالب الإخوان المسلمين بإيقاف النزيف المستمر والخسائر المتتالية، وعدم رؤية أي مؤشر على انتصار قريب ولو جزئيًا، يُطرح تساؤل هام وهو هل تخوض جماعة الإخوان المعركة الصحيحة ربما للمرة الأولى؟ لم يعد يشك أحد في مصر خاصة أولئك الذين شاركوا في الثورة أو حلموا بتحقيق أهدافها وشعاراتها ذات يوم، أن الدولة المصرية لم تعد قابلة للإصلاح من الداخل وأن شعارات الساسة وأغاني الفنانين في حب مصر ليست سوى حالة من النفاق والكذب يعيشها المصريون هذه المرة وهم مدركون كذبها وتصنعها.
كل مؤسسات الدولة أصبحت تقف في وجه المصريين، حتى الجيش الذي اعتقد الكثيرون أنه خط أحمر ﻻ يجوز انتقاده ولو بشكل غير مباشر، أصبح اليوم في مهب انتقاد الغالبية الذين رأوا فيه كيانًا يسيطر على السلطة بقوة دباباته؛ فيكمم أفواههم ويُلقي بمن يعترض على طريقته في الحكم في غياهب المعتقلات، ويدمر أحلام الشباب ويقضي على آمالهم في المستقبل، قدم الجيش بقيادة السيسي نموذجًا كلاسيكيًا فجًا للدولة العسكرية التي لم تشهدها مصر عبر تاريخها، على عكس رؤساء مصر السابقين من العسكريين الذين نجحوا إلى حد بعيد في طرح أنفسهم كزعماء أو حتى مستبدين قادمين من الجيش لا ممثلين عنه في الحكم.
مؤسسة القضاء كذلك والتي تظاهر دفاعًا عنها المعارضون للنظام يومًا ما، أصبحت يد السلطة الغليظة وربما تفوقت على الشرطة في ذلك، فأصبحت تصدر الأحكام بالجملة وﻻ تحتاج أكثر من اتصال تليفوني من عضو المجلس العسكري إياه وأحيانًا تطوعًا من عندها تعاقب من شارك فى الثورة وتبرئ من سرقوا الوطن ونهبوا ثرواته وقتلوا أبناءه على مدار أعوام، وأصبح النائب العام محامي الشعب كما هو مفترض يستغيث بعضو المجلس العسكري نفسه؛ لتلفيق قضية لرجل انتخبه المصريون وتبرئة آخر سرق أموال المصريين أو قتل “حاجة وتلاتين” من أبنائهم.
أما مؤسسات الدولة الدينية فحدث وﻻ حرج في نفاقها للسلطة العسكرية بطريقة لم يسبقها إليها أحد، حتى لو استدعى ذلك تغيير ثوابت ونصوص إسلامية أو تحريض الجنود على القتل بطريقة سمجة وتدعو للغثيان، أو حتى لو تطلب الأمر تسامح في حق من قتلهم الجيش أمام ماسبيرو من المواطنين المسيحيين، وربما تطور الأمر إلى اتهام الإخوان بدفع شباب الكنيسة للتظاهر وقتها ضد جيشنا الوطنى ي
أما ما تبقى من مؤسسات الدولة سواء الخدمية أو الشرطية فلا أحتاج للحديث عن كراهية الناس لها وكفرهم التام بها واعتقادهم أنها سبب بؤس حالهم وتعاسة مستقبلهم .
أمام هذا التهاوي للدولة ومؤسساتها، لماذا لم يكفر الشعب المصري بالدولة؟ الإجابة ببساطة لأنه لم يطرح عليه أحد ما مشروع بديل عن هذه الدولة، أنت تدعوه للثورة وإسقاط الدولة أو تغيير النظام ثم أحد أمرين؛ إما فشل في تغيير النظام بالكلية ومن ثم عودة أشرس للنظام أو الفوضى التي ترتبط عند العامة بنظريات المؤامرة والتي تدعو المواطن إلى التمسك بالدولة وبشكل خاص أجهزتها الأمنية وربما التغاضي عن الحريات والأمل في حياة كريمة في مقابل الأمن وفقط، أعود إلى الإجابة عن التساؤل الأول، هل باختيار الإخوان طريق الثورة الشاملة وعدم الاستجابة إلى أية حلول وسط مع النظام يمكن أن يكونوا قد اختاروا المعركة الصحيحة؟ بكل بساطة هذا الأمر مرتبط بالإخوان أنفسهم، وإذا ما نجحوا فى تقديم بديل عن الدولة الفاشلة، هذا بالتأكيد غير ما قدموه من رؤى وأسلوب إدارة خلال الأربع سنوات الماضية وخلال العام الذي أداروا فيه البلاد لأنهم لم يسعوا إلى تقديم بديل بقدر ما سعوا إلى تغيير في الوجوه ومحاولة لإصلاح النظام من الداخل.
هذا ما أراه التحدي الأصعب أمام الإخوان اليوم إذا ما أصروا على المضي قدمًا في ثورتهم على الدولة، ولم يعودوا لمحاولاتهم الفاشلة فى إصلاح النظام من الداخل، عليهم إذن أن يقدموا بديل عن الدولة بإدارتها السياسية وجيشها وقضائها وخدماتها، والأهم أن يلتف الناس حول هذا المشروع البديل ويقبلوا به ويدركوا أنه سيوفر لهم حياة أفضل من تلك الدولة الفاشلة التي نحيا في ظلالها، فهل عند الإخوان ما يقدموه؟